نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الكفالة مشروع الإمداد لليتيم

حوار :ليندا زراقط



قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيم (البقرة: 215). إن أهم ما يميّز المجتمع الإسلامي التواصل والتراحم بين أفراده اتباعاً لقول الرسول صلى الله عليه وآله:"مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى"(1).

والتكافل الاجتماعي وسيلة من وسائل تحقيق الترابط بين أفراد المجتمع. ومن أجمل صور التكافل, كفالة اليتيم التي تعتبر من أحب الأعمال إلى الله تعالى وباباً من أبواب الخير حيث وضع الإسلام الكثير من الحوافز والفضائل التي تحثّ على السعي إلى كفالة اليتيم ورعايته والعناية به من جميع النواحي.  ومن الجمعيات التي بادرت لتمسح بعض دموع وجع اليتم، لجنة إمداد الإمام الخميني قدس سرهحيث تم تأسيسها تزامناً مع ذكرى ولادة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وهي مؤسسة رائدة عامرة بالعطاء والخير.  ومن أجل التعرف عن كثب على مشروع كفالة اليتيم، ونظرة الإسلام والقرآن إلى ذلك وحول أهمية التكافل الاجتماعي، أجرت مجلة "بقية الله" لقاءً مع كل من الحاج محمد برجاوي مدير عام لجنة الإمداد الخيرية والسيد حسين أمين السيد في معاونيّة الثقافة والرعاية الدينية في جمعيّة الإمداد.

* رعاية شاملة ومتكاملة
بدايةً كان اللقاء مع الحاج محمد برجاوي فابتدأناه بالسؤال:
- هل لكم أن تعطونا نبذة عن مشروع كفالة اليتيم الذي تقوم به لجنة الإمداد الخيرية؟

يقوم المشروع في لجنة الإمداد على مبدأ كفالة اليتيم داخل أسرته عبر برنامج رعاية شاملة ومتكاملة يشمل كل أوجه الحياة بالنسبة لليتيم حتى يصل إلى مرحلة الاقتدار والاستقلالية. بطبيعة الحال الجمعية أسست لتكون لمن لا معيل له كالفقير واليتيم المريض والعاجز وكل من عسرت عليه ظروف الحياة. كما نحاول أن نقوم في الجمعية بكل ما نستطيع على كل الأصعدة من خلال ترميم المنازل وتوزيع مساعدات غذائية دورية لكل العوائل المشمولة برعاية الإمداد.  ويفوق عدد المستفيدين من الجمعية بشكل فعلي الاثني عشر ألف عائلة سنوياً منهم ما يقارب 4 آلاف يتيم مستفيد من الكفالة بشكل كامل.

- كما نعلم فإن ولادة الجمعية أتت تزامناً مع ذكرى ولادة الرسول صلى الله عليه وآله, فلماذا اخترتم هذه المناسبة بالذات؟
قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (الأنبياء:107)، وجاء في الحديث الشريف أيضاً: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" (2). فلقد تم اختيار مناسبة ولادة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله كونه وُلد يتيم الأب ومن ثم أصبح يتيم الأم. وكون ولادته نوراً للبشرية اخترناها لتكون مناسبة فرح لليتيم ولكافله وللإمداد أيضاً، فهذه المؤسسة تحمل اسم سليل النبوة الإمام الخميني قدس سره, الذي أعلن هذه المناسبة المباركة أسبوعاً للوحدة الإسلامية من كل عام. أما شعار المؤسسة فهو قوله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (الإنسان: 8) لذا، نقوم في كل عام وفي هذه المناسبة بحملة شاملة ونطمح أن نتحلّى ببركاتها وأن تعود على الكافل والمكفول معاً.

* فوائد معنوية وأخرويّة
- ما هي فوائد كفالة اليتيم وماذا تحقّق الكفالة؟

قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة"(3). وهناك عدّة أحاديث تتعلق بموضوع كفالة اليتيم والفوائد المعنوية والأخروية التي تعود على الكافل والمجتمع، فالكفالة تنتشل الطفل اليتيم من ظروفه الاجتماعية التي يعاني منها.

- ما هي أنواع الكفالات وقيمتها؟
بسبب الظروف الاقتصادية التي نمرّ بها طرحنا الكفالة بقيمة 2500 دولار سنوياً, ولكنّا لا نلزم الكافل بها إنما هو يستطيع أن يدفع قدر استطاعته فيشارك بكفالة اليتيم الذي له أن يحدّد عمره أو يختاره. وبالإجمال، ففي لجنة إمداد الإمام الخميني قدس سره يُكفل اليتيم في أسرته إلا في حالات استثنائية فقد نرعى الأيتام ضمن ميتم مع مدرسة.

- ما هي العلاقة بين الكفيل واليتيم؟
العلاقة بين الكفيل واليتيم إما مباشرة أو غير مباشرة أي عبر الجمعية فقط. وهذا الأمر يكون حسب طبيعة عمل الكافل وظروفه الحياتية إن كان على مستوى المنطقة أو مستوى داخل أو خارج لبنان والمؤسسة معنية بتسهيل كافة متطلبات هذه العلاقة لتكون علاقة مبنيّة على الودّ والاحترام وبالتالي تطمح المؤسسة والكافل لتعويض اليتيم قدر المستطاع عن فقد الأب.

* مسؤوليتنا إنسانية ودينية
وضمن زيارتنا للمؤسسة التقينا أيضاً، ولتكتمل لدينا الصورة، سماحة السيد حسين أمين السيد الذي تفضل بإجابتنا عما سألناه مشكوراً:
- سماحة السيد, بدايةً نود من جانبكم إيضاح أهمية مسؤولية المجتمع الأخلاقية والإسلامية تجاه اليتيم؟

إنَّ المجتمعات ومنذ تأسيسها قائمة على رعاية الأفراد؛ باعتبار أن الفرد الإنسان هو مسؤول عن أخيه الإنسان فكل ما يعتبر حاجة في المجتمع يجب على الأفراد أن يسعوا إلى تأمينها إذ لا بدّ لكل إنسان في المجتمع أن يكون مسؤولاً عن تمام المجتمع وهذا ما تتطلبه إنسانيته. والإسلام باعتباره هو دين الإنسانية والكمال. يعتبر أن الإنسان المسلم هو معني ليس بأفراد المجتمع فحسب بل بكل شؤون الأمة وأفرادها فلو أن رجلاً في الغرب أصابه مكروه يجب على الذي يعيش في الشرق أن يشعر بما أصاب ذاك المؤمن من مستوى من بات منكم شبعاناً وجاره جائع إلى مستوى "من سمع مسلما ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم"(4). فالرابطة الاجتماعية الدائمة والتي لا تنقطع بين الأفراد هي رابطة الحب في الله، فالإسلام والمجتمع الإنساني الذي يوحّده حب الله يبقى متماسكاً إلى يوم القيامة.

* فأما اليتيم فلا تقهر
- ما هو البعد الديني لكفالة اليتيم وكيف جاء الحثّ عليه في الروايات والتّعاليم السّماوية؟

إنّ اليتيم هو العنصر الأضعف في المجتمع الإنساني. ويصف الله عزّ وجلّ نفسه في القرآن الكريم بأنه راعي اليتيم وكافله ﴿ألم يجدك يتيماً فأوى (الضحى: 6) كما أن أبا طالب عم الرسول هو الكفيل الأول. ووصل أبا طالب إلى مقام عظيم من خلال كفالة النبي صلى الله عليه وآله. وقد أوصى الله تعالى باليتيم بقوله: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (الضحى: 9)، والمقصود بالقهر هنا كل ما يسبب أذيةً وإضعافاً ومذلة لهذا اليتيم حتى الأذيّة اللفظية.  والروايات التي حثت أيضاً على رعاية اليتيم كثيرة، منها: "كن لليتيم كالأب الرحيم واعلم أنك تزرع كذلك تحصد"(5). فالتكليف الذي وجهه النبي صلى الله عليه وآله للأمة أنه يجب على الفرد أن يعتبر نفسه أباً لكل يتيم فيعمل على تأمين حاجاته وبذلك تتوزع تأمين حاجات اليتيم المادية والمعنوية بين كل أفراد المجتمع.

- ما هي ثمرات وفضل كفالة اليتيم وأثارها على الكفيل؟
إن ما يحصّله الكفيل أكثر بكثير مما يحصّله اليتيم. وعليه يدخل الكافل من خلال رعايته لليتيم المكفول تحت الضمانة الإلهية في نفسه وعياله، وهذا طبقاً لما ورد في رواياتنا من السنن الإلهيّة "تَحَنَّنُوا عَلَى أَيْتَامِ النَّاسِ يُتَحَنَّنْ عَلَى أيتامكم" (6). هذا في الدنيا، وأما في الآخرة فقد جاء في الحديث الشريف: "من عال ثلاثة من الأيتام كان كمن قام ليله، وصام نهاره، وغدا وراح شاهراً سيفه في سبيل الله، وكنت أنا وهو في الجنّة أخوين كما أنّ هاتين أختان وألصق إصبعيه السبابة والوسطى" (7). أيضاً من الروايات التي تدل على الفوائد الدنيوية والأخروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه أتاه رجل يشكو قسوة قلبه، وقسوة القلب المقصود منها من الجهة الأخروية الخشوع والشعور بالخوف والبكاء بين يدي الله. قال صلى الله عليه وآله: "أتحبّ أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلِن قلبك وتدرك حاجتك" (8).

- ما هي العلاقة العاطفية بين الكافل واليتيم؟
مبدئياً الجانب الذي تتولاه الجمعية برعايتهم هو تأمين الجانب المادي، ونسعى إلى تامين الجانب العاطفي من خلال ربط وإنشاء علاقة بين الكفيل واليتيم. ولكن عادة تلعب الجمعية دور الأب الروحي والأب المعنوي والأب العطوف مع كل العوائل والأيتام بشكل خاص.


(1) شرح رسالة الحقوق، تحقيق حسن السيد علي القبانجي، ص 630.
(2) بحار الأنوار، المجلسي، ج 16، ص 210.
(3) مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 2، ص 474.
(4) مستند الشيعة، المحقق النراقي، ج 15، ص 25.
(5) بحار الأنوار، م.س، ج 74، ص 171.
(6) الأمالي، الصدوق، ص 154.
(7) ميزان الحكمة، الريشهري، ج 4، ص 3708.
(8) م. ن، ص 3709.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع