نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مع الإمام الخامنئي: إكرام المعلِّم.. والمتعلِّم




يوم المعلّم هو يوم الشعب كله؛ فالمعلّم ما عدا هويته الشخصية، له هوية تعليمية ترتبط بكل الذين يمكنهم التعلم والاغتراف من معينه. من هنا يمكن القول إن للمعلم هوية جمعية، وقيمته ترجع إلى هويته التعليمية هذه التي ترقى فوق القيمة المادية وثقافة الحضارة المادية. فالمعلم في تلك الثقافة محترم بمقدار ما يستطيع أن يجلب المال. والقضية فوق ذلك في منطق الإسلام.

* مهمّة التربية والتعليم
إنّ قضية التربية والتعليم هي قضية بث الروح والحياة والولادة في الإنسان المتلقّي. والإسلام ينظر إلى القضية من هذه الزاوية. ابذلوا جهودكم واسعوا لحفر أرض تبدو جافة لتفجروا فيها عين ماء؛ وازرعوا بذرة تبدو تافهةً جداً في أرضٍ خصبةٍ واسقوها لتنبت منها غرسة خضراء. هذه هي المسألة، سواء أكان ذلك قابلاً للتحويل إلى مالٍ أم لم يكن. فالإسلام ينظر بهذه العين لمهمة التربية والتعليم التي اضطلع بها المعلم في الماضي وقبل أن تتطاول الثقافة الغربية على بلادنا... لقد كانت للمعلم قيمة سامية من الناحية المعنوية.  لا بد أن يكون معيار تقييم المعلم هو التقييم الإسلامي، فمجتمعنا بحاجة لاحترام المعلم وتكريمه. وإذا احترم ولي أمر الطالب المعلم بالمعنى الحقيقي للكلمة، فسيكون هذا هو أيضاً شعور الطالب تجاه المعلم في الصف وبعد الصف. هذا ما نحتاج إليه.

* الرسول صلى الله عليه وآله معلّماً
ثمة حديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ينسب فيه التعليم إليه. يقول الحديث: "إنَّ الله لم يبعثني معنِّتاً ولا متعنِّتاً ولكن بعثني معلّماً ميسراً" (1)، أي لا أخوض في تعقيدات الحياة الصعبة ولا أطلب ذلك من الناس ودائماً أهدي الناس إلى الطريق السويّ الصحيح المعبّد وإلى الصراط المستقيم. وهذا هو معنى التسهيل وهذا هو شأن المعلم وهذه هي فكرتنا الرئيسة. كل قفل له مفتاحه، والمعلم يمنح المتعلم هذا المفتاح ويقول له: ضع هذا المفتاح بهذه الطريقة في القفل. هذه هي مهمة التعليم. المعلم يدل التلميذ على طريق الحل، هذه هي مهمة المعلم. في الرّواية عن أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله: "من علّمني حرفاً فقد صيّرني عبداً" (2). حينما يتعلَّم الإنسان شيئاً من شخص يكون قد تجاوز مرحلة معينة. لذلك من المناسب أن يعتبر نفسه عبداً وخادماً لذلك الهادي والمرشد. هذا هو لبّ المسألة. وها هنا نقطة أخرى لها أهميَّتها وهي خطاب لكم أيّها المعلمون أيضاً كما أنَّ للمعلم حرمته في نظر الإسلام ويجب أن يكرّم، كذلك المتعلِّم والتلميذ يجب أن يكرّم أيضاً. ينبغي عدم إهانة التلميذ. هذا جانب تربوي عميق، وهنا أيضاً توجد رواية تقول: "تواضعوا لمن تتعلَّمون منه العلم ولمن تعلّمونه، ولا تكونوا من جبابرة العلماء" (3).

 ينبغي معاملة التلميذ كالشمع في يد العامل يمنحه الشكل المناسب، ولكن بمرونة. هذا هو فن التعليم. وهذا جانب آخر من القضية القيمية في باب المعلم. في لقائي بالمعلمين طرحت قضية التغيير الجذري في التربية والتعليم. ما معنى هذا التغيير الجذري؟ قلت مراراً إنّنا لا نخجل من التعلم من الغربيين وغيرهم من الأجانب. لا نخجل أبداً من تعلم منهج أو أسلوب تعليمي أو علم معين أو اختراع من البلدان الأخرى، ولا نتراجع عن ذلك إنّما نتابعه ونتتلمذ، ولكن ثمة ها هنا نقطتان: الأولى هي أن نقيّم ما نأخذه ونرى هل ينفعنا أم لا. إذا كان ينفعنا مائة بالمائة نأخذه، وإذا كان يضرنا مائة بالمائة نرفضه. وإذا كان بين هذا وذاك نقبل منه بمقدار ما ينفعنا ونرفض الباقي. النقطة الثانية هي أن حالة التلميذ والأستاذ هذه ينبغي أن لا تستمر إلى الأبد. نعم، نحن على استعداد للتتلمذ عند من يتقن الصنعة التي لا نتقنها ولكن يجب أن لا يبقى الإنسان تلميذاً إلى الأبد، علينا أن نصبح أساتذة.

* دور المعلم في المجتمع
إنَّ عظمة عملية التربية والتعليم ترتقي إلى حد الامتزاج بين العمل الفكري والعلمي والمشاركة في الميادين الأساس للحياة، كما كان عليه الشهيد مطهري رضوان الله تعالى عليه. وهذا هو الوضع المنشود والمحبّذ في هذه المهنة الشريفة والعمل العظيم. ثمة نقطة أساس، وهي أن على المعلّمين معرفة عظمة العمل الذي أخذوه على عاتقهم والذي يقومون به. إذا علم المرء أي عمل عظيم يقوم به، سوف يتضاعف تحفّزه وحركته وإيمانه وسعيه في هذا العمل. هذه نقطة يجب أن تكون حاضرة دوماً أمام أعين معلمينا، وهي أنّ دور المعلم بالنسبة للمجتمع هو دور حيوي ولا يقبل المقارنة مع الكثير من الأدوار المهمة والحساسة في التزكية الاجتماعية.

* دور المعلم مع الطفل
في عصرنا الحاضر وسائل الإعلام وما إلى ذلك تؤثر جميعها، بيد أن دور المعلم يبقى دوراً بارزاً مميزاً. بوسع المعلم أن يخرج هذه المادة الخام حتى من أسر العوامل الوراثية، وقد أثبت العلم ذلك. بوسع المعلم تربية هذا الحدث أو الطفل وجعله إنساناً عالماً مفكراً يتحلى بروح البحث العلمي، ويرغب في البحث والدراسة والعلم، أو يجعله إنساناً سطحياً غيرَ راغبٍ في العلم والتعمُّق والبحث العلمي. بوسعه أن يخرِّجه ويقدمه للمجتمع إنساناً شريفاً نجيباً خيِّراً طيِّب القلب طاهر النفس، أو على العكس قد يجعله إنساناً شريراً مسيئاً. وبمقدوره أن يجعله إنساناً متفائلاً ذا ثقة بالنفس ومملوءاً بالأمل ومحباً للعمل والنشاط، أو على الضد من ذلك يمكنه تخريجه إنساناً يائساً قانطاً منعزلاً منكفئاً على نفسه، بوسعه التغلب حتى على عوامل التربية الخارجية مثل وسائل الإعلام. بل إن التعليم المستمر على مدى سنوات والعمل على هذه المادة الخام والقلب المستعد لتقبّل الأشكال المختلفة، يمكنه التفوّق حتى على الدور التربوي للوالدين. هذا هو دور المعلم.

* وصيتي لكم
المجتمع بحاجة إلى أفراد مؤمنين متحفّزين صبورين متفائلين آملين مهتمين بالمصالح العامة وراغبين في الوصول إلى قمم الكمال الفردي والاجتماعي، وأناس مبتكرين محققين باحثين وطلاب تقدم. من الذي سيخلق ذلك؟ هنا يبرز دور المعلم. جهاز التربية والتعليم مهم وحساس إلى هذه الدرجة.  توصيتي لكم جميعاً أيها المعلمون الأعزاء هي أن تؤمنوا بدوركم العظيم هذا وأن تعلموا أي دور خطير تمارسونه لمستقبل البلاد. الواجب ثقيل والطريق طويل والعمل صعب، ولكن في نهاية الطريق يلوح الضياء والنور الذي يمنحه الله. فنهاية الطريق بفضل الله مشرقة.


(1) صحيح مسلم، ج 4، ص 188.
(2) جامع السعادات، محمد مهدي النراقي، ج 3، ص 112.
(3) موسوعة العقائد الإسلامية، محمد الريشهري، ج 2، ص 270.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع