نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

في رحاب بقية الله‏: ثقافة الانتظار

السيد هاشم صفي الدين‏

في إطار البحث الثقافي العام من المهم الإلتفات إلى أن التعاطي المجتزئ، وغير الشامل للمفردات والأفكار المطروحة والمنسوبة إلى الإسلام هو أحد أهم المشاكل التي تواجه بعض الباحثين أو المثقفين، إذ أن الحاجة تبقى ملحة وضرورية حين التعرض لأي مفهوم اقتبس من الايات، أو الروايات، أو السيرة أن نلحظه في إطار المشروع المراد والمقصود والذي ترتبط به عدة مفردات، ومفاهيم.

وهذا ما نلحظه حينما نقدم أية فكرة شخصية تكون عرضة للجدل والنقاش فإننا نرفض أن يُنسب الينا أي مراد دون متابعة الأسباب، والظروف، والأهداف، فكيف نقبل أن ننسب إلى الإسلام العزيز والدين الكامل دون متابعة هذه العناصر بل ان قوة الفكرة تظهر في كثير من الأحيان حينما نبذل جهداً في سبيل ازاحة الستار عن هذه العوامل - هذا بشكل عام -.

أما ما نريد أن نركز عليه، فهو مفهوم الانتظار الذي ورد في العديد من الروايات والتي تفيد أن أفضل العبادات انتظار الفرج أو تلك التي تتحدث عن حال المؤمنين في زمن الغيبة الكبرى للإمام المهديب والتي اعتبرها البعض لأسباب وأدلة (بغض النظر عن صحتها) فكرة محورية تصبغ حياة المسلمين وتؤثر في مختلف أنماط جهودهم الفكرية والعملية وخاصة تلك المتعلقة بالتصدي للشأن العام، حيث اعتبر هؤلاء أنه طالما نحن مأمورون بالإنتظار، فإن ذلك يعني عدم جواز القيام بأي حركة ترتبط بتغيير الواقع، حتى ولو كان ظالماً، وباطلاً، فضلاً عن التصدي لشؤونه السياسية العامة ومواجهة الظالمين، أو الثورة على الواقع السي‏ء، مهما اشتد أمره، ومهما كانت أثاره بل قد يذهب البعض إلى تأسيس مسارات عملية، ومناهج سلوكية تغلف حتى العبادات بهذا المعنى، وبأن السكون، والاكتفاء بالدعاء، والتوجه القلبي لساعة الفرج غير المعلومة هو التجسيد الفعلي، والصادق لمعنى الانتظار.

إلى ما هنالك من مترتبات لا يمكن أن تستقيم فيما لو درسنا مفهوم الانتظار في إطار المشروع العام الذي قصده الأئمة و بعد فترة الغيبة الكبرى، حيث لا يعقل أن نقبل أن الأئمةو بما يمثلون من مقام، ودور عظيم لبقاء هذا الدين واستقامة أهله قد عرضوا مفهوم الإنتظار بالشكل الذي يلبي جانباً فردياً، وشخصياً في حدود العبادة الفردية والسلوك الخاص دون أن يلحظوا شأن الأمة ،والأتباع في الحد الأدنى، بينما المفروض أن نلحظ هذا المفهوم في اطار الفكرة التي تريد أن تجعل الأمة في حالة التهيؤ، والتعبئة، والاستعداد، والتحفز الذي يمكن أن يلقى الدعم الإلهي في أي زمن دون معرفة الوقت الفعلي بذاته، وهذا يشير إلى معنى الترقب وإلى القيام بكل متطلبات هذا الانتظار. وهذا المعنى بحد ذاته كفيل بجعل كل أفراد الأمة ومجموعاتها يتجهون نحو فكرة واحدة لها قابلية الانطباق على كل زمان وفي مختلف الظروف، والتي منها حتماً ظرف الظهور الفعلي للإمامب فإذا كان المشروع الأكمل الذي ينبغي أن نتعلق به ونعيش لأجله وهو الأمل الموعود والمتجدد في كل ان هو مشروع الخلاص والصلاح والعدالة وإنقاذ البشرية، وابادة الظلم، وادواته "ليملأها قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً".

فمن الطبيعي جداً أن تكون كل المفردات التي حث عليها الأئمة و في اطار هذا المشروع وفي نفس الاتجاه وأن تكون دفعاً وحضاً نحو الجهة المقصودة، لأن الوصول إلى العدالة التامة التي ستحقق على يد الإمام دستكون مرتبطة بحركة إيمان وجنوح نحو العدالة بعد تجارب الظلم المريرة، وسيكون المال الطبيعي للبشرية هو انتاج حركة متصاعدة لهذا الغرض حتى لا يكون العدل الذي يتحقق مجرد اسقاط غيبي، دون دخالة لفعل البشر وارادة الخير فيهم مقابل الشر الذي يفترض أنه يكاد أن يستفحل ويعم.

 ففي الوقت الذي نؤمن فيه بأن الظهور هو منحة إلهية مرتبط بالغيب واسراره فإنه لا يجوز أن نغفل دور الانسان في هذا الصراع وهذا مقتضى السنن الإلهية التي لا تقبل التخصيص وان الانتظار هو احد هذه الأدوار التي ينبغي أن يقوم بها الإنسان المؤمن ومن خلال هذا الفهم فإننا نعتبر أن معنى الانتظار هنا حتماً لن يكون السكون ولن يكون الاقرار بالباطل ولن يكون الضعف والقبول بالهوان بل سيكون أكثر ملائمةً لمفاهيم نصرة الحق، ولبذل كل جهد، وفي اعلى مراتبه من اجل اللحوق بركب الإمام الذي ننتظره ومن أجل تحصيل اللياقات، والقدرات التي تناسب اللقاء بعد الانتظار، إذ لا قيمة لانتظار دون ان يتعلق بساعة لقاء ولعل هذا الفهم كان أحد الاسباب الدافعة لعدد كبير من المخلصين والموالين والعلماء في كل زمن في مرحلة الغيبة الكبرى ان يعتقدوا ان عليهم ان يعيشوا مفهوم الانتظار، والعمل الحثيث على المستوى الفردي، والاجتماعي، وحتى السياسي من أجل ان نكون جاهزين في كل وقت وقد يكون هذا السبب هو الذي جعل الكثير منهم في مراحل تاريخية مختلفة يعتقد أن عصره هو عصر الظهور أو أنه قريب منه وهذا ليس عيباً كما قد يتخيل البعض، بل هو عين الصواب حينما نفهم أن هذا الفهم للإنتظار يلتقي مع كل المضامين العظيمة للإسلام، وأحكامه، ولا يعطلها، بل يكون رافداً من روافدها العظيمة التي يجمعها كلها المشروع الرسالي في صورته الموعودة مع الظهور المبارك للإمام الحجة عجل الله فرجه.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع