نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

في رحاب بقية الله: أنتم عُمَّار الأرض


الشيخ نعيم قاسم


ذكر الشيخ الصدوق في كتابه "الخصال"، أنَّ أمير المؤمنين علي عليه السلام علَّم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه، ونقل العلامة المجلسي في "بحار الأنوار" فقراتٍ* عن زمان فرج الإمام المهدي عجل الله فرجه ومقام ومكانة محبي أهل البيت عليهم السلام، نذكر منها:

1 - خيراتُ الفَرَج: "ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها، ولذهب الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم, حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلا على النبات, وعلى رأسها زينتها لا يهيجها سبع ولا تخافه". تستحقُّ هذه الخيرات من السماء والأرض عند ظهور القائم عجل الله فرجه أن يأنس بها الإنسان، وأن يطيب له العيش مع القلوب المؤمنة الصافية التي لا تسيء ولا تستغيب، وأن تهنأ حياته مع انتشار الأمن والأمان، كل ذلك ببركات صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، ولو لم يكن إلاَّ نعمة ظهوره ووجوده بيننا كإمام معصوم لكفى، فكيف إذا ما أضفنا نشر العدل، وقيام دولة الحق، وكثرة الخيرات على امتداد المعمورة.

2 - المقام الرفيع: يتعذَّب المؤمنون من أهل الكفر والظلم والفساد، ويعيشون الغربة بين أهلهم وفي أوطانهم، ويعانون من البلاءات المختلفة في زمن الغيبة، حتى تبلغ القلوبُ الحناجر من شدة البلاء، لكنَّهم فائزون إذا ما صبروا وتحمَّلوا واعتصموا بحبل الله تعالى، ولهم مقام عظيم لتضحياتهم وثباتهم. "لو تعلمون مالكم في مقامكم بين عدوكم وصبركم على ما تسمعون من الأذى لقرَّت أعينكم، ولو فقدتموني لرأيتم من بعدي أموراً, يتمنى أحدكم الموت مما يرى, من أهل الجحود والعدوان, من أهل الأثرة والاستخفاف بحق الله تعالى ذكره, والخوف على نفسه. فإذا كان ذلك, فاعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرَّقوا، وعليكم بالصبر والصلاة والتقية".

3 - النجاة: لا تحصل النجاة إلاَّ بسلوك طريق الحق وولاية أهل البيت عليهم السلام، فلا تتركوا هذا الطريق، وكونوا فيه صادقين، فالمخادع الذي تظهر له وجوهٌ متعددة خاسر، ولا ينفعه أن يكون تارة مع الحق وأخرى مع الباطل وثالثة يتلوَّن بينهما، والمعادي الذي استبدل أهل الحق بغيرهم هالك. "واعلموا أنَّ الله تبارك وتعالى يبغض من عباده المتلوِّن، فلا تزولوا عن الحق وولاية أهل الحق, فإنَّه من استبدل بنا هلك، ومن اتَّبع أثَرنا لحَِق، ومن سلك غير طريقنا غرق".

4 - الرحمة أو العذاب: نتحمَّل مسؤولية اختيارنا، فإذا ما أحسنَّا الاختيار مبتدئين بحب آل البيت عليهم السلام ومسارهم، تنهالُ علينا أفواجُ الرَّحمة الإلهية من كل حدبٍ وصوب، وتنفتحُ أمامنا طريق الهداية، ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت: 69)، ونرتقي في درجات الجنة في المنازل العليا. وإذا ما أساء بعضنا الاختيار مبغضاً آل البيت عليهم السلام وطريقهم، ينزل عليه الغضب بكثرة لا إحصاء لها، ويظلُّ محروماً من أية هداية، ثم تتالى الخسائر لتُتوَّج بعذاب يوم القيامة. "وإنَّ لمحبينا أفواجاً من رحمة الله، وإنَّ لمبغضينا أفواجاً من عذاب الله. طريقنا القصد, وفي أمرنا الرشد، أهل الجنة ينظرون إلى منازل شيعتنا كما يُرى الكوكب الدري في السماء, لا يضلُّ من اتَّبعنا، ولا يهتدي من أنكرنا".

5 - الخسارة: "ولا ينجو من أعان علينا [عدونا], ولا يُعان من أسلمنا، فلا تخلفّوا عنا لطمع دنيا بحطام زائل عنكم, [وأنتم] تزولون عنه، فإنَّه من آثر الدنيا علينا عظُمت حسرته, وقال الله تعالى: ﴿يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ. كلُّ مصائبنا من حبّ الدنيا، فهي رأس كل خطيئة، وهي التي تدفع إلى الانحراف، فإذا ما انحرف الإنسان تتالت خطوات الضلال، وأحاطت به من كل جانب، حتى يخسر أي نور إلى مسيرة الحق. لذا، نلاحظ أنَّ مَنْ يعادي أهل البيت عليهم السلام لا يكون موفقاً في شيء، فهو يخسر الاستقامة، والفهم السليم، ومعرفة الطريق إلى الصلاح...فلنعمل كي لا تغرينا الدنيا الفانية، وإلاَّ عشنا الحسرة، وعندها تحصل الخسارة الكبرى التي لا يمكن تعويضها، وهي غضب الله تعالى نصرة لأوليائه، وحسابٌ عسيرٌ بالخلود في جهنم.

6 - المعرفة: اسلك طريق المعرفة لتنجو، واطَّلع على ما جاء في القرآن الكريم والسنَّة النبوية الشريفة لتعرف الحقَّ وأهله، وانظر إلى حياة وسلوك ومواقف أهل البيت عليهم السلام، فقد حموا الدين وحافظوا على نقائه واستقامته لإيصاله سليماً إلى كل الأجيال، وتعمَّق في سيرتهم التي سطعت في العالم الإسلامي، رغم كل التحديات والأذى ومحاولات التشويه التي طالتهم من السلطات الحاكمة وناصبي العداء لهم، فالله تعالى حافظٌ ومدافع ومعين، وهو الذي يسَّر لنا سبيل المعرفة للهداية. "سراجُ المؤمن معرفةُ حقنا، وأشدُّ العمى من عمي من فضلنا، وناصبنا العداوة بلا ذنب, إلاَّ أن دعوناه إلى الحق, ودعاه غيرنا إلى الفتنة فآثرها علينا. لنا راية من استظلَّ بها كَنَتْه (أي حفظته)، ومن سبق إليها فاز، ومن تخلَّف عنها هلك، ومن تمسَّك بها نجا".

7 - عُمَّارُ الأرض: هنيئاً لمن جسَّد خلافة الله تعالى على الأرض بطاعته وتنفيذ أوامره ونواهيه، ومباركٌ لعُمَّار الأرض الذين استخلفهم الله تعالى ولم يستبدل بهم غيرهم، وذلك بسبب جدارتهم واستحقاهم، إنَّها المكانة التي لا يحصل عليها إلاَّ المتقون. "أنتم عُمّار الأرض, [الذين] استخلفكم فيها، لينظر كيف تعملون، فراقبوا الله فيما يرى منكم، وعليكم بالمحجَّة العظمى فاسلكوها, لا يستبدل بكم غيركم, ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ, فاعلموا أنَّكم لن تنالوها إلا بالتقوى". من حقِّك أيها المؤمن أن تكون مطمئناً لأنك تنتظر ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه، خاصة إذا ما أعددت لهذا الظهور في إطار التقوى والعمل والجهاد، بحيث تتأثر كل حياتك بهذا المسار، فتوالي أهل البيت عليهم السلام، وتلتزم طاعة الله تعالى، وتسلك خط الجهاد في سبيله، وتبذل أقصى جهدك لتثبيت معالم هذا الدين، ولا تهزك الهزاهز، ولا تثنيك البلاءات والتضحيات عن عزمك، كل ذلك وأنت مدركٌ تماماً لما تفعل، عارفٌ ببداية ونهاية الطريق، تتمنى أن ترى الإمام عجل الله فرجه يقودك في حياتك، ومع ذلك تسلم أمرك إلى الله تعالى راضياً بما قسم لك، لأنك تسلك الطريق نفسه في غيبته كما لو كان ظاهراً، من دون أن يثنيك ذلك عن بذل ما لديك، قربة إلى الله تعالى، ورجاء مرضاته. هنيئاً لمن اختار هذا الطريق المملوء بالخيرات في كل زمان ومكان.


* - الشيخ الصدوق، الخصال، ص: 626 / العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج65، ص: 61.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع