نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

وصايا العلماء: اجهد أن تكون صاحب عزم وإرادة

الشيخ حسين كوراني‏


مجالس العلماء باللَّه، مصنع العقول السليمة التي لا يخترمها السبات، فضلاً عن الأسر، فكيف بالهدم. ومصنع القلوب السليمة التي تستضي‏ء بنور العقل، فلا تلغي العاطفة التي تعني دفن القلب، ولا تلغي العقل التي تعني دفن الإنسان. وهذه محاولة ننتقل معها إلى هذه المجالس بكل ما تحفل به من رحيق براعم الوحي وأزهاره، وشذا عطره المحمدي، وأريجه المتضوع. لئن كان كل ما يجود به العلماء باللَّه تعالى، فيه شفاء للناس، في عالم الروح والمعنى، والظاهر والمادة أيضاً، فإن عطاءهم المميز، هو ذلك الذي نجده في "وصاياهم" سواء أكانت قد تجلت منهم كوصايا، كتلك التي يكتبونها لأولادهم، أو المريدين، أو جاءت كذلك بعفو السجية والاسترسال.

وستكون البداية والمنطلق مع الرحيق الخميني قدس سره(*) ، بعض وفاء لمجدد الإسلام العظيم، رضوان اللَّه تعالى عليه. إذا فكر الإنسان العاقل لحظة، يفهم أن المقصود من بساط الخلق هذا... شي‏ء آخر. إن الهدف هو العالم الأعلى والأكبر، وليست هذه الحياة الحيوانية مقصودة بالذات... وعلى الإنسان العاقل أن يفكر بنفسه وأن يرحم حاله ومسكنته... ويخاطب نفسه: أيتها النفس الشقية التي صرفت السنوات الطوال خلف الشهوات لقد صرفت عمرك... ولم يكن من نصيبك إلا الحسرة، أفلا ينبغي أن ترحمي حالك قليلاً... أن تستحي من مالك الملوك وتمشي قليلاً في طريق الهدف الأصلي. فإن ذلك موجب للحياة المستمرة والسعادة الدائمة... ولا تبيعي السعادة الدائمة بشهوات بضعة أيام فانية، فإن ذلك أيضاً لا يمكن الحصول عليه حتى بالجهود المضنية. فكري قليلاً في حال أهل الدنيا من السابقين وإلى هذا الزمان الذي ترين... لاحظي كم هي مشاقهم وآلامهم في مقابل راحتهم أكثر وأكبر، علماً بأن الراحة والسعادة لا يتوفران لكل شخص. ذلك الإنسان الذي هو في صورة إنسان وهو من جنود الشيطان ومبعوث من قبله، ويدعوك إلى الشهوات، ويقول: يجب تأمين الحياة المادية. تأمل قليلاً في حاله، واستنطقه قليلاً... انظر... هل هو راض عن وضعه؟ أم أنه مبتلى، ويريد أن يبتلي مسكيناً آخر؟ وعلى كل حال تمنّ على ربك بعجز وتضرع ونحيب، أن يعرفك بوظائفك التي يجب أن تكون مد النظر في ما بينك وبينه، والأمل أن يفتح لك هذا التفكر بقصد جهاد الشيطان والنفس الأمَّارة طريقاً آخر، وتوفق لمنزل آخر من المجاهدة(1).

واعلم أنه لا يتم قطع أي شوط في المعارف الإلهية، إلا أن يبدأ الإنسان من ظاهر الشريعة. ما لم يتأدب الإنسان بآداب الشريعة الحق، فلا يتيسر له أي من الأخلاق الحسنة على حقيقتها، ولا يمكن أن يتجلى نور المعرفة الإلهية في قلبه، وينكشف له علم الباطن وأسرار الشريعة. أيها العزيز اجهد أن تكون صاحب عزم ومالك إرادة فإنك لا سمح اللَّه إذا هاجرت من هذه الدنيا بدون عزم، ستكون صورة بلا لب، فلا تُحشر في ذلك العالم على صورة إنسان، لأن ذلك العالم محل كشف الباطن وظهور السريرة. إن الجرأة على المعاصي تفقد الإنسان العزم شيئاً فشيئاً وتسرق منه هذه الجوهرة الشريفة. كان أستاذنا المعظم(2) يقول: الاستماع إلى "التغنيات"(3) الأغاني يسلب الإنسان الإرادة والعزم أكثر من أي شي‏ء آخر.

إذاً... أيها الأخ:
أ - احترز من المعاصي.
ب- واعزم على الهجرة نحو الحق تعالى.
ت- واجعل الظاهر ظاهراً إنسانياً وأدخل نفسك في سلك أصحاب الشرائع المتدينين.
ث- واطلب من اللَّه تبارك وتعالى في الخلوات أن يعينك في هذا الهدف.
ج- واجعل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وأهل بيته شفعاءك، ليَمُنَّ اللَّه تعالى عليك بالتوفيق، ويأخذ بيدك ويجنبك الانزلاقات التي ستواجهك... لأن الإنسان يواجه في أيام حياته منزلقات كثيرة، إلى حد أنه في آن واحد قد يكون سقوطه إلى وادي الهلاك بحيث لا يستطيع بعد ذلك إلى النجاة سبيلاً، بل إنه لا يفكر بالنجاة، بل لعل شفاعة الشافعين أيضاً لا تشمله. نعوذ باللَّه تعالى(4).

أيها العزيز:
تذكر عظمة إلهك وتذكر نعمه وألطافه، وتذكر حضوره. واترك التمرد على أوامره. وتغلب في هذه الحرب الخطيرة على جنود الشيطان واجعل مملكتك رحمانية وحقانية، ولتكن مقراً لإقامة جيش الحق تعالى، بدلاً من جنود الشيطان ليوفقك اللَّه تبارك وتعالى في المجاهدة في مقام آخر، وميدان حرب أكبر، وهو جهاد النفس في عالم الباطن، والمقام الثاني للنفس... واذكر أيضاً أن لا يكون لك أمل بنفسك في حال من الأحوال، فلا يمكن لغير اللَّه تعالى أن يفعل شيئاً. واطلب من اللَّه تعالى بتضرع وعجز أن يوفقك في هذه المجاهدة ويتفضل عليك بالمعونة، ليكون النصر حليفك إنه ولي التوفيق(5).


 

(*) يتم في عدة حلقات بحوله تعالى، استعراض بعض وصايا الإمام في "الأربعون حديثاً" وما ينقل منه هو ترجمة الكاتب، لذلك ستجد فيها اختلافاً عن الترجمة المطبوعة.
(1) الأربعون حديثاً، الحديث الأول، تحت عنوان "فصل في التفكر".
(2) هو المقدس "الشاه آبادي" الذي يعترف الإمام بفضله الكبير عليه، ويكثر من ذكره، وكان رحمه اللَّه قد جاء إلى قم وبقي فيها سبع سنوات، ثم غادرها، وكأنه كان قد حضر في مهمة خاصة هي تدريس الإمام رضوان اللَّه تعالى عليهما.
(3) يفهم من اللفظ الذي استعمله الإمام، أن المراد ما هو أوسع من "الأغاني" بما يشمل كل تغن على طريقة أهل الفسق والفجور، من قبيل العتابا الحرام، وما شابه مما يحرم بحسب الموازين الشرعية.
(4) الأربعون حديثاً، من الحديث الأول، تحت عنوان "فصل في العزم".
(5) من الحديث الأول، تحت عنوان "فصل في التذكر".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع