نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

خطوات للتكامل مع الأبناء

د. محمّد رضا فضل الله



يقول الله سبحانه وتعالى:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. (الروم: 21). تمثل الأسرة النافذة الأولى الّتي يطلّ منها الطفل على العالم، وتشكّل البيئة المناسبة الّتي يعيش فيها الحبّ والحنان، ويأخذ منها مبادئ الكلام والتفاهم، ويمارس فيها نشاطات المشي واللعب، ويكتسب من خلالها القدرة على التواصل والتكيّف الإيجابي مع محيطه. والطفل - عادة - يقضي سنواته الأولى في حضن أمّه، ورعاية أبيه، فيخضع خلالها لأنماط من السلوك على التواصل والتكيّف الإيجابي مع محيطه. وبما أن الطفل هو نتاج أسرة مكوّناتها بالحدّ الأدنى أب وأمّ وولد، فإنّ الكثير من معالم شخصيّته تحدّدها، بالإضافة إلى الوراثة، طبيعة التربية المنطلقة من الأطر الثقافيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة والسلوكيّة... الّتي يعتمدها الأبوان في تعاملهما معه.

* لتحقيق نمو متوازن
ومن أجل وقاية الطفل وضمان سلامته نرى التوجّه الديني يؤكِّد على صحّة المحيط الّذي سينتج عنه، أي الزوج والزوجة بالدرجة الأولى، فهو الّذي سيحضنه ويرعاه، وهو الّذي سيقتبس عنه أخلاقه وعاداته وثقافته... وهنا، من الحكمة أن يملك كل من الأب والأمّ الثقافة الأسرية الّتي تؤهّل كلّاً منهما لأنّ يمارس دوره في توفير رعاية جسديّة سليمة، ونفسيّة هادئة، وعقليّة متوازنة، واجتماعيّة متكيّفة، وروحيّة مطمئنة... ومن أجل أن يحقّقوا له كلّ هذا النمو المتوازن، على الأهل أن يدخلوا إلى عالمه الشعوري والذهني في كلّ مرحلة نمائيّة، فيرصدوا واقعه وحاجاته، واللغة الحوارية المناسبة الّتي يدركها، والمفاهيم المعرفيّة الّتي تنسجم مع مستواه الذهني، والأجواء النفسيّة الّتي تحدّد ما يحب ويكره، ويرغب ويرفض، كلّ ذلك من أجل أن يتسلّلوا إلى عقله ليبنوا قناعاته، وإلى وجدانه ليشبعوا عاطفته، وإلى قدراته ليوظفوها لخدمة ذاته ومحيطه.

أحبُّوا صغاركم
وحتّى نستطيع أن نبلغ هذا الهدف، في كسب محبّته وثقته، والانفتاح على كلّ آفاقه وتطلعاته، علينا تحديد حاجاته، وطرق الاستجابة لها بالأساليب الّتي تكفل لديه الرغبة والانسجام، وهذا يتطلب أوّلاً وأخيراً بناء علاقة وجدانيّة تستجيب لحاجة أساسيّة في نمّوه وهي المحبّة والشعور بالأمن.يقول رسول الله  صلى الله عليه وآله: "أحبّوا الصبيان وارحموهم"(1)، و"من قبّل ولده كتب الله له حسنة، ومن فرّحه، فرّحه الله يوم القيامة" (2). ويقول الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله عزّ وجلّ يرحم الرجل لشدّة حبّه لولده" (3).

فالمحبّة أساس في توازن شخصيّة الطفل، والطفل الّذي يكتفي منها سواء من أبيه أو أمّه أو مربيه فإنّه يصبح أداة قابلة للتفاعل مع الآخر، الّذي يمكن أن يمثّل القدوة لديه، بحيث يستطيع أن يؤكِّد مفاهيمه وقيمه وآدابه في ذاته. يقول أحدهم مخاطباً مربّية تعيش بعض الضيق في ضبط الولد: "أحبّي الطفل على حبِّك ثمّ اطلبي منه ما تشائين".

وفي إطار تعامل الأب مع الطفل مثلاً نلتقي بالحديث النّبوي: "من كان عنده صبي، فليتصابَ له" (4)، أي ينزل إلى مستواه، فيشاركه اهتماماته باللغة الّتي يألفها، وبالأساليب الّتي يتفاعل معها، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض الخصائص الّتي تكون - عادة - موضع شكوى الأهل وحيرتهم، وبالأخصّ الوضع الحركي الّذي يتمثّل بالحيويّة والنشاط الناتجَين عن النمو البدني عبر فائض من الطاقة الّتي هي بحاجة إلى تصريف، فالطفل يرفض أن يبقى هادئاً ساكناً لفترة، وهذا ما يفرض على الأهل توفير بعض النشاطات المعيّنة الّتي تساهم في تصريف الطاقة من جهة، وتحقّق بعض الانضباط الذاتي من جهة أخرى، ولذا كان على الأهل امتلاك ثقافة اختيار ما يناسب من النشاطات لتحقيق هذين الأمرين وبالأخصّ توفير الفائدة والمتعة والتسلية.

* لاعبه سبعاً
وعلى الأب أن يعلَم أنّ اللعب حاجة لنمو الطفل جسدياً ونفسيّاً وعقليّاً واجتماعيّاً وتعلميّاً... وبالأخصّ في المرحلة الأولى من عمره والّتي حددها الحديث النبوي: "دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدّب سبع سنين، وألزمه نفسك سبع سنين" (5). فمن خلاله يفهم الطفل ذاته، ويكتشف محيطه، ويسيطر على بيئته، ويغني عقله بالمعرفة، ويحرّر نفسه من الكبت والعقد. فاللعب بالإضافة إلى كونه أداة تسلية ومتعة، فإنّه يتمتع بوظائف تربوية هامّة جعلت التربية الحديثة تعتمده كأسلوب تعليمي ناشط تُقدّم المعارف وفقه على شكل ألعاب ونشاطات ورحلات، فالأطفال في هذه الأيّام يتعلمون باللّعب الّذي يعيشون من خلاله المتعة في الوقت الّذي يكتشفون فيه المعارف بجهدهم ونشاطهم الذاتيّين. هذا الواقع يفرض على الأب في تعامله اليومي مع الطفل أن يتصابى له، فيمارس اللعب المسلّي والمثقّف والمربّي، من خلال اختيار أنماط من الألعاب الّتي تثير فيه القدرات فتحرّكها وتنمّيها في الوقت ذاته. والطفل بفطرته زوّده الله تعالى بغريزة حبّ الاستطلاع، وهو ما يُعبّر عنه بالفضول والحشريّة لاكتشاف الغامض والمجهول، سواء في معالجة كلّ ما تتداوله يداه من ألعاب وأدوات، أو بالأسئلة الّتي تزدحم في ذهنه، والّتي من خلالها يتوقّع أجوبة واستفسارات تزيل لديه القلق المعرفي والتوتر العقلي، والّتي أيضاً قد تزعج الأهل الّذين قد يحارون في الأجوبة الّتي يمكن أن تناسب مستوياتهم العقليّة، باللّغة والمصطلحات الّتي تنسجم مع تعابيرهم ومفرداتهم... وهنا على الآباء أن يتقبّلوا كلّ الأسئلة الّتي يطرحها عليهم أولادهم، مهما كانت طبيعتها، وأن تكون لديهم الثقافة الكافية الّتي تُساهم في معالجة هذه الأسئلة بالأجوبة الّتي ترضي له فضوله، وتحقّق له كفايته واستقراره الذهني.

* تأثير القصة، الرحلات والتقليد

وفي هذا الإطار على الآباء أن يغنوا عالم الطفل بالمعارف والخبرات الّتي توسّع له من آفاقه، وتساعده على اكتشاف محيطه. وهذا يتطلب منهم أن يكون لديهم مخزون ضخم من القصص الطفوليّة الهادفة، باعتبار أنّ القصة فنٌّ يُغري الطفل، ويثير عشقه ورغبته وولعه، وبالتالي يستطيع أن يثقّفه بالمفاهيم والقيَم الّتي تتحوّل إلى سلوك واقعي، يتقمّص فيه شخصيّات الخير والحقّ، ويرفض فيه الشخصيّات المعاديّة، من خلال سحر القصة وجاذبيتها. ثمّ إنّ معارف الطفل تزداد كلّما أوغل في اكتشاف البيئة، وبالتالي يملك من خلال ذلك القدرة على التكيّف ومعالجة كثير من القضايا والمشاكل، وهذا ما يفرض على الآباء اصطحاب أبنائهم في زيارات ورحلات إلى أماكن يكتشفون فيها المجهول، ويتعلمون فيها كثيراً من أنماط السلوك.

وهنا نركز على اصطحاب الأولاد إلى المساجد والمقامات المقدّسة في المناسبات الدينيّة المتنوعة، من أجل أن يعيشوا الجو الروحي من جهة، ويألفوا الطقوس العباديّة من جهة أخرى. والطفل في تطوره ونموه يكتسب قيَمه وأنماطه السلوكيّة من خلال التقليد والمحاكاة اللذين يطبعان شخصيّته بالسلب والإيجاب، فهو يتقمّص شخصيّات من يشاهدهم، وبالأخصّ من يحبهم، فيحاكي المسالِم، ويقلّد المتمرد، وهذا ما يجب أن يأخذه الآباء بعين الاعتبار، فلا يأخذوا حريّتهم في التصرفات العشوائيّة أمام أولادهم، فالولد مقلّد ماهر، والأهل هم النموذج الأوّل الّذي يعيش معه ويحبّه ويحترمه ويثق به، ويستجيب لحاجاته ومتطلباته، ويوفِّر له أمنه واستقراره. وأخيراً نؤكِّد على لغة الحوار المناسب مع الطفل في كل علاقاته مع والديه، الحوار الّذي نثير من خلاله محبّته وثقته، ونستطيع أن ندخل إلى عقله، ونحرّك وجدانه، ونغرس كلّ ما يناسب من قناعات وأخلاق وآداب ومعارف وخبرات.


(1) الكافي، الشيخ الكليني، ج 6، ص 49.
(2) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 21، ص 475.
(3) ثواب الأعمال، الشيخ الصدوق، ص 201.
(4) وسائل الشيعة، ج 21، ص 486.
(5) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج 3، ص 492.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع