نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

كبارنا بَرَكة الحياة/ مقابلة مع رئيس جمعية العطاء


حوار: جومانة عبد الساتر


الشيخوخة والهرم من أكبر المشكلات التي تواجه الأسرة العربية التي هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع الإسلامي وهي الأساس في أي نظام اجتماعي يريد مواصلة الحياة البشرية. ورعاية الشيخوخة من أضخم المشكلات التي تتحدى الأبناء، فكثيراً ما يقف الأبناء موقفاً حرجاً وصعباً قد يؤدي إلى صراع حاد بين إرضاء مشاعر زوجاتهم أو التمسك بمسؤولياتهم تجاه آبائهم وأمهاتهم. والجدير ذكره أن الإسلام أولى مرحلة الشيخوخة رعاية مميزة، بحيث أكد على الرعاية الأسرية والتكاتف الاجتماعي وكفل الوالدين خاصة في مرحلة الشيخوخة. فما هو واقع المسن اليوم داخل أسرته وفي مجتمعه؟ وكيف نظر الشارع الإسلامي للمسنين؟ وما هو دور الأهل في تعزيز التفاهم الأسري بين جيل الأمس وجيل اليوم؟ وهل تؤدي المؤسسات الرعائية دورها المطلوب على هذا الصعيد؟ عن هذه الأسئلة وغيرها أجابتنا الحاجة صباح الحاج رضا رئيسة جمعية العطاء للعمل الخيري الإسلامي.

* يوم واحد لتكريمهم:
* من المعروف أن أحد البلدان العربية خصّ المسنّين بيوم أطلق عليه اسم يوم الجد والجدة، برأيك هل تخصيص يوم في السنة كافٍ لتكريم من أفنى عمره أمام أولاده؟ وبالتالي كيف يجب أن تكون صورة مجتمع المسلمين من حيث العلاقات المعنوية وإفشاء المحبة والاحترام بين أفراده؟

- نلاحظ اليوم أن القيم تبدلت، حيث إنه في السابق كان من الأمور الطبيعية أن يكبر الجد والجدة بين أولادهم وأفراد عائلتهم، حيث كانوا في موقع المستشار وكان لهم مكانة حتى بعد رحيلهم. أما اليوم، فالنظرة للكبير تغيّرت وأصبح في نظر البعض متخلّفاً بذريعة أن التطور أصبح يغلب القيم والمبادئ الأساسية الاجتماعية التي أرساها الأنبياء والأئمة عليهم السلام. وإطلاق يوم واحد لتكريم من هم بركة الحياة ليس كافياً، فالخوف هو من أن يأتي يوم للأب والأم يتم خلاله تهميشهم وإهمالهم تحت عناوين الاستقلالية والتطور، ونكون بذلك قد أتينا على كل ما أمر به الإسلام والقرآن الكريم.

* كالنبي في أمته:
* عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: الشيخ في أهله كالنبي في أمتّه(1). ما هي أبرز الآيات القرآنية والروايات الإسلامية التي تشدد على احترامهم وتقديرهم؟

ـ قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿َقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (الإسراء: 23). طاعة الوالدين كطاعة الأنبياء لأن لديهما الخلفية القيمية لكن في حال الشرك بالله يجب التوقف عن طاعتهما في ذلك.

* وحيد بين أهله:
* في ظل انشغال الأب والأم وانهماك الأولاد في دروسهم وألعابهم يقف المسن عاجزاً عن الاندماج في الأسرة كما كان من قبل، هل هذه الأسباب هي أساسية لحالة الانعزال التي يعيشها المسن، أم أن هناك أسباباً أخرى؟

- الأسباب كثيرة. إن هذه الحالة هرمية بدأت بشكل جزئي والآن تنتشر بشكل أوسع. في المدى القريب، حصل هذا الغزو الثقافي، لكن النتيجة التي نحصدها هي من خلال عزل العائلة نفسها عن المسن وانزوائه في مكان معيّن. هذا حصل في فترة سابقة بحيث إن الولد لم يعد يشعر بوجود الجد والجدة ولا يهتم بذلك حتى ولو لم ينهمك في اللعب وغيره. فقساوة القلب حصلت نتيجة تراكمات من الإهمال لهذا المسن. ومن الأسباب عدم وصل الرحم بحيث إن العائلة حتى ولو كانت متقاربة في مكان السكن أو الحي لم تعد تتزاور، لذا، أصبح من الطبيعي عزل هذا المسنّ داخل بيته. والأولاد نادراً ما يزورونه ويسألون عنه بحجة انشغالهم بأمورهم الخاصة.

* حق المسنّ علينا:
* إزاء ذلك ما هي حقوق هذه الفئة علينا انطلاقاً من البيت، الأسرة، الأقرباء، المسجد، الشارع والأماكن العامة؟

- نبدأ من المجتمع الصغير الذي هو الأسرة والبناية أو الحي أو الدولة، فالأب هو قدوة لابنه عندما يساعد مسناً يقطع الطريق. أما لناحية المجتمع، فمهمّ مثلاً إنشاء حديقة خاصة بالمسنين ليلتقوا مع بعضهم البعض. اليوم، لم يعد أحد يشعر بالمسن واحتياجاته وأحاسيسه، فالكبير أصبح يعامل كالطفل أن "اجلس هنا" و"لا تتحرك"، لكن الفرق أن الكبير هو الذي ربّى وتعب فترهق نفسيته لذلك. أما الصغير، فلا يشعر بذلك ويتبع النظام والأوامر. كمثال: إن الله لم يوجب إرضاع الأم للطفل، بينما أوجب بر الوالدين. وهناك كم هائل من الآيات القرآنية والروايات حول بر الوالدين لمعرفة الله أن هذا الطفل يبحث عن مصلحته بينما الأهل لا ينتظرون المقابل من الولد. فكم من أب يبرد ليدفئ طفله، وكم من أم جاعت لتطعم طفلها وسهرت يوم مرضه؟! بالمقابل، نرى المسنّ عندما ترتفع حرارته، فإن ابنه يقول له ليس بك شي‏ء، وحتى لو لم يكن يعاني من شي‏ء، إلا أنه بحاجة إلى لمسة حنان وليس إلى مال أو طعام، بحاجة إلى نظرة حنونة ويد تبلسم آلامه ووحدته.

* كانوا سابقاً يديرون أسرة:
* تعقيباً على ما ذكرت، فإن المسن يواجه مصيبتين الأولى: مصيبة الشيخوخة والعجز، والثانية مصيبة الإهانة وفقدان الأهمية. كيف نعزز مكانته كمستشار له تجربة وخبرة طويلة يستفاد منها، وبالتالي كيف نخفف من ألمه ومعاناته؟

- كله يرجع إلى التربية، فالزوج يدرّب زوجته على احترام رأي والديه حتى ولو لم يتبعا ما قالا. لكن يجب إشعارهما أن لديهما مكانة معينة. كانوا سابقاً يديرون أسرة ويتم استشارتهم في كل شي‏ء، أما الآن، فأتى من يسحب البساط من تحت قدميهما وألغى هذا الموقع وأهمله. وعن تخفيف ألم الوالدين ومعاناتهما، يجب في البداية أن توجد النية وإذا وجدت النية وجد الإقبال، وهذا الإقبال إما يكون عن معرفة أو سؤال، فليس من الصحيح أن نسمع هموم المسن ثم نقول له إنه لا يفقه شيئاً. يجب علينا معرفة متطلباته، فإذا كان حفيداً يجب أن يسأل والده عمّا كان يحبه والده والأعمال التي كان يحبها، أن يرسم على وجهه البسمة والأمل.

* واقع المسنّ في بلادنا:

* إذا ما أجرينا مقارنة بين معاملة المسن في الدول الأوروبية التي توفر للمسن رعاية صحية واجتماعية ورغم ذلك تكثر حالات الانتحار وما يعرف بالموت الرحيم وبين مؤسسات الرعاية الموجودة عندنا، كيف تقرئين واقع المسن اليوم في بلادنا العربية والإسلامية؟

- في الغرب يتم معاملة المسن من باب الإنسانية لعدم وجود مرجع ديني أو قرآني لديهم، لكن رغم تأمين الدولة المال والرعاية له، إلا أنهم يعاملون المسن كالطفل في المدرسة، وعليه أن يلتزم بالتعاليم لوحده، وهذا ما يؤدي به إلى الانتحار. أما في الدول العربية، فوجدت مراكز لإيواء المسنين. لكن نحن، كطائفة معينة لدينا شروط شرعية يجب عدم تخطيها، فالدين الإسلامي يمنع التشجيع على جلب المسن إلى مراكز الإيواء، لأنه إذا أدخل المسن إلى دار الرعاية، فإن أولاده سوف لن يزوروه ويسألوا عنه. وهناك حالات خاصة فيما إذا لم يتزوج المسن ولم ينجب أولاداً، هنا من الضروري وجود دار للعناية بهؤلاء وإعطائهم الأمل ليكملوا حياتهم ويهتموا بصلاتهم ونظافتهم وتأمين أصدقاء لهم يشاطرونهم الأحاديث والهموم المشتركة، حتى ولو بدوام جزئي بحيث إنه يمضي معظم وقته مع المسنين أمثاله داخل المركز وفترة بعد الظهر يعود إلى أسرته المنهمكة بأعمالها. من المهم عدم سلخه كلياً عن أسرته.

* سلبيات إيواء المسن:
* ما هي التأثيرات السلبية لإيواء المسنين داخل مراكز الرعاية؟

- السلبيات كثيرة أهمها: نسيان المسن كلّياً، فالمسن إذا دخل الدار أصبح ميتاً معنوياً، ويجب أن لا ينسى الإنسان أنه سيصبح كبيراً والصورة ذاتها ستنطبع في ذهن ابنه سلباً أم إيجاباً.

* دَور دُور العجزة:
* إلى أي مدى تراعي دور العجزة الموجودة الآن الشروط الصحية والنفسية للمسن؟ وبالتالي ما هي المعايير التي وضعتموها في مركزكم الجديد؟

- هناك حالات لا يراعي فيها الأبناء أوضاع أهلهم الصحية فنجد بحسب مشاهداتنا أن المسنة تجهد كي تؤمن لقمة العيش لابنها الشاب العاطل عن العمل، والذي ينهرها إذا لم تؤمن له طعامه. هذه صورة من الصور التي نشاهدها يومياً. لذا، نحن نستخلص العبر من خلال هذه الحالات، بالإضافة إلى الاستفادة من خبرات دور العجزة الموجودة في لبنان، فضلاً عما يقوله الشارع الإسلامي ونبني على ذلك وعلى قدر استطاعتنا صورة شبه كاملة لرعاية المسن داخل أسرته أو من خلال المركز المنوي إنشاؤه قريباً بإذن الله. المسن موجود عندنا في جمعية العطاء ولسنا بحاجة إلى أن نبحث عنه، فالمسن الذي ليس له أحد هو الذي يسأل عن موعد افتتاح الدار كون الوحدة تزعجه. سوف نختار هؤلاء المسنين الذين لا يملكون منزلاً أو أهلاً وهم كثر، وسوف تتم دراسة أوضاعهم وأمور كثيرة تخصهم لنسهل لهم معيشتهم وراحتهم. من برامجنا في الدار: غرفة مطالعة للمسن. أطباء مناوبون يكونون في خدمتهم، بالإضافة إلى ممرضين وممرضات للسهر على راحتهم فضلاً عن البرامج الدينية والتثقيفية، والأجواء والمناظر المريحة المطلة على البحر. هذا بالإضافة إلى تخصيص حمامات ومطبخ خاص بطريقة لا تؤذي المسن يشمل تفريز الخضار بطريقة صحية كي يستفيد منها المسن قدر الإمكان.

* ما هي التحديات التي تواجه عملكم على صعيد الوزارات المعنية؟
- قليلة هي التحديات التي تواجهنا، ووزارة الشؤون الاجتماعية وعدت بمساعدتنا فور افتتاح المركز.

* ماذا عن الخدمات التي تقدمونها للمسن داخل أسرته اليوم؟
- هناك مخصصات شهرية، وأدوية كونهم يعانون أمراضاً مزمنة كالضغط والسكري، هناك أيضاً كفالة مسن وأصبحت رائجة، لكن المهم والمؤثر هو الكلمة الطيبة للمسنين لأنهم محرومون منها.

* ما الهدف من الإفطارات التي تقيمونها في شهر رمضان المبارك والمناسبات؟

- هناك عدة أهداف، أبرزها:

الهدف الإعلامي للتعريف بالجمعية ونشاطاتها وأهدافها، بالإضافة إلى الهدف الاجتماعي المتمثل بدعوة هؤلاء المسنين للطعام كلفتة منا إليهم، بالإضافة إلى الهدف المادي وهو جمع التبرعات، للاستمرار بعملنا، فنحن لدينا القرآن والنهج المحمدي الأصيل والأئمة عليهم السلام وجميعهم يحثون على الإنفاق. المهم أن يصل صوتنا، والإفطارات لا تقتصر على شهر رمضان، بل في مناسبات أخرى كولادة السيدة الزهراء عليها السلام. لقد أقمنا إفطاراً صباحياً لمئة مسن، ودعونا وجوهاً اجتماعية منها فضيلة الشيخ عبد الكريم عبيد الذي سلّم المسنين بأيديهم الهدايا، ما جعلهم يبكون كثيراً من الفرح، فالمولد أعطى صدى.

* مشاريع مستقبلية:
* ما هي مشاريعكم المستقبلية غير الدار الجديدة؟

- تم شراء قطعة أرض في منطقة الطيبة الجنوبية وسنؤسس نفس المشروع أي داراً للعجزة لأبناء المنطقة. تعاقدنا مع مجموعة من الأطباء التي ستعاين المسن دائماً. فالكلمة الطيبة من الطبيب تطمئن المريض وتبلسم جراحه.

* كلمة أخيرة توجهينها عبر مجلة بقية الله إلى جيل اليوم والذي اختلف في علاقته مع المسن مع جيل الأمس.
- أستند إلى قول رسول الله صلى الله عليه وآله: "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له جميع الأعضاء بالسهر والحمى"(3). هذه قاعدة تربوية اجتماعية يجب أن تطبق، إن كان على صعيد المسن أو اليتيم أو المستضعف. فالفقر ينشر الفساد في المجتمع وينتج مجرماً وأموراً أخرى، إذا ما وُجد التكافل الاجتماعي وإعلام موّجه، فالدنيا تصبح بألف خير.


(1) روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، ص476.
(2) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج93، ص357.
(3) شرح رسالة الحقوق، الإمام زين العابدين، ص630.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع