نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

كيف تربي ولدك على الحشمة


الشيخ علي سنان‏


إهتم الإسلام ببناء الأسرة أشد اهتمام وأولاها من رعايته الشي‏ء الكثير، لأنها الركيزة الأساسية للمجتمع والنواة الأولى لتكوينه ووجوده، وبصلاحها يصلح المجتمع وبفسادها يفسد. فالأسرة التي يتحمل فيها الأبوان مسؤوليتهما، التربوية والأخلاقية والاجتماعية، تحظى بأولادٍ طيبين، تحرز من خلالهم خير الدنيا والآخرة، وعندها يعمُ العدل والرفاه في ربوع المجتمع الإنساني(1). والنبي المصطفى محمد صلى الله عليه وآله حمّل كلَّ فرد مسؤولية قيامه بدوره في المجتمع بقوله: "ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، فالأمير الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيتِ بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم(2).

* أهمية تربية الأطفال‏
فالأسرة التي أعلت مداميك بنائها على تقوى من الله ووفرت لأولادها الحماية والرعاية تكون حصَّنت نفسها من نارٍ وقودها الناس والحجارة وتكون استجابت لنداء الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (3). وأجاب الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام من سأله عن تفسير الآية الآنفة الذكر بقوله "اعملوا الخير وذكِّروا به أهليكم وأدبوهم على طاعة الله...."(4) وهذا الأمر يتطلب قيام الأهل بواجباتهم تجاه أولادهم ليكونوا أسوة حسنة لهم في أعمالهم وأقوالهم. وهو أبلغ في تذكير الأولاد وأكثر تأثيراً في نفوسهم، لا سيما إذا أضفنا إلى ذلك قول أمير المؤمنين الإمام علي ابن طالب عليه السلام في وصيته لابنه الحسن عليه السلام: "إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شي‏ء قبلته، فبادَرْتُك بالأدب قبل أن يقسو قلبك، ويشتغل لبُك..."(5).

ومن هنا تبرز أهمية تربية الأطفال وإحاطتهم بالرعاية في هذا العصر الذي تكثر فيه المؤثرات على السلوك من وسائل إعلامية، ووسائط اتصال متنوعة، تغري الناشئة بالتفلت من عقال الدين والأخلاق والحياء. ومن المخاطر الكبيرة التي تحدق بالناشئة، الاختلاط الشائع والمنتشر في المدرسة والجامعة وفي كل مرافق الحياة الأخرى،في السوق، المحل، الحافلة، ومراكز العمل إلخ... والذي سنحاول أن نسلط الضوء على تفاصيله ونعرض موقف الإسلام منه.

* مفهوم الاختلاط
مرادنا من الاختلاط في هذا البحث: هو اللقاء والارتباط بين الرجل الأجنبي والمرأة الأجنبية (التي ليست من محارمه) في مختلف ميادين الحياة، كالمؤسسات التربوية، أماكن العمل وحتى في مراكز العبادة وغيرها.

* أنواع الاختلاط
يمكن التمييز بين أنواعٍ مختلفة من الاختلاط منها المحرَّم، ومنها ما شجَّع الإسلام على تركه، والحد منه.

النوع الأول: الاختلاط المحرم: الاختلاط المحرم هو الذي يؤدي إلى نتائج سلبية غير أخلاقية، نظير الاختلاط الموجب للنظر المحرم، كما في أماكن السباحة ونحوها من الأماكن التي يوجد فيها نساء تلبس ألبسة غير محتشمة وهذا من الواضح حرمته لإيجابة الفساد، وخلوة المرأة بالرجل الأجنبي في مكان لا يدخل عليهما أحد ولا يراقبهما فيه أحد. وقد أجمع الفقهاء على حرمة هذا الاختلاط إذا لم يأمن فيه كل من الرجل والمرأة على نفسه من الفساد والانحراف. ففي الحديث عن علي عليه السلام أنه قال: "لا يخلو بامرأةٍ رجلٌ فما من رجُلٍ خلا بامرأة، إلا كان الشيطان ثالثهما"(6). في الحديث الشريف: "قال إبليس لموسى عليه السلام: يا موسى لا تَخلُ بامرأة لا تحِل لك، فإنه لا يخلو رجل بامرأةٍ لا تحل له إلا كُنتُ صاحبهُ دون أصحابي"(7).

النوع الثاني: الاختلاط غير المحرم: إن طبيعة الاجتماع الإنساني تقتضي اللقاء بين الرجل والمرأة أحياناً، لذا لم يمنع الإسلام هذا النوع من الاختلاط على أن يكون خالياً من الحرام بحيث لا يقترن بالنظرات المريبة، أو اللبس غير المحتشم أو الخضوع في القول أو أن يتم في ظروف وبيئات منحرفة يسكنها اللهو والحرام وقد يجب كما إذا توقف فعل الواجب عليه أو استلزم حصوله كتعلم الأحكام الشرعية أو الحج المترافقان مع الاختلاط.

* الموقف العام للإسلام من الاختلاط
على ضوء ما تقدم يتضح لنا أن الإسلام لم يرد للمرأة أن تكون حبيسة المنزل ولكنه في نفس الوقت لم يرد لها أن تتورط في اختلاط يمس بعفتها وحيائها ويعرض دينها للخطر. فالإسلام فرض البقاء للمرأة في البيت في موردين نذكرهما كما يلي: المورد الأول الإتيان بالفاحشة:

﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (8). المورد الثاني نساء النبي صلى الله عليه وآله: وهو مورد يختص بنساء النبي صلى الله عليه وآله حيث فرض عليهن ملازمة البيوت ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ (9) وإن كان يبدو أن هذه الآية لم تحمل على عدم جواز الخروج المطلق لهن لأنهن كن يخرجن ويحادثن الرجال راوياتٍ للحديث ونحوه(10).

* ميادين الاختلاط
هناك عدة أماكن يمكن أن تشكل إطارا للتواصل بين الرجال والنساء منها:

1 - أماكن العمل: وخصوصاً بعد خروج المرأة للعمل حيث أصبحت فرص لقائها بالرجال الأجانب أكثر سواء في مراكز العمل حيث المكاتب المشتركة، أو من خلال مقتضيات عملها التي تحتاج فيها للاتصال أو استقبال الرجال الأجانب.

2 - أماكن العبادة: سيما في العبادات التي تتخذ أشكالا جماعية كأداء فريضة الحج وزيارة الأماكن المشرفة وارتياد المساجد والحسينيات.

3 - العلاقات الاجتماعية: فالزيارات المتبادلة بين الأسر قد لا يراعى فيها أحيانا اجتناب الاختلاط حيث يجتمع الرجال والنساء ويتبادلون أطراف الأحاديث.

4 - الأماكن العامة: التي يمكن أن يتم فيها اللقاء بين الرجال والنساء في صالات المسارح والحدائق العامة والمكتبات و المستشفيات ووسائل النقل ودور السينما... الخ.

5 - المدارس والجامعات: تعتمد معظم البلدان أنظمة تربوية تشرِّع الإختلاط بين الجنسين بحجة عدم التمييز بين الجنسين أو إفساحاً في المجال بإقامة علاقات طبيعية بينهما، وقد تعتمد حججاً تربوية لإثارة الحماس بين التلامذة أو للحد من المشاغبات.

الأسرة وتربية الأبناء على الحشمة
يخضع الإسلام المنتسبين إليه لضوابط وأحكام ترسم للجميع حدوداً لأقوالهم وأفعالهم حتى ولو كانوا ضمن أسرة واحدة في صغائر الأمور كما في كبائرها وتحدد للجميع آليات للتعامل في مختلف المجالات. ولما كان الإسلام يريد بناء مجتمع يقوم على العفة والحياء رسم تشريعات محددة لتربية الأبناء على ذلك بدءاً من الخلية الاجتماعية الأولى والتي هي الأسرة. نذكر من هذه التشريعات ما يلي:

1 - التفريق بين الأطفال في المضاجع: وردت عدة نصوص عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأئمة أهل البيت عليهم السلام تتحدث عن توجيه الأهل للتفريق بين الأطفال في المضاجع بحيث "لا يكونون تحت غطاء واحدٍ وفراش واحدٍ، كإجراء وقائي بسبب التغيرات الجسدية وتأثيرها على العامل الجنسي، مما يخشى معه الانحراف وسلوك الطريق الخاطى‏ء "(11). فعن رسول الله صلى الله عليه وآله: "الصبيُّ والصبيُّ، والصبيُّ والصبيَّةُ، والصبيَّةُ والصبيَّةُ يُفَرَّقُ بينهم في المضاجع لعشر سنين"(12).

2 - الاستئذان قبل دخول غرفة والديه: فعن محمد بن علي الحلبي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يستأذن على أبيه؟ قال عليه السلام: "نعم فقد كنت أستأذن على أبي وليست أمي عنده إنما هي امرأة أبي توفيت أمي وأنا غلام وقد يكون من خلوتهما ما لا أحب أن أفجأهما عليه ولا يحبان ذلك مني والسلام أحسن وأصوب"(13). وهذا يكشف عن ضرورة تعويد الأطفال أن يستأذنوا قبل الدخول إلى غرفة الآخرين وإن كانوا من أرحامهم.

3 - كراهة التسليم على الشابة: وللحد من الاختلاط وعدم إفساح المجال ليمتد السلام إلى أكثر من ذلك ورد أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: "كان يسلم على النساء وكان يكره أن يسلم على الشابة منهن ويقول أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل علي أكثر مما أطلب من الأجر"(14).

* ضوابط الإسلام للحد من الاختلاط
المتتبع لأحكام الإسلام يجد حرصه على عدم أداء المرأة لأعمال يمكن أن تجعلها عرضة لمراجعات الرجال أو للاحتكاك الدائم بهم. هذه الأحكام التي يظهر من مذاقها العام أن الشارع المقدس يحافظ على المرأة ويقوم بحمايتها في شتى المواقع بما يحقق المزيد من التسامي والكمال، حيث نلاحظ كثرة الأحاديث والآداب التي تنظم علاقة الرجل بالمرأة وتُجنب الاختلاط بكل وضوح فقد ورد أن أمير المؤمنين علياً عليه السلام تعهد لزوجته فاطمة الزهراء عليها السلام بكل ما هو خارج المنزل وتعهدت هي له بكل الأعمال داخل المنزل، منعاً لخروجها واختلاطها مع الرجال. وقد ورد أيضاً أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله سألها عن الخير للمرأة فأجابت بأن لا ترى الرجال ولا يراها الرجال.

* المدارس والاختلاط
إن موافقة الدول على وثيقة حقوق الطفل والتي يندرج ضمنها حق عدم التمييز بين الجنسين، جعل معظم الدول تعتمد المدارس المختلطة والتي ترسخت أكثر فأكثر في فترة الستينات والسبعينات من القرن العشرين، إلا أن النتائج لاعتماد هذا النظام خيَّب الآمال مما حدا بكثير من الدول إلى مراجعةٍ نقدية لنظام الاختلاط وبدأت تبرز الدعوات في البلاد الغربية والإسلامية إلى العودة إلى نظام الفصل بين الجنسين في المؤسسات التربوية. فقد أعلن الرئيس الأميركي (بوش) تشجيع التعليم غير المختلط في المدارس العامة، مؤكدا أن ذلك يعود بالفائدة على الأولاد والبنات ويرفع مستوى التحصيل الدراسي لديهم وهذه الاتجاهات ناتجة عن دراسات وإحصاءات بيّنت مساوئ الاختلاط.

* الآثار السلبية للاختلاط
سنعرض نتائج عدد من الدراسات التي دلّت نتائجها على الآثار السلبية للاختلاط نذكر منها ما يلي:

1 - القلق والاكتئاب والانتحار عند الفتيات: في دراسة أميريكية صادرة عن الوكالة التربوية الوطنية أفادت نتائج البيانات الإحصائية بأن الفتيات الأميركيات في الفصول المختلطة أكثر عرضة للقلق والاكتئاب والانتحار.

2 - إنتشار الفواحش في المدارس المختلطة: ومن الآثار السلبية للإختلاط والتي تعاني منها معظم الدول سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية إنتشار الفواحش وجرائم الاعتداء الجنسي على الفتيات من قبل الأساتذة والطلاب، والإحصاءات تشير إلى أن واحدة من كل أربعة طالبات تتعرض للاغتصاب في الولايات المتحدة.

3 - ضعف الإبداع ومحدودية المواهب: وفي دراسة أجراها معهد أبحاث علم النفس الاجتماعي في بون في ألمانيا تَبيّنَ أن تلاميذ وتلميذات المدارس المختلطة لا يتمتعون بقدرات إبداعية ومواهبهم محدودة وهواياتهم قليلة وعلى العكس من ذلك تبرز محاولات الإبداع واضحة بين تلاميذ مدارس الجنس الواحد (غير المختلطة) والسبب في ذلك انشغال كل جنس بالآخر مما يلهيه عن الإبداع.

4 - قتل روح المنافسة: ذكرت الدكتورة (كارلس شوستر) خبيرة التربية الألمانية أن توحد نوع الجنس في المدارس يؤدي إلى إذكاء روح المنافسة بين التلاميذ وأما الاختلاط فيلغي هذا الدافع.

* الآثار الإيجابية للفصل بين الجنسين في المدارس‏
سنعرض نتائج عدد من الدراسات التي دلّت نتائجها على الآثار الإيجابية لعدم الاختلاط نذكر منها ما يلي:
1 - التفوق الدراسي: في دراسة لمجلة نيوز ويك الأميريكية أرقام وإحصاءات تفيد أن الدراسات في الكليات الإنسانية غير المختلطة هي الأكثر تفوقا ونجاحا في الدراسة وفي حياتهم العملية بعدها.

2 - حسن السيرة والسلوك: ومن الفوائد الأخرى ارتفاع مستوى التحصيل الدراسي وحسن السيرة والسلوك لدى كلا الجنسين فضلاً عن إيجابيات أخرى على المستويين الأخلاقي والاجتماعي.

وبعد هذا العرض لسلبيات الاختلاط وإيجابيات الفصل بين الجنسين، نشير إلى تجربة المدارس الإسلامية في اعتمادها بشكل عام الفصل بين الجنسين وندعو إلى تجنيب الجيل الناشئ‏ الانحراف عن طريق إيجاد ظروف مؤاتية للفضيلة والابتعاد عن الاختلاط المحرم والحد بصورة عامة من إفساح المجال للِّقاءات بين الجنسين في المؤسسات والأماكن العامة، وليس في ذلك دعوة إلى إيجاد مجتمعين منفصلين للرجال والنساء بل حرصاً على توفير مناخات تساعد على العفة والطهارة والاحتشام.


(1) الصدر، محمد، الأسرة في الإسلام، ص‏9 16، بتصرف.
(2) الري شهري، محمدي، ميزان الحكمة، ج‏4، حديث 8034، ص‏327.
(3) قرآن كريم، سورة التحريم، الآية (6).
(4) الري شهري، محمدي، ميزان الحكمة، ج‏1، حديث 399، ص‏74.
(5) الري شهري، محمدي، ميزان الحكمة، ج‏1، حديث‏394، ص‏73.
(6) المحدث النوري، مستدرك الوسائل، ج‏64، ص‏265.
(7) الري شهري، محمدي، ميزان الحكمة، جزء 5، حديث‏9420، ص‏96.
(8) القرآن الكريم، سورة النساء، الآية (15).
(9) القرآن الكريم، سورة الأحزاب، الآية(33).
(10) مجلة اللقاء، السنة الرابعة، العدد الثلاثون، رجب، شعبان، رمضان 1423ه، عطوي، محسن، الإختلاط في مجتمع المسلمين، ص‏10.
(11) قاسم، نعيم، حقوق الوالدين والولد، ص‏91.
(12) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج‏21، ص‏461.
(13) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج‏3، ص‏436.
(14) الري شهري، محمدي، ميزان الحكمة، جزء 4، حديث‏8865، ص‏540.

أضيف في: | عدد المشاهدات: