نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

من معين الولاية: الاختلاط بين الجواز والحرمة

الشيخ محمد توفيق المقداد



قبل كل شي‏ء لا بد من الإشارة ولو إجمالاً إلى أن سيرة المسلمين كانت قائمة على عدم الاختلاط بين الرجل والمرأة بشكل عام منذ أن أوحى اللَّه لنبيه "ص" بهذا الدين العظيم، وكان عدم الاختلاط هو الموافق للاحتياط الشرعي من جهة؛ ولمنع ما يمكن أن يحصل من مفاسد اجتماعية وأخلاقية وتربوية كما كان يحصل في المجتمعات غير الإسلامية، من جهة أخرى.

* من تقليد ديني إلى عادة عرفية
وكان الاختلاط في الإسلام محصوراً في مجالات محددة من أهمها الاختلاط بين المحارم الذين لا يترتب على اجتماع النساء والرجال فيها أية مفاسد، لوجود الضوابط الشرعية الكابحة والمانعة بنحو غالب من حصول انحرافات في هذا المجال كما قالت الآية الكريمة ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ... لأن الأصناف التي ذكرتها الآية من الرجال ممن يحرم على المرأة الزواج بهن، ولذا لا خوف من الوقوع في المحظور إذا حصل اختلاط في هذا المجال.

ومع مرور الأجيال والقرون والابتعاد عن زمن التشريع تحوّل عدم الاختلاط من كونه تقليداً دينياً ناتجاً عن ضوابط شرعية صار مجرد عادة عرفية مما صار يسمح بحصول اختلاط نسبي في مناسبات محددة، خصوصاً مع عدم وجود الحكم الإسلامي الملتزم، وأول ما بدأ مثل هذا الاختلاط في مجالس الخلفاء والأمراء حيث كانوا يتمتعون بغناء المغنيات ورقص الجواري في حضورهن وحضور شخصيات أخرى تكون موجودة في مجالس أولئك الذين يحكمون باسم خلافة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، وكان هذا النحو من الاختلاط هو بداية التصدّع لمقولة عدم الاختلاط بين المسلمين. ولا بد من الالتفات إلى أن عدم الاختلاط لم يكن يعني أن تظل المرأة حبيسة المنزل، بل كانت تخرج إلى قضاء حاجاتها الخاصة أو حاجاتها المنزلية من الأسواق والمحال التجارية وتقوم بالزيارات مع زوجها أو محارمها إلى الجيران والأصدقاء، أو في المناسبات المختلفة، ولكن مع الحفاظ على عدم الاختلاط ضمن المنازل أو الأماكن المخصصة للاجتماعات العامة وما شابه ذلك.

وكذلك لا بد من الانتباه إلى نقطة جوهرية، وهي أن عدم الاختلاط كان يمارس في بعض جوانبه بطريقة سلبية حرمت المرأة من العديد من حقوقها الثابتة في الإسلام ومن أهمها التعليم وتلقي الثقافة الإسلامية، إلا في حالات نادرة وشاذة، وكذلك منعت المرأة من القيام بالنشاط السياسي والاقتصادي والتجاري، حيث أن دورها في هذا المجال يكاد يكون مفقوداً لمن يطالع كتب السيرة والتاريخ عند المجتمعات الإسلامية في عصور ما قبل القرن العشرين الميلادي. مما سبق يمكن القول بأن مسألة المرأة المسلمة من حيث الاختلاط لم تكن ممنوعة منه بالمطلق كما لم يكن مباحاً لها بالمطلق كذلك، وإنما كان الاختلاط محدوداً بحالات معينة ومحدودة، وإن كنا نعتقد أن الفهم الخاطئ‏ والممارسة الخاطئة لعدم الاختلاط قد حرم المرأة من العديد من حقوقها الثابتة في الإسلام.

* ظاهرة الاختلاط في المجتمع الإسلامي‏
وقد بدأت مسألة الاختلاط بالظهور بشكل بارز وصارت ظاهرة في مجتمعنا الإسلامي بعد الغزو الاستعماري الذي استطاع السيطرة على بلادنا الإسلامية، وبدأ يفرض مفاهيمه وأساليب ومناهج حياته على المسلمين، ومنذ ذلك الوقت وبعد نهاية "الحرب العالمية الأولى"، بدأت المرأة بتشجيع من الثقافة الغربية بالخروج من عزلتها، وبدأت بممارسة الاختلاط مع الرجل في المدارس والعمل الاجتماعي والتربوي والصحي والتعليمي والسياسي نوعاً ما، وكان ذلك ما يشبه الثورة على التقاليد الإسلامية، لأن المرأة عندما اختلطت مع الرجل انطلقت في ذلك من المفهوم الغربي، حيث تخلّت عن حجابها وسترها وشرعت بتقليد المرأة الغربية في التبرج وإظهار الزينة، وكأنها بذلك تريد أن تنتقم لنفسها من المسار السابق الذي كان يفرض عليها قيوداً مشدَّدة عند الخروج من منزلها للاختلاط ضمن الحالات المحدودة التي ذكرناها. وهذا النمط من الاختلاط الذي قلَّدت فيه المرأة المسلمة الأجنبيات، هو الذي نتج عنه الكثير من المفاسد الاجتماعية والأخلاقية والتربوية والسلوكية حيث لم نعد نقدر على تمييز المرأة المسلمة من غيرها حتى ضمن مجتمعاتنا الإسلامية، لقد أقدمت المرأة على ذلك ظناً منها أن عدم الاختلاط كان هو السبب المباشر في حرمان المرأة من الكثير من حقوقها في العهود السابقة، وأن الطريقة الغربية التي أعطت الحرية المطلقة للمرأة في التعلُّم والعمل هي الطريقة الصحيحة، وأنّ المرأة في الغرب أخذت في تلك المجتمعات مكانة معينة وتبوأت مراكز مسؤولة في الدولة وفي المؤسسات والشركات، وأن الاختلاط بالرجل هو الذي أوصلها إلى ذلك المقام الذي فرضت نفسها فيه على تلك المجتمعات.

* نظرة الإسلام إلى الاختلاط
وخلاصة الكلام في هذه المسألة أن الإسلام لا يتوافق مع الاختلاط كيفما كان، ولا يرضى بالاختلاط بالمطلق بمعنى أن يكون متحرراً من القيود والضوابط الشرعية والأخلاقية والسلوكية، بل يقبل الإسلام بأن تكون المرأة عنصراً فاعلاً ومساهماً في المجتمع وفي العديد من المجالات التي يمكن لها أن تعمل فيها، لكن مع مراعاة ضوابط الاختلاط من الحجاب والالتزام بالآداب والأخلاق الإسلامية التي تصون المرأة ولا تخرج بها عن الدائرة الإنسانية التي تشترك فيها مع الرجل ليتعاونا لما فيه مصلحة الإسلام والأمة الإسلامية. ونحن كمسلمين لا يمكن أن نقبل بأي شكل من الأشكال أن تكون حرية المرأة في الاختلاط مشابهة لنمط الاختلاط عند العالم غير المسلم، الذي أخرج المرأة عن إنسانيتها وجعلها سلعة مبتذلة هدفها إغواء الرجل وإثارة شهواته وملذاته كما هو حاصل حالياً، مع ما ترتب على ذلك من دمار وتخريب لنظام القيم الإنسانية والأخلاقية للعلاقات بين الرجل والمرأة في العالم الغربي والعالم غير الإسلامي عموماً ممن سار على طريقة المستعمرين وسمح للمرأة بالاختلاط من دون قيود إنسانية أو ضوابط أخلاقية ودينية.

* إباحة الاختلاط تدمير للمجتمع‏
وكلنا يعلم من خلال ما يرى ويسمع مقدار الفساد والانحلال الأخلاقي والتربوي والسلوكي وتدمير قيم العائلة والأسرة وتفككها نتيجة لإباحة الاختلاط من دون أية قيود أو ضوابط، فلم يعد هناك في عالم الغرب من حياة أسرية وعائلية واجتماعية، بل مجتمع مفكك يتصرف فيه كل فرد وفق حريته الشخصية من دون حدود على الإطلاق. فالاختلاط على مقاعد الدراسة منذ المراحل الأولى للتعليم وحتى الجامعة، والاختلاط في المناسبات الدينية والاجتماعية وغيرها، قد كان له أكبر الآثار تدميراً للعالم الغربي الذي لم يكن يملك بالأصل عقيدة متينة وشريعة تحدد لكل فرد رجلاً كان أو امرأة دوره في المجتمع، وحصل بسبب ذلك؛ الانحراف والفساد والتحلل والعبث واللغو الذي صار مسيطراً على حياة تلك المجتمعات التي فقدت معنى الإنسانية والقيم والمبادئ‏ الناتجة عنها.

من خلال كل ما سبق يمكن القول إن نظرة الإسلام إلى المرأة في هذا المجال هو أن (المرأة لا يجب أن تكون محبوسة في البيت الأبوي أو الزوجي، ولا أن تكون منفلتة من كل الضوابط بحيث تخرج إلى المجتمع من دون الالتزام بالقواعد الشرعية، فلا حبس بالمطلق ولا اختلاط بالمطلق) وهذا يعني أن تأخذ المرأة دورها في المجتمع الإسلامي، وأن تنال حقوقها في التعليم والعمل ضمن المجالات القادرة على العطاء فيها من دون الاختلاط إن أمكن ذلك، أو مع الاختلاط ولكن مع ضوابطه الشرعية والأخلاقية والأدبية صوناً لعفة المرأة وحيائها اللذين إن فقدتهما صارت معرَّضة للضياع والسقوط في المحذور الشرعي والاجتماعي والأخلاقي. ولتوضيح الصورة أكثر نذكر بعض الاستفتاءات الموجَّهة إلى سماحة آية اللَّه العظمى الإمام الخامنئي "دام ظله" مع الأجوبة عليها وهي التالية:

س‏238: ما حكم الدخول إلى الكلية أو الجامعة حيث يسبب له ذلك اختلاطه مع نساء متبرجات يحضرن هناك للدراسة؟
ج: لا مانع من دخول المراكز التعليمية للتعليم والتعلم، ولكن يجب على النساء والبنات حفظ الحجاب، وعلى الرجال الامتناع عن النظر إلى ما لا يجوز لهم النظر إليه وعن الاختلاط الموجب لخوف الفتنة والفساد.

س 239: هل يجوز للمرأة أن تتعلم القيادة مع رجل أجنبي وبمعونته في مكان مخصص لتعليم القيادة، علماً بأن المرأة محافظة على حجابها وعفافها الشرعي؟
ج: لا مانع من تعلمها القيادة بمعونة وإرشادات رجل أجنبي إذا كان مع المحافظة والمواظبة على الحجاب والعفاف ومع الأمن من المفاسد، ولكن مع ذلك الأولى أن يكون معها أحد من محارمها، بل الأولى أن يكون تعلمها بواسطة أحد من محارمها محل ومكان الرجل الأجنبي.

س‏240: يلتقي الشباب الطلبة في المدارس والجامعات مع الفتيات وبحكم الزمالة والدراسة يتحدثون معهن في مسائل الدرس وغيرها وربما تحدث بعض المفاكهة والضحك بينهم ولكن بدون ريبة وتلذذ، فهل يجوز ذلك؟
ج: لو كان مع مراعاة الحجاب وبلا قصد الريبة ومأموناً من المفاسد فلا بأس به، وإلا فلا يجوز.

س‏299: هل يجوز للنساء المشاركة في مراسم الاستقبال والترحيب التي تقوم بها الوزارات والإدارات الحكومية وغيرها للترحيب وتقديم الزهور للوفود؟ وهل يصح تبرير استقبال النساء للوفود الأجنبية وتقديم الزهور إليهم مع عدم مرافقة النساء لتلك الوفود، بأننا نريد أن نظهر للبلاد غير الإسلامية حرية واحترام المرأة في المجتمع الإسلامي؟
ج: لا وجه لدعوة النساء للمشاركة في مراسم الاستقبال والترحيب بالوفود الأجنبية، ولا يجوز ذلك إذا كان موجباً للمفاسد ونشر الثقافة غير الإسلامية المعادية للمسلمين.

س‏303: لمواجهة الغزو الثقافي على مجتمعنا الإسلامي ما هو واجب المرأة في الوقت الحاضر؟
ج: أهم واجباتها هو الاحتفاظ بالحجاب الإسلامي والتحرز عن الملابس التي تعد تقليداً للثقافة الغربية.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع