نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

كيف تعامل النبي مع مكائد اليهود؟


الشيخ تامر حمزة


المتدبر في الآيات القرآنية التي تتحدث عن اليهود يجد أنهم قد انطووا على صفات خبيثة على مستوى الأبعاد الثلاثية للإنسان، العقل والروح والسلوك. ومن الملفت أننا لم نجد آية واحدة تحمل لهم منقبة حتى ولو كانت صغيرة، وهذا ما يكشف عن الطبيعة التي تحكم وجودهم وحياتهم. فمثلاً، كثرة المجادلة أدت إلى التضييق على أنفسهم وحب البقاء والحياة حتى ولو كانا على جماجم الآخرين. ومن ضرب المسكنة والذلة عليهم إلى تميزهم بروحية العداء لكل من لم يخدم مصلحتهم حتى ولو كان من عالم الملائكة. ومن بروز العنصرية في شخصيتهم، إلى نقضهم للعهود والمواثيق كعنصر أساسي في سلوكياتهم. وسنقتصر في الحديث عن فئة منهم وهي جماعة بني قينقاع ضمن النقاط التالية: النقطة الأولى: الهوية والمكان: بنو قينقاع قوم من اليهود وهم أشجع اليهود، كانوا صاغة، وكانوا حلفاء عبادة بن الصامت وعبد الله بن أبي سلول. والذي يظهر من كتب التاريخ أن بني قينقاع كانوا يقطنون المدينة المنورة وحولها إضافة إلى فئتين أخريين منهم وهم بنو النضير وبنو قريظة، ويشهد لذلك أن العهود التي أقرّها النبي صلى الله عليه وآله مع الفرق الثلاثة إنما كانت بعد هجرته المباركة من مكة إلى المدينة، وهذا ما أورده ابن كثير في تفسيره(1).

* النقطة الثانية: المعاهدة
بما أن النبي صاحب رسالة سماوية وقد بشر به كل من سبقه من أنبياء، وعلاماته غير خفية في كتب السماء لا سيما في التوراة والإنجيل ـ، يجب أن يكون أهل الكتاب أول من يؤمن به ويصدقه في دعوته، لتوفر الأدلة بين أيديهم من كتبهم، مضافاً إلى اختباره من خلال توجيه الأسئلة إليه من أحبارهم وتيقنهم بنبوته. وبناءاً عليه، يجب أن يكونوا جزءاً من هذه الأمة، باعتبار أن نبوة النبي في مسار كل النبوات، وأن الأنبياء السابقين ممهدون ومبشرون بنبوة محمد صلى الله عليه وآله. ولذا، فإن المعاهدات التي يكون أمثال هؤلاء أحد أطرافها مع النبي صلى الله عليه وآله تكشف بحد ذاتها عن اتخاذ القرار بتمايزهم عن النبوة الجديدة عقائدياً وسلوكياً. وبالرغم من ذلك، فإن النبي استجاب لطلبهم في عقد الهدنة بينه وبينهم، إتماماً للحجة عليهم، وقد كتب لهم على أن لا يعينوا عليه أحداً، ولا يتعرضوا لأحدٍ من أصحابه بلسان ولا يد ولا بسلاح ولا بكراع، في السر أو العلن، لا بليل ولا بنهار، فإن فعلوا، فرسول الله في حلّ من سفك دمائهم وسبي ذراريهم ونسائهم وأخذ أموالهم... وكتب لكل قبيلة كتاباً على حدة(3). وهناك إجراء لم يُعلَم أنه حصل قبل الهدنة أم بعدها، ولكن بعد أن نصره الله سبحانه يوم بدر عمد إلى جمع اليهود في سوق بني قينقاع، فقال: "يا معشر اليهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً". قالوا: يا محمد، لا يغرنّك من نفسك أنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وأنك لم تلقَ مثلنا(4). وعلى أثر ذلك، نزل قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَار (آل عمران: 12 13).

* النقطة الثالثة: هدنة متزلزلة وعهد كاذب
كما ذُكر سابقاً من أن بني قينقاع كانوا صاغة، فإن النبي عندما جمع اليهود تم ذلك في سوقهم وهذا يكشف عن قدراتهم الاقتصادية، مما ساهم في غرورهم ومبادرتهم لنقض العهد ونبذ الميثاق بينهم وبين النبي، وكان بداية ذلك ما حصل في سوقهم مع إحدى المسلمات التي كانت مشمولة في المعاهدة، فقد أجمع الفريقان على أن امرأة من العرب قدمت بحلي لها، فباعته في سوقهم وجلست إلى صائغ بها فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فلم تفعل، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فغضب المسلمون ووقع الشر(5).

* النقطة الرابعة: أسباب النقض
الأول: الغرور: كان بنو قينقاع يعتبرون أنفسهم أشجع قوم من اليهود، وعلى المستوى الاقتصادي، هم الفئة الأكثر أموالاً، وقد رفض رؤساؤهم أن يقرضوا المسلمين مالاً، وقد أجابوا رسول الله حينما طلب منهم القرض بقولهم: احتاج ربكم أن نمده؟ فنزل قوله تعالى: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا (آل عمران: 181).

الثاني: تحريض قريش لهم: إن الذين خسروا المعركة في مواجهة النبي في بدر تحركوا نحو اليهود للتحالف معهم ضد النبي، وكانت لهم القابلية لذلك. وفي هذا المجال، كتب كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود: إنكم أهل الحلقة والحصون، وإنكم لتقاتلن صاحبنا، لنفعلن كذا وكذا ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء، وهي الخلاخل، فلما بلغ كتابهم النبي صلى الله عليه وآله أجمعت بنو النضير على الغدر(6) وكان أول المبادرين إلى الغدر والنقض بنو قينقاع ثم بنو النضير ثم بنو قريظة.

الثالث: شبكات التحالف: كان بنو قينقاع حلفاء لعشيرة الخزرج، مما جعلهم يعتقدون بقوة قاهرة لا يقدر عليها أحد. ومما زاد في طمعهم تحالفهم مع المنافقين، أمثال عبد الله بن أبي سلول وغيره من الوجهاء أمثال عبادة بن الصامت.

*النقطة الخامسة: الرد على إفسادهم
ما نقل في كتب التاريخ وما ظهر على صفحات السير هو أقل بكثير من مكرهم الخفي الذي كانوا يحيكونه ويخططون له للدعوة الفتية، ولكن لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله. وبعد أن صبر رسول الله طويلاً عليهم لحين نضوج الأمر بعد الرد المناسب والتعامل معهم بما يوافق الحكمة، عمد إلى أسلوبين للقضاء على فسادهم وإفسادهم.

الأول: القضاء على منابع الغرور والإفساد
  بعد أن رصد النبي كل الأعمال الحربية والخروقات التي قام بها اليهود، قرر صلى الله عليه وآله أن يقوم ببعض الردود المحكمة لإدخال الرعب إلى قلوبهم وثنيهم عن أعمالهم العدائية. ومن جملة الإجراءات العملية التي قام بها، اغتيال مجموعة منهم من الذين كانوا مصدراً للفساد والتحريض، ومن أولئك: أبو عفك، العصماء بنت مروان(7).

الثاني: قرار حكيم لموقف مصيري:
بعد أن بلغت الأمور حداً لا يحتمل، قرر النبي استئصالهم بأسلوب عسكري حاسم، لأنهم أضحوا غدة سرطانية في جسم الأمة، فوجه جيشاً لغزوهم، وكان ذلك في شوال من السنة الثانية للهجرة النبوية، وحاصرهم حتى نزلوا على حكمه. ثم أمر النبي بإجلائهم، وأغنم اللهُ رسولَه والمسلمين ما كان لهم من مال، وصادر الرسول صلى الله عليه وآله ما كانوا يملكون من سلاح وآلات صياغتهم، وقد أخرجهم من المدينة مع ذراريهم عبادة بن الصامت بعد أن تبرأ من التحالف معهم.

* الخلاصة:
أولاً: وضع حد نهائي للاعتداء على كل من أسلم، وتشجيع الآخرين للدخول في الإسلام الذي يحفظهم ويحميهم.
ثانياً: تجميد كل الأنشطة العدائية عند بقية الأفرقاء الذين هم أقل شأناً وقوة من اليهود.
ثالثاً: تحسين الوضع الاقتصادي للمسلمين بسبب الغنائم الكثيرة من اليهود.
رابعاً: التخلص من كل البؤر الفاسدة الداخلية، للتفرغ والتوجه إلى خارج المدينة لنشر الدعوة.
خامساً: تفكيك القوة التي كانت تتشكل سراً من اليهود والمشركين والمنافقين لمواجهة رسول الله صلى الله عليه وآله.
سادساً: في النهاية، تم اندحارهم من المدينة ولم ينفعهم مالهم وقوتهم وتحالفاتهم، وما كانوا يظنون به أنه مانعهم من رسول الله تبين أنه أوهن من بيت العنكبوت.


(1) تفسير ابن كثير، ج1، ص176.
(2) أعلام الورى، ص69، وبحار الأنوار، ج19، ص110 و111، والسيرة الحلبية، دحلان، ج1، ص175.
(3) الضياء في الأحاديث المختارة، ص377، وفتح الباري، ج7ـ ص332.
(4) سيرة ابن هشام، ج2، ص147، الروض، ج3، ص 224، تاريخ الإسلام للذهبي، ج2، ص 146.
(5) سنن أبي داوود، ابن الأشعث السجستاني، ج2، ص34.
(6) تاريخ الخميس، ج1، ص407، نقلاً عن شواهد النبوة.
(7) البداية والنهاية، ج4، ص6، السيرة النبوية، ابن كثير، ج3ـ ص11.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع