نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الشهيد المجاهد هاشم عبد المنعم مهنا (أبو زهراء)


نسرين إدريس‏


الاسم: هاشم عبد المنعم مهنا
اسم الأم: زينب حجازي‏
محل وتاريخ الولادة: صديقين 18 / 11 / 1971
الوضع العائلي: متأهل وله بنتان‏
رقم السجل: 1
مكان وتاريخ الاستشهاد: مليتا 17 / 3 / 1994


* كتبَ عن نفسه فقال:
(الاسم: عبد الله... اسم الأب: صافي... اسم الأم: اللويزة... الشهرة: مليتا... البلدة: الجنة إن شاء الله... العمل: جهاد في سبيل اللَّه... رقم السجل: عمليات لا تعاد "مُتقَنة"... من هو أبو زهراء؟ هو فتى من جبل عامل زرع مع أشبال الحسن عليه السلام وأبناء الخميني في أرض الدماء، أرض الشهداء، أرض الأطهار، الأرض التي جبل ترابها بدماء أصحاب التقوى... عاش منذ صغره في الجبال والوديان، ينام وراء كل صخرة، ويلقي برأسه على حجرٍ من أحجار الجنوب، ويضع عليه ثوب الفخر والعز، وعلى يمينه قرآن، وعلى يساره بندقية الإسلام، وينام، ويغمض عينيه على الرغم من الثلج والمطر ولا يبالي... حرارة الإيمان في جسده تتوقد فيه حماسة الحسيني الخميني... عندما صار شاباً نظر إلى الدنيا فرآها جيفة، ونظر إلى طلابها فإذا هم كلاب، فأبى ورفض أن يكون منهم... فكّر وفكّر بكلمة الشهادة، ولكن ما وجدها في بيروت، وذهب يبحث عنها وراء كل بيت، ويبحث عنها في كل زاوية، ولكنه ما وجدها، وفكر جيداً، ونظر إلى الجبال... إلى الجبال ذهب، فربما كانت هناك ولكن ما وجدها... وإذا به يسمع صوتاً ينادي "أبا زهراء": إن كنت تريد الشهادة فاذهب إلى كربلاء الجنوب... عجباً... أين هي! فقد بحث في كل مكان وما رآها... بعد البحث وجدها في صافي... ذهب إلى ذلك المكان ورأى أصحاب الحسين عليه السلام سجَّداً وركَّعاً للَّه... ما هذا؟ إنهم حجة اللَّه... وأخذ يرابط في الجبال... عيناه على أعداء اللَّه ويده على الزناد... وعقله مع اللَّه... هذا هو المكان الذي يبحث عنه... وهنا الجنة... من أراد الجنة فليذهب إلى صافي...).

ثمة أشخاص في هذه الدنيا يستشرف المرء مستقبلهم من حماسهم في عملٍ ما منذ صغرهم، والشهيد هاشم مهنا، لم ينتظر حتى يكبر ليحقق توقعات الجميع، فالتحق بصفوف المقاومة الإسلامية مذ بلغ الثالثة عشرة، وهجر الدنيا وراح يبحثُ عن شهادةٍ يقبلها اللَّه منه... وكان لهاشم (المراهق) عشقاً جعله يهيم لسنوات، أسر قلبه، وذهب بلبّه؛ "جبل صافي"، وعبق تراب ذاك الجبل "المقدس المُطهّر بدم الشهداء" هو الحلم... أن تكون في صافي فأنتَ قاب قوسين أو أدنى... احتفظ هاشم بتعاليم والده العالم الجليل سماحة آية اللَّه الشيخ عبد المنعم مهنا في حوزة صديقين كدستورٍ أسس به مبادئه الإسلامية الأصيلة، فكانت العقيدة الثابتة عنده معبراً قصيراً أوصله إلى الاستقرار النفسي المُفضي به إلى متاريس الجهاد... كانت صديقين والقرى المجاورة هي المدرسة التي تعلّم منها هاشم تفاصيل الحياة، وعندما غادر إلى بيروت، رأى العاصمة البرّاقة تغرِّرُ بالنفوس الضعيفة، وتمد زواريبها كلسان أفعى لتختطف أنفاس التائهين في ليلٍ لا صبح له...

غير أن الحب المتأجج في قلب هاشم، كان يكبر يوماً بعد آخر، حب صافي والقاطنين في مغاراته... مدّ هاشم يده إلى البندقية في عمر الثالثة عشرة، والتحق بالدورات العسكرية والثقافية ليهيى‏ء نفسه للانتقال إلى المحاور في الجنوب، فكان يتصرف بتلقائية كأنه يعرف دروبه قبل أن ترتسم أمامه... وكانت تلك اللحظة الحلم... وصل إلى صافي، ورأى المجاهدين بين راكع وساجد، شعر بدف‏ء يتسربُ إلى صقيع داخله، من الجميل أن يصل الإنسان إلى مكانه الطبيعي، من الجميل أن ينتهي التيه عند شاطئ‏ الأمان.. صار من الصعب على هاشم العودة إلى بيروت، فكان يتبادل الفرص مع رفاقه ليمنح نفسه الوقت الأكثر في المرابطة، وليبقى في خدمة المجاهدين، فترتاح نفسه وهو يحمل غالونات المياه صباح مساء وكأنه يقوم بانجازٍ لا يقوى على فعله أيٍ كان...

وعلى الرغم من عمله في المقاومة، غير أنه لم يتحدّث أبداً عن الشهادة أمام أهله، بل كان يعتبرها بعيدة جداً عنه، ويدعو اللَّه أمامهم لو أنه يوفق للمشاركة في معركة عسكرية واحدة، فهو على حسب قوله، لا يقوم بأي شي‏ء سوى غسل الأواني، ولكن كل حديثه هذا كان يطرحه خوفاً من الرياء والعجب، فكيف لرجل مثل هاشم لا يؤدي صلاته الواجبة أمام أي مخلوق خوفاً من الرياء أن يتحدث عن الشهادة أمام أحد، لقد أراد أن يقابل اللَّه عزّ وجلّ بعملٍ خالصٍ له لم يخالطه شك ولا رياء بل فقط لوجهه الكريم... تزوج الشهيد هاشم ورُزق بطفلتين (زهراء وحوراء)، ولم يفرض عليه واقع الأبوة مهامٍ دنيوية، بل بقي كما هو مجاهداً صامتاً زاهداً في الدنيا أيّما زهد، كل حاجةٍ يود أن يشتريها يسأل نفسه ألف مرة عن جدواها، وإذا كانت الحياة تستمر بدونها خوفاً من الوقوع في دنيا غير دنيا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام...

كان ينتظر أخبار نعي رفاقه المجاهدين ليشير إليهم ويقول: "فلان كان رفيقي في إحدى الخيم" وذلك ليؤكد فكرة أنه ليس رجلاً عسكرياً، فكان يتحدث ويضحك ويمزح، حتى في أصعب الأوقات بسمته لا تفارق وجهه، وإذا حصلت معه أو مع أحد غيره مشكلة يبقى يُبسِّطها ويفككها حتى يصل لمرحلة ينسى أن هناك مشكلة أصلاً! وخلاف ما كان يشيع عن نفسه، فقد شارك الشهيد هاشم في العديد من العمليات العسكرية، أهمها عملية الدبشة التي أُسر خلالها حوالي أحد عشر عميلاً لحدياً، ودافع عن الوطن في حرب تموز حيث شوهد وهو يلاحق الطائرات الحربية برشاشه ما أثار استغراب من رآه، وعندما سأله أبوه عن سبب تصرفه أعلمه أنه قام بإلهاء الطائرات عن مجموعة من المجاهدين كانت تنتقلُ من مكانٍ إلى آخر...

الخوف الوحيد الذي كان يقضُّ مضجعه هو فرار الإسرائيليين وهو على قيد الحياة، فكان يقول أنه سيلحق بإسرائيل حتى فلسطين المحتلة ويستشهد... في السنة الأخيرة له، وعلى غير عادته قرر أن يصوم شهر رمضان المبارك في منزله بين عائلته وأهله، مع أنه طوال سنوات كان يبقى أغلب أوقات الصيام في المحاور، ولم يصادف أن كان في عيد الفطر بينهم، لكنه في السنة الأخيرة قضى شهر رمضان بين أحبائه، وكان يردد على مسامعهم أنه إذا رضي اللَّه عنه فإنه سيستشهد قريباً... مرت أيام العيد كالحلم، هاشم بين فتاتيه الصغيرتين يلاعبهما ويقطف من على رموشهما الحزن والوحدة... كان يعرف أنه قصّر تجاههما، ولكن عذره في ذلك أنه منذ صغره اختار طريق المقاومة، طريق ذات الشوكة وكان الجميع يعرف ذلك بوضوح... توجّه إلى عملهِ بشوقٍ كبير بعد غياب شهر، كان في مهمة مع الشهيد أديب محسن عندما كشفتهم الطائرات الحربية فأطلقت الصواريخ عليهما لينال كل منهما الشهادة التي يتمناها: "أرضيتَ يا رب... خذ حتى ترضى...".

* من وصيته:
إخوتي في المقاومة الإسلامية: لا تهابوا تلك العصابات ولا تلك الدبابات فإنهم ليسوا شيئاً ما دام هناك قائد فذ، وشباب لا تهزهم العواصف والرياح ولا يخافون في اللَّه لومة لائم، أطيعوا أوامر القائد فإنه ولي المسلمين في العالم... إخواني الأعزاء في حزب اللَّه أوصيكم بالسير على نهج السيدة الزهراء عليها السلام.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع