نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مشاركات القراء: كي لا نهجر القرآن


حسن مصري (سوريا)


إنَّ القرآن لا يزيد قارئه إلا أنساً وقرباً من المولى عزّ وجلّ. وكما قال الإمام علي بن الحسين عليه السلام: "لو مات من بين المشرق والمغرب لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي"(1). فمن كان معه القرآن بالتلاوة والتدبر في آياته والتفكر فيما فيه من أسراره وأحكامه وقصصه وحكاياته لا يستوحش من الوحدة ولا يهتم بالانقطاع عن الخلق. لذلك ترى الإمام علياً عليه السلام يصف المتَّقين بقوله: "وأمَّا الليل فصافّون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتلونها ترتيلاً..."(2) في هدوء الليل وتحت جنح الظلام حين يخلو الإنسان مع ربِّه.. فيا لها من لحظات أنس مع الخالق الكريم.. هكذا هو القرآن حلقة وصل بين الخالق والمخلوق، ليزداد الإنسان به أنساً وتقرباً من المولى، كل ذلك من أجل إقامة علاقة إيمانية وأخوية بين الناس ليسود العدل والمحبة في القلوب.

* التعامل السلبي مع القرآن
للأسف فإنَّ هناك الكثير من الناس الذين يستخدمون القرآن بصورة سلبيَّة فنرى أنَّ قسماً من هؤلاء لا يقرؤون القرآن إلا على قبور الموتى وقسم آخر لا يعرف القرآن إلا عند المرض والبلاء. ثمَّ إنَّ هناك ظاهرة سلبية نتجت بسبب هذا التعامل السلبي مع القرآن: وهي أنَّ بعض الأطفال -بل وحتَّى بعض الكبار- بدأ يخاف من القرآن لأنَّه اعتاد أن يُقرأ القرآن على الموتى. إنَّ القرآن هو الدستور الأعلى للأمَّة الإسلامية جمعاء ولا بدَّ لنا أن نحرِّر القرآن من تلك القيود التي وضعها العرف الخاطئ وكبّل بها القرآن... من المؤسف أن نرى كثيراً من الأهالي المسلمين يعلّمون أولادهم ويحفِّظونهم الأغاني ليتغنّوا بها، وترى الآباء والأمَّهات يهتمُّون بتعليم أطفالهم اللغة الأجنبية وهم في سنٍّ صغيرة جداً، ولا يحاولون أن يعلموهم آيات قرآنية لتكون لهم نوراً وهدى. من هنا نرى تأكيد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله على تعليم الأطفال القرآن بقوله صلى الله عليه وآله: "من علّم ولداً له القرآن، قلّده قلادة يعجب فيها الأولون والآخرون يوم القيامة"(3). وهذا ما أشار إليه الإمام الصادق عليه السلام بقوله: "عليكم بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير"(4). ومن هذا المنطلق يبيِّن لنا أمير المؤمنين عليه السلام هذا الأمر بقوله: "حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويحسن أدبه ويعلمه القرآن"(5).

* عظمة القرآن وتأثيره في النفس
يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله: "إذا أردتم عيش السعداء وموت الشهداء والنجاة يوم الحسرة والظل يوم الحرور والهدى يوم الضلالة، فادرسوا القرآن فإنَّه كلام الرحمن وحرز من الشيطان ورجحان في الميزان"(6). إنَّ أهمَّ ما يمتاز به القرآن الكريم هو قدرته على التأثير في عقول وقلوب الناس جميعاً، وإعطاؤه الزّخم الرّوحي والمعنويّ الكبير لقارئه ومتدّبره بل وحتى سامعه. فها هو الوليد بن المغيرة أحد سادة قريش، قال لقريش لمَّا سمع بعضاً من القرآن: فوالله ماذا أقول فيه؟ ما منكم رجل أعلم مني بالشعر.. والله إن لقوله لحلاوة، وإنَّ عليه لطلاوة، وإنَّه ليحطّم ما تحته، وإنَّه ليعلو وما يُعلى...(7). هذا هو تأثير القرآن على القلوب والأفئدة، حيث يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (الحشر:21). وفيه قال الإمام علي عليه السلام: "تعلَّموا القرآن فإنه أحسن الحديث وتفقهوا فيه فإنَّه ربيع القلوب واستشفوا بنوره فإنَّه شفاء الصدور وأحسنوا تلاوته فإنه أنفع القصص"(8). لذلك يقول الإمام الخميني قدس سره عن القرآن: لولا وجود القرآن لكان باب معرفة الله مسدوداً إلى الأبد.

* محاولات النيل من القرآن
لا ننسى أنّ كثيراً من المسلمين قدّموا دماءهم وحياتهم في سبيل حفظ القرآن ونشره. وكان الإمام الحسين عليه السلام هو من قدّم نفسه وأهله وأصحابه في سبيل بقاء نهج القرآن واستمراره إلى أن وصل إلينا اليوم، مع كل المحاولات التي حاولت النيل منه. فهذا الوليد بن يزيد وهو الذي استلم الخلافة بعد هشام بن عبد الملك يتحدّى القرآن وهو مخمور فيرميه بسهم ويقول: أتهددني بجبّار عنيد فها آنذا جبّار عنيد.. إذا ما جئت ربّك يوم حشرٍ فقل يا رب مزّقني الوليد(9) فما كان من المسلمين إلا أن اقتحموا قصره وقتلوه لفساد دينه وأخلاقه. وحاول الفرنسيون في زمن احتلالهم للجزائر أن يطبعوا نسخاً كثيرة من القرآن كانوا قد حرفوا فيها كلمة واحدة فقط، فطبعوا القرآن ونشروه بين الجزائريين وأنقصوا من الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ (النساء:59)، كلمة: "منكم" حتى يوحوا للشعب الجزائري المسلم بأنه عليكم أن تطيعوا أولي الأمر ولو كانوا مستعمرين. إن أعداء الإسلام سوف تقر عيونهم عندما يروننا لا نحسن الاستفادة من القرآن لأن الاستفادة منه بالشكل المطلوب تشكل أكبر خطر عليهم وتهدد مصالحهم، وهذا ما حاول الشيوعيون في الفترة السابقة القيام به حين طلبوا من الدكتور مصطفى محمود مسؤول الحزب الشيوعي في مصر آنذاك، أن ينقد القرآن الكريم، لكنه حين بدأ بقراءة القرآن قراءة متأنية فاحصة واعية، اكتشف أموراً جليلة كانت غائبة عن ذهنه وهو المثقف الكبير وأزال الله سبحانه وتعالى عن بصره غشاوة الكفر والإلحاد، فما كان منه إلا أن رجع إلى إيمانه وجدّد إسلامه وقال: لقد طلبوا مني أن أنقد القرآن فإذا بالقرآن يجذبني نحوه ويهديني إلى سواء السبيل. ومن المحاولات الأخيرة للنيل من القرآن الكريم، ما قام به سلمان رشدي من خلال كتابه "آيات شيطانية" بدعم من أعداء الإسلام، فكان خير دليل على خبث النوايا الشيطانية في نفوس أعداء الأمة الإسلامية. إن الله تبارك وتعالى تكفّل بحفظ القرآن، بقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر:9). ولكن علينا أن نحفظ القرآن بروحه وبتطبيقه من خلال أفعالنا وأقوالنا لنكون مصداقاً لقوله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ... (آل عمران:110).

جعلنا الله وإياكم من المتمسكين بكتابه الكريم والمستفيدين منه في حياتنا، إنه نعم المولى ونعم المجيب.


(1) شرح أصول الكافي، ج11، ص21.
(2) شرح نهج البلاغة، ج10، ص133.
(3) كنز العمال، خ2386.
(4) البحار، ج23، ص236.
(5) نهج البلاغة، حكم 339.
(6) البحار، ج92، ص186.
(7) سيرة ابن هشام، ج1، ص175.
(8) نهج البلاغة، خطبة 110.
(9) شرح أصول الكافي، ج5، ص230.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع