نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

عناصر الانتظار(1): الـثـــــورة والاعتراض


الشيخ علي الرضا بناهيان


ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج من الله عزّ وجلّ"(1). ولمّا كان "الانتظار" أفضل الأعمال، كان له أثرٌ كبير في تكاملنا روحيّاً ومعنويّاً، وكان لا بدّ من أن نعيشه بإحساسنا ووجداننا بشكل أمثل. وهذا ما تُعيننا عليه معرفة العناصر المكوّنة للانتظار. من هنا، سنتحدّث عن أهمّية تلك العناصر وتأثيرها في النفس، وتعدادها والوقوف عندها، ضمن مقالات عدّة بدءاً من عددنا هذا.


* الشعور بالانتظار: قوّة لا مثيل لها
يمكن لكلّ منتظر، من خلال التدبّر في انتظاره، معرفة العوامل الّتي أوجدت فيه حالة الانتظار، والحالات والخصائص المكوّنة له. تلك الخصائص الّتي متى ما اجتمعت، ولّدت الشعور بالانتظار. وإن حلّ الشعور الحقيقيّ لانتظار الموعود -الّذي سيغيّر العالم- في قلب أحدٍ ما، فسيقلبه لا محالة، وسيودع فيه قوّة لا مثيل لها، وسيهبه طاقةً فائقة، ويغيّر رؤيته الكونيّة.

* أوّل عناصر الانتظار: الاعتراض
العنصر الأوّل للانتظار هو الاعتراض على الوضع الموجود، وهو مقدّمة لظهور الشعور بانتظار الفرج؛ فمَن كان راضياً بما هو قائم، لا يمكنه انتظار أفضل منه. وهذا الاعتراض يؤدّي إلى الولع الشديد بما يجب وجوده. ودرجات الاعتراض متفاوتة، فكلّما قلّت درجته، ضعفت قوّة الانتظار لدى الإنسان. وفي المقابل، إذا اشتدّ الاعتراض، يؤول إلى طلب الإصلاح والتغيير. وإذا كان الاعتراض أكبر وأعمق من أن يعالج بالإصلاحات السطحيّة، سيكون "الانتظار" أشدّ أيضاً.

* خصائص اعتراض المنتظرين
1- منطقيٌّ لا يُساوَم عليه: وإذا كان الاعتراض أكثر منطقيّة، كان انتظار الإنسان أكثر استدامة؛ فإنّ الاعتراضات الناشئة عن المصالح، وعن الأهواء النفسيّة المتغيّرة، لا تدوم، وتتحطّم عبر الاصطدام بأدنى مانع. وأصحاب تلك الاعتراضات يمكن مساومتهم دوماً. والمعترض الّذي لم يستند اعتراضه إلى العقل، تنتابه حالات شكّ وتردّد على الدوام، ولا يقاوم في سبيل اعتراضه.

2- وليد البحث عن الكمال: كما أنّ عدم الوصال أيضاً، يولّد حالة الاعتراض في نفس كلّ عاشق لازدياد الشوق إلى الوضع المنشود، ويزداد لهيب الانتظار اتّقاداً في روح الإنسان؛ ولهذا، فإنّ للاعتراض أثراً بالغاً في حركة الإنسان وحياته، وفقدانه يسبّب الركود والجمود. وإنّ الاعتراض وليد روح الإنسان الطالبة للكمال في هذه الدنيا. فلا يمكن أن تودع أمنيّة القرب في فطرة الإنسان، دون أن يشعر في قرارة نفسه بفرار من النقائص والعيوب والنفور منها.

* فوائد الاعتراض
1- الشعور بالحاجة إلى الولي: على الرغم من أنّ الغيبة تقديرٌ إلهيّ، ولكن يمكننا أن نشكو إلى الله غيبة وليّنا، كما في دعاء الافتتاح: "اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْکُو إِلَيكَ فَقْدَ نَبِيّنَا، وَغَيبَةَ وَلِيّنَا، وکَثْرَةَ عَدُوِّنَا، وَقِلَّةَ عَدَدِنَا"(2). وقد تكون واحدة من حِكَم الغيبة، تبلور هذا الاعتراض المقدّس؛ ليتأهّل الناس لإدراك حضوره وظهوره. كما أنّ من حقّنا أن نحيا في ظلّ نور إمام معصوم؛ الحقّ الّذي سُلب منّا بسبب ظلم الظالمين عبر التاريخ، كما يقول الإمام الصادق عليه السلام في مناجاته الإمامَ المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وهو لم يولد بعد، بحزن واكتئاب: "سَيدِي غَيبَتُكَ‏ نَفَتْ‏ رُقَادِي"(3). وإنّها لقيمة عظيمة أن يصل الإنسان إلى الاعتراض على غيبة مفسّر القرآن ومحيي معالم الدين؛ ليكون لانتظاره معنى حقيقيّ، عندما نقول في دعاء الندبة: "أَينَ مُحْيي مَعَالِمِ الدِّينِ وَأَهْلِه؟"(4).

2- اليقظة: لعلّ فلسفة ازدياد الظلم والفساد في آخر الزمان، هي سوقنا إلى الاعتراض على الزلّات والانحرافات المستجدّة؛ لأنّ جهدنا كان قد انصبّ على تنمية حياتنا، فغفلنا عن النقائص والعيوب، ولن نلتفت إليها إلّا إذا عشنا في وسط ظلم فادح وفساد شامل.

3- القيام على الظالم: يتطوّر المنتظِر من اعتراضه على الظلم والفساد، إلى المواجهة مع الظالم والمفسد بشخصيهما، ويعترض على المتسبّبين بالأوضاع السيّئة في العالم. وتكمن أهمّيّة ذلك في أنّ من السهل استقباح "الظلم"، لكن قلّةً من يملكون الشهامة لمعاداة "الظالم". علماً أنّ المنتظر لا يعادي كلّ فاسد أو سيّئ، بل هو يريد نجاتهم وهدايتهم، ويسعى إلى ذلك، ولكنّه لا يقف إلى جانب المفسدين والممهّدين للفساد. وفي الحقيقة، حينما تصل قضيّة الانتظار إلى معاداة المفسدين، ينسحب الكثير ممّن كانوا يعدّون أنفسهم من المنتظرين؛ بسبب مساومتهم الظالمين والمفسدين. والمساومة ميل خبيث إذا نفذ إلى روح المؤمن، أفسد إيمانه، حيث يمكن أن يسوق المؤمنين ليحزّوا رؤوس أولاد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

4- عدم الاستبدال: يقول تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرينَ يُجاهِدُونَ في‏ سَبيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَليمٌ﴾ (المائدة: 54). فالمؤمنون الّذين يعرض الله عنهم ويستبدلهم بجماعة شُجاعة، هم الّذين ينزعون إلى أعداء الله، ويتشبّثون بشتى الوسائل والذرائع للتخلّي عن معاداة أعداء البشريّة، تحقيقاً لمآربهم.

* آفات الاعتراض
قد يقترن الاعتراض على الوضع الموجود ببعض الآفات الخطيرة، ولا سيّما في المجتمعات الممهّدة للظهور، منها:
1- الغلوّ والمبالغة في الاعتراض: قد يفرِّط المنتظِر في تقدير سوء الأوضاع، وعدم رؤية الأمور الإيجابيّة، فيصل إلى اليأس والقنوط. وهذه المبالغة في الاعتراض، مضافاً إلى أنّها تزرع في الإنسان الروح السلبيّة والحِدّة في الأخلاق، وتُشوّه الصورة الجميلة لـ"الاعتراض في مسار الانتظار"، بإمكانها أن تسبّب التسرّع في العمل وهدم ما هو مطلوب. يقول الإمام الصادق عليه السلام: "احْذَرُوا عَلَى شَبَابِکُمُ الْغُلَاةَ لَا يفْسِدُوهُمْ"(5)؛ لأنّ الشابّ يميل -بصورة طبيعيّة- إلى الغلوّ والانفعال، والمبالغة في مشاهدة النقاط السلبيّة؛ ما يجعله يقوم بإجراءات تعسفيّة أو يُصاب بالإحباط.

2- اليأس: ومردّه إلى عدم مشاهدة الأرضيّات والاستعدادات المناسبة، ولكن لنعلم أنّ الله سبحانه قد وفّر في أسوأ الحالات -أيضاً- فرصاً للخروج من المآزق والأزمات، فلا بدّ من البحث عنها واغتنامها.

3- السلبيّة المطلقة والعبثيّة: لا ينبغي أن نعدّ الوضع الموجود سيّئاً على الإطلاق، مهما كانت الظروف، ولا أن نعدّ جميع الناس أشقياء ولا يمكنهم الهداية. وهذه النظرة السلبيّة للمجتمع علامة على بعض الأحاسيس السطحيّة لدى صاحبها؛ إذ ضعيف التحليل هو الذي يرى كلّ شيء فاسداً. وقد يستمرّ بعض المنتظرين في اعتراضاتهم الوهميّة حتّى بعد ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويسبّبون له الأذى.

* لإزالة آفات الاعتراض

تزول آفات الاعتراض إذا استطاع المعترض مشاهدة الطريق الموصل إلى الوضع المنشود، واغتنام كلّ فرصة تؤدّي إلى المحبوب، ولا يُعرض عن هذه الفرصة العظيمة الّتي أُتيحت عبر دماء الشهداء المنتظرين، ويصرخ بصرخة الاعتراض المطلق في مجرى الانتظار، كما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يخرُجُ ناسٌ مِن المَشرِقِ فَيوطِّئُونَ للمَهدِيِّ سُلْطانَهُ"(6).


1- كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق، ص644.
2- الدعاء الوارد في زمن الغيبة عن الإمام الحجة عليه السلام نقلاً عن سفيره الأول؛ کمال الدين وتمام النعمة، ج2، ص514. وأيضاً في الدعاء الوارد في قنوت الركعة الأخيرة من صلاة الليل (صلاة الوتر): الأمالي، الطوسي، ص432.
3- کمال الدين وتمام النعمة، (م.س)، ج‏2، ص353.
4- إقبال الأعمال، ابن طاووس، ص297.
5- الأمالي، (م.س)، ص650.
6- ميزان الحكمة، الريشهري، باب "الثَّورَةُ الإسلامِيَّةُ فِي الشَّرقِ"، ح2366.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع