نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قم مهد أهل البيت عليهم السلام: تاريخها وحاضرها

الشيخ نزار سعيد


* تأسيس قم:
إن المتتبع للتاريخ الإسلامي الخاص بمدينة قم المقدسة القابعة في وسط إيران يلاحظ اهتماماً خاصاً بها من قبل أئمة أهل البيت عليهم السلام منذ تأسيسها على يد الإمام الباقر عليه السلام حيث أمر خلّص أصحابه مثل عبد اللَّه بن مالك الأشعري وأخيه الأحوص وجماعتهما وأطلق عليها اسم "قم"، ولم تخلُ هذه لتسمية من بُعد ديني له علاقة مباشرة بأهداف تأسيس هذه المدينة المقدسة ومالها من أهمية وتأثير في مشروع أهل البيت عليهم السلام ونشر الإسلام المحمدي الأصيل والحفاظ عليه.

* قداسة قم:
إن هذه المدينة المقدسة التي نالت العناية والاهتمام الخاص من أمة أهل البيت عليهم السلام في سيرتهم العملية وأحاديثهم الشريفة لهو ملحوظ بشكل كبير عند مراجعة كتب التاريخ حيث نجد سبيلاً كبيراً من الروايات التي تتحدث عن هذه المدينة وأهميتها وفضلها وقداستها، وعند الإمعان في هذه الروايات نلاحظ أن هذه القداسة إنما حصلت عليها من عدة أمور:

أ- مقام كريمة أهل البيت عليهم السلام:
جاء عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن للَّه حرماً هو مكة ولرسوله حرماً هو المدينة ولأمير المؤمنين حرماً هو الكوفة، ولنا حرماً وهو قم وستدفن فيها امرأة من ولدي تسمى فاطمة من زارها وجبت له الجنة" (البحار، ج84، ص216). وقد جاء الحديث في وقت لم تحمل زوجة الإمام الصادق بولده الإمام موسى الكاظم كما يذكر الراوي ليدل على اهتمام الأئمة عليهم السلام بهذه المدينة وما تحمل، وتأتي قصة دفن كريمة أهل البيت السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام في قم لتؤكد هذا المعنى وخاصة ما كان يُعرف عنها عليها السلام من العبادة والزهد والتقوى والعلم والدراية وما ورد في حقها من روايات في عظم شأنها عند اللَّه تعالى ويكفي للإشارة إلى ذلك أنها كانت ملقبة بـ"المعصومة" حيث أكد العلماء الأجلاء على أنها إنما حملت هذا اللقب لأنها كانت تشبه المعصومين في كل شيء.

فقد جاء في كتب التاريخ عن قم أن السيدة فاطمة بنت الإمام الكاظم عليه السلام توجهت إلى خراسان عام 201هـ للقاء الإمام الرضا عليه السلام الذي كان المأمون قد دعاه إليها في عام 200هـ. على رأس قافلة يقودهم هارون ابن الإمام الكاظم فهاجمتهم شرطة المأمون في مدينة ساوة مدينة تقع على بعد حوالي 75 كلم غرب طهران وقاتلوهم فاستشهد هارون ومن معه ومن بينهم 22 علوياً فوصل الخبر إلى الأشعريين في قم فجاؤوا أليها وطلبوا منها أن تشرفهم في قم لأنها قد مرضت هناك وكان سبب المرض أن دس إليها السم كما يذكر العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه حياة الإمام الرضا عليه السلام ص428. فسألت كم بينها وبين قم؟ قالوا: عشرة فراسخ فقالت احملوني إليها وذلك لأنها تعلم أن هذه المدينة هي عش آل محمد ومأوى شيعتهم كما ورد عن جدها الباقر عليه السلام (البحار ج75 ص214) فحملوها إلى قم ثم ما لبثت فيها أكثر من ثلاثة أسابيع حتى انتقلت إلى جوار اللَّه تعالى عن عمر لم يتجاوز العشرين عاماً ثم غسلت وكفنت ودفنت في تلك المدينة المقدسة وبني لها مقام جليل كان أول من بدأ في بنائه زينب بنت الإمام الجواد عليه السلام لأنها تعلم بما ورد من الروايات عن أبيها عليه السلام في فضل زيارتها والتوسل بها إلى اللَّه لما لها من المقام الرفيع والشأن العظيم عنده تعالى.

ب- خزّان علوم أهل البيت عليهم السلام:
لقد حدثنا أهل البيت عليهم السلام أن قم سوف تصبح المحطة الأخيرة التي تجمع علومهم وتحفظها وتدفع الأيادي الظالمة عن العبث فيها فقد جاء في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "ستخلا الكوفة من المؤمنين وبارز العلم عنها كما تأزر الحية في جحرها، ثم يظهر ببلدة يقال لها قم وتصير معدناً للعلم والفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرات في الحجال وذلك عند قرب ظهور قائمنا، فيجعل اللَّه قم وأهله قائمين مقام الحجة، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها، ولم يبق في الأرض حجة فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في المشرق والمغرب" (البحار، ج75، ص213). فيتضح من هذه الرواية وغيرها عظمة هذه المدينة وعلمائنها وما تشكل من أهمية كبرى في نظر أهل البيت وما سوف تلعبه من دور ريادي وقيادي أساس في مشروع تحقيق دولة الحق والعدالة المنتظرة لأهل البيت عليهم السلام على يد إمامنا المهدي عجل اللَّه فرجه. لذلك دأب أهل البيت عليهم السلام في الدعاء لها ولأهلها وأنها مدفوع عنها البلايا وما قصدها جبار بسوء إلا قصمه قاصم الجبارين، ويرفع اللَّه شأن هذه المدينة لأن تصبح الحجة على الخلائق في زمن غيبة ولي اللَّه الأعظم أرواحنا فداه أي في هذا الزمان الذي نعيشه فإننا نلمس وبوضوح وبداهة مستوى انطباق هذه الروايات عليها وخصوصاً بعد انتصار الثورة الإسلامية وما أصبحت تشكل من مهد للعلماء ومنطلق لنشر الإسلام المحمدي الأصيل وإيصال صوته إلى كل أرجاء العالم بحيث لا تجد في هذا الزمان بالخصوص من هو على وجه الأرض لم يسمع بمذهب أهل البيت عليهم السلام وخصوصياته ومميزاته. فقم اليوم بحوزتها العلمية ومؤسساتها الدينية والتي يحمل أغلبها اسم الإمام المهدي عجل اللَّه فرجه تمارس أعظم دور في بيان الحق المتمثل بالإسلام المحمدي الأصيل تميزه عن كل ما حاول الأعداء من العبث بدين الإسلام الحنيف.

ج قم وارتباطها بالإمام المهدي عجل اللَّه فرجه:
إن أكثر ما ركّز عليه الأئمة عليهم السلام في حديثهم عن قم هو التأكيد على دورها وعلاقتها بالإمام المهدي عجل اللَّه فرجه ولعلك لا تجد حديثاً عن قم بما تحمل عند أهل البيت عليهم السلام إلا وكان للإمام عليه السلام دخالة فيه بالمباشرة أو غير المباشرة عن أصحابه أو التمهيد لدولته حتى أن تسميتها بقم جاء يعامل أساسي في التأكيد على هذا الارتباط الوثيق فقد جاء عن عنوان البصري عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "قال لي: أتدري لم سمي قم؟ قلت اللَّه ورسوله أعلم، قال: إنما سمي قم لأن أهل قم يجتمعون مع قائم آل محمد صلوات اللَّه عليه ويقيمون معه ويستقيمون عليه وينصرونه" (البحار، ج75، ص216). وقد جاء عنه عليه السلام: "أنه سيأتي زمان تكون بلدة قم وأهلها حجة على الخلائق وذلك في زمان غيبة قائمنا عجل الله فرجه إلى ظهوره ولولا ذلك ساخت الأرض بأهلها" (البحار، ج75، ص212).

* قم والإمام الخميني المقدس:
وعندما نقف على هذا الكم الهائل من الروايات ندرك عظمة هذا الرجل الموعود الذي أخرج هذه المدينة وما تحمل من تاريخ وعظمة مدفونة في طي صفحات الكتب التاريخية إلى الوجود وجعل من هذه الروايات حقيقة واضحة لا ينكرها إلا من كان أعمى البصيرة لم يتذوق حلاوة كلام أهل البيت عليهم السلام. فالإمام الخميني قدس سره وما صنع من هذه المدينة التي جعلها المركز الأساس لانطلاقته وبعبارته هو لو أن انطلاقته لغم تكن قم المقدسة لما تحقق حلم الأنبياء بإقامة دولة أهل البيت الممهدة لدولة الحق المطلقة فجاء هذا الرجل وقومه الذين تبعوه ليحققوا المصداق الحقيقي لحديث الإمام الكاظم عليه السلام الذي كان قد بشر بالإمام الخميني وثورته حيث قال: يخرج رجل من ثم يدعو الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم قلوبهم كزبر الحديد، لا تزلهم الرياح والعواصف، لا يعلّون من الرحب ولا يجبنون وعلى اللَّه يتوكلون، والعهاقبة للمتقين (البحار، ج60 ص216 ط إيران).

وعليه فبقراءة للتاريخ نلاحظ انطباق هذه الرواية على الإمام الخميني الراحل والشعب الإيراني المجاهد الذي آمن بالإمام وجاهد وقاتل بين يديه حتى وصلت الجمهورية الإسلامية إلى هذا المقام العظيم في عالم اليوم وهي ما زالت تواصل هذا النهج والخط وما زالت المصداق الأبرز الذي ينطبق عليه كلام أهل البيت عليهم السلام فهذا الإمام الصادق عليه السلام كان كلما قرأ قول اللَّه تعالى: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا قلنا: جعلنا فداك من هؤلاء؟ فقال عليه السلام ثلاث مرات: "هم واللَّه أهل قم" (البحار، ج75، ص216).

فهذه الرواية توضح أن القميين الذين أصبحوا شعاراً وعنواناً للخط والنهج ولكل من يحمله ولولاهم لضاع الدين كما ورد عن الأئمة عليهم السلام هم الذين يرسلهم اللَّه تعالى من أجل استعادة المسجد الأقصى وكل مقدسات الإسلام وهذا ما تفعله الآن هذه الجمهورية المقدسة بقيادة ولي أمر المسلمين من قيادتها بكل قوة وصلابة للصراع الإسلامي الصهيوني ودفاعها عن دين اللَّه تعالى ونشر حقائقها وانطلاقاً من هذا كله فمن أراد الالتحاق بركب ولي اللَّه الأعظم عجل الله فرجه فما عليه إلا الإسراع والمبادرة إلى أن يصبح من القوم الذين قلوبهم كزبر الحديد يسيرون بهدي ونهج رجل قم الذي يمهد الأرض لصاحب العصر والزمان عجل اللَّه فرجه وإلا فإنه يسير إلى سراب لا نهاية له إلا الضياع.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع