أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

قضية الخوارق الجديدة: أوهام أم معجزات؟!

السيد عباس نور الدين



كلنا سمعنا في الفترات السابقة عن سلسلة من الحوادث التي ظهرت كخوارق وتناقلتها وسائل الإعلام، وربما استغلها بعض الجهات الدينية لأجل نشر معتقدها وأفكارها.
لقد وقف الكثيرون موقفاً حائراً وهم لا يستطيعون تفسير هذه الظواهر، وقام آخرون بإنكارها دون توجيه علمي أو عقلي. وبين هؤلاء وأولئك ضاع الكثيرون وتاهوا أو شعروا بالعجز والنقص وهم يرون سكوت أو صمت علماء أو زعماء مقابل الادعاءات المختلفة.

ونظراً لخطورة هذه المسائل وتأثيرها على عقائد الناس كان لا بد من التحقيق بشأنها وتفسيرها على أساس الأصول العقلية والتجارب العلمية وإعطاء النتيجة الواضحة حولها.
ولكن للأسف اندفع البعض ممن لا يمتلك الركيزة العقائدية القوية لتناول هذه الظواهر بطريقة خاطئة مما زاد المسألة تعقيداً. ونحن نتحدث هنا بهذه اللهجة لتكون لنا عبرة للمستقبل ومنهاجاً لتناول أية ظاهرة مشابهة في الأيام المقبلة. وعلينا أن نتوقع استمرار الحديث عن المعجزات من قبل اتباع ديانة لا تمتلك سوى الإيمان الأعمى وتقمع كل برهان ودليل وتخالف المنطق العقلي بقوة وتتحدّى منجزات الفلسفة والحكمة النظرية. ولكن لا ينبغي أن يستمر الحديث في وسائل إعلامنا ومجلاتنا عن هذه الظواهر بالصورة التي حدثت سابقاً ونحن أتباع الدليل وأتباع دين موغل في العمق الفكري وشامل لكل مجالات الحياة وقادر على تفسير ظواهر الكون كافة، بالإضافة إلى التجربة الواسعة والعريقة لأئمته وعلمائه على مستوى مواجهة الخدع والشبهات التي كانت تطرح في أوساط المجتمعات الإسلامية ولا زالت.

ومما يؤسف أيضاً أن هؤلاء قد استخدموا عبارات علمية في غير محلها. كمصطلح المعجزة الذي يستخدم في العقيدة للدلالة على فعل خارق للعادة لا يمكن لأحد أن يأتي بمثله وهو لا يحصل بالتمرين والتعليم، ويصاحب بدعوى عقائدية.

والفكرة الأخيرة هنا تعنينا أكثر من غيرها، فالادعاء العقائدي أساس في المعجزة. أي أن المعجزة تأتي لخدمة العقيدة ولإثبات صدق صاحب المعجزة. ولهذا يلتزم علماء العقيدة عادة باستعمال هذا المصطلح في مورد النبي فقط. وقد يكون لغيره من الأولياء والكمّل كرامات خارقة للعادة أيضاً.
على أي باحث أو محقق أو إعلامي أن يتحقق قبل نقل مثل هذه الأخبار من خلفيتها العقائدية وحجم تأثيرها المعنوي. ولن ندخل هنا في درس حول كيفية نقل مثل هذه الأخبار أو التعامل معها في وسائل الإعلام. ولكن نتمنى على إعلاميينا أن يراجعوا العلماء المحققين الذين لهم باع طويل في العقيدة الإلهية.

كان عشرات الأخوة يراجعوننا حول قصص تماثيل الزيت والأب تارديف والعين الزجاجية، وكنا نقول لهم فلننتظر لتفسير هذه الظواهر التحقيقات العلمية. فنحن بحاجة إلى التجارب المخبرية لإعطاء نتيجة واضحة وتفسير دقيق عن قضايا لا تظهر منها الدعوى العقائدية شكل جلي. وبتعبير آخر، يجب علينا أن نعي حقيقةً أساسية، وهي أن الخوارق على فرض صحتها وانتسابها إلى عالم الغيب وخروجها عن مألوف الإنسان وقدرته العادية أو الميسورة تقنياً. تصاحب عادة بقوة عقلية وقيمة أخلاقية رفيعة.

فأصحاب الخوراق الحقيقية، أي الكرامات الواقعية الغيبية يتميزون بقوة العقل واليقين وبوضوح ا لشخصية وتميزها الأخلاقي، ولأجل التعرف إليهم جيداً أعطانا الله ميزاناً واضحاً وهو الشرع الأنور، كما قال صادق أهل البيت عليهم السلام: "إن آية الكذاب أن يحدثك بما في السموات وما في الأرض حتى إذا حدثته عن حلال الله وحرامه لم يدر شيئاً".

لقد لفت نظري مؤخراً مقالة في مجلة العلوم تحت عنوان "تفحص المعجزات على الطريقة الإيطالية". وهذه المقالة رغم أنها تنطلق من كاتب لا يؤمن بالديانات إلا أنها تنطوي على مجموعة من الملاحظات اللافتة وأتمنى أن تنشر في لبنان ويستمر التحقيق على منوالها أكثر.
إننا إذا قرأنا هذه المقالة قد نلتفت إلى بعض أسباب شيوع الإلحاد في المجتمعات الغربية، وربما نضيف هذا العامل إلى العوامل الأخرى التي ذكرها الشهيد السعيد مرتضى المطهري في كتابه "الدوافع نحو المادية".

يقول الكاتب ويدعى جايمس راندي:
".. لحسن الحظ ما زال في إيطاليا رجال مثل "غارلا شيللي" وهو عالم نشيط شديد الملاحظة يعمل في قسم الكيمياء العضوية في جامعة بافيا. وعندما لا يكون منهمكاً بأبحاثه الرسمية يعمل مع زميله "راماشيني"

في الجنة الإيطالية للتحقيق في الخوارق مقدمين تفسيرات عقلانية للمعجزات المزعومة. تتكون المعجزة الإيطالية الراهن من تماثيل للسيدة مريم العذراء منتشرة في كل أرجاء إيطاليا ومصنوعة من الجص أو الخزف المطليين وهي تذرف دمعاً من الماء أو الدم، إن مالكي هذه التماثيل يطلبون إلى المشاهدين الأتقياء الذين يبقون على مسافة لا يتعدونها أن يشهدوا المعجزة، وفي إحدى الحالات الحديثة العهد أكد أكثر من ضابط في الشرطة أنه شهد الظاهرة بأم عينيه. وبذلك النوع من المصداقية تبدو الحالة ذات الأصل الخارق مؤكدة ولا يتطرق إليها الشك بالنسبة لوسائل الإعلام وبالتالي لكثير من الناس. إن أدنى حد من التفحص العلمي يبين أن شيئاً مريباً يحدث. لقد تم فحص الدموع الدامية التي يذرفها أحد تلك التماثيل، فتبين أنها ذات منشأ ذكري ولم يهب الكاهن المحلي من التصريح بأن تمثال السيدة العذراء سيذرف دماً ذكرياً. إنه بالطبع دم ابنها وطلب قاض يحقق في القضية أن يخضع دم صاحب التمثال إلى اختبارات دنوية لكن راعي الأبرشية عارض ذلك لأسباب دينية مستنداً إلى أنه يجب ألا يشكك في مثل هذه المعجزات، ناهيك عن تعريضها للاختبارات.

ليس من الصعب تفسير ذلك، فقد أوضح غارلا شيللي أنه يمكن تحضير معظم التماثيل الجصية والخزفية بحيث تفرز دمعاً أو دماً زائفاً بحفر ثقب صغير في قمة الرأس وحقن سائل عبر هذا الثقب ثم إزالة طبقة رقيقة من الطلاء أسفل العينين. وبطريقة أبسط، يمكن ملؤ تمثال جصي مجوف بسائل ثم تصريفه. فالمادة المسامية تحتفظ ببعض السائل ومن ثم تبدأ القطرات الشبيهة بالدمع بالسيلان من العينين في حين يتجمع حوض من السائل حول قاعدة التمثال. ولا تترك العملية أي مفتاح لحل اللغز. وإن معارضة مالكي التماثيل السماح للشكوكين مثل غارلا شيللي بفحصها جعلت من الصعب تقويم تفسيره.

ومن حين لآخر تعلن الصحافة الإيطالية عن أشكال أخرى من المعجزات المتعلقة بالدماء. فإذا رجعنا إلى عام 1264 نجد أن البابا أوربان الرابع شرع عيد القربان إجلالاً لقدّاس أُقيم في مدينة بالقرب من روما بادعاء أن خبز القربان المقدّس للعشاء الرباني قطر دماً. ومنذ ذلك الوقت صار يروي بانتظام أن الخبز والبطاطا المطبوخة وبعض المواد الغذائية الأخرى تنزف دماً.

ومما لا شك فيه أن البقع القرمزية الفاتحة ـ التي تظهر تلقائياً على الطعام ـ تشبه الدم، لكن التحليل الكيميائي لم يكشف عن أي أثر للهيموغلوبين الذي يعتقد أنه مطلب أساسي حتى في الدم الخارق للطبيعة. وعلى نقيض ذلك فإن الفطر سرّايتا مارسفنفز ـ وهو متعض مكروي معروف ـ غير مؤذٍ، سريع النمو على الأطعمة النشوية واللاحمضية في البيئات الحارة والرطبة ـ كما بيّنا تماماً في مشهد المعجزة.
وينبغي أن نتذكر أن للفطر سرّايتا مارسفنفز لوناً أحمر دموياً مفزعاً. لقد استنبت غارلا شيللي الفطر على خبز أبيض عادي فوجد أنه يعطي نسخة طبق الأصل عن المعجزة التي يهلل لها. وقد أجرت طالبة في جامعة جورج ماسون بحثاً في تاريخ المعجزة في المدينة بولسيتا، فاكتشفت أن ظهور الحوادث الخارقة يتم في الفترة الواقعة ما بين أيار إلى أيلول (ويصل إلى ذروة منيرة في تموز) عندما يكون الجو أكثر حرارة ورطوبة فتظهر البقع الحمراء على أنواع مختلفة من الأطعمة ـ بما فيها الفراريج ـ التي تحقق متطلبات نمو الفطر. واستنتجت هذه الطالبة إن أكثر معجزات القرن الثالث عشر شهرة هي ميكروبيولوجية أكثر من كونها ميتافيزقية.

وأغرب المظاهر الدينية الراسخة التي دفعت غارلا شيللي إلى القيام بتحريات شبه بوليسية هو تلك الشعائر التي تروج لها دعاية مكثفة وتقام سنوياً في كاتدرائية نابولي. وتروي القصة أنه عندما استشهد مسيحي من القرن الثالث الميلادي يدعى جينارو وذلك بقطع رأسه، قام أحد المتفرجين بتعبئة قارورة من دم الضحية واحتفظ به. وفي كل عام يعرض رئيس أساقفة كاتدرائية نابولي على الناس قارورتين مدعياً أنهما تحويان دم الشهيد المتخثر. وعندما تقلب القارورتان أمام جموع المصلين المحتشدة تتميع المادة الموجودة فيهما وتتحول من لون بني ضارب للحمرة إلى لون أحمر فاتح، وهو تحول اعتبر بمثابة دلالة على أن كل شيء على ما يرام في مدينة نابولي.

خفق غار شيللي وراماشيني خليطاً يكرر التحول: أي إنه يميّع المادة ويغير اللون بخضة بسيطة مع أنه لم يكن بينهما رئيس للأساقفة. لقد تم تشكيل الخليط من مواد وجدت بجوار بقايا أثرية باستخدام تقنيات متوافرة لدى سمكريـي القرون الوسطى. أما بخصوص الدم في القارورتين فإن الكنيسة رفضت بإصرار السماح بأخذ عينات منه وعلى هذا لم تجر أية فحوص أو تحاليل كيميائية عليه.

إنني لا أعترض على الإيمان بالمعجزات والعجائب ما دام لا يؤخذ كحقيقة مسلِّم بها لكنني لا أهادن عندما يرفض الإيمان الأعمى التقصّي العلمي، لقد ناضلنا طويلاً بعنف للتخلص من الأفكار الخرافية التي سادت العصور الوسطى. وإنني شخصياً لن أتراجع عن ذلك أبداً.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع