نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

سيروا فانظروا (1)* - سماحة السيد حسن نصر الله

سماحة السيد حسن نصر الله

من الأمور التي أكّد عليها الإسلام ونبيه وقرآنه الاهتمام بأحداث التاريخ وما جرى على الماضين ومتابعة قصصهم وأحوالهم. وليس ذلك فقط لمجرّد الاطّلاع، بل لفائدةٍ عظيمةٍ وجليلة. فليست مهمة القرآن الكريم كتابة التاريخ، وهو كتاب هداية وإرشاد، ولكنّ للتاريخ وأحداثه دوراً مؤثراً وبارزاً في الهداية والإرشاد والتّربية والتعليم، ولذلك نجد حضوره قوياً في القرآن الكريم وكذلك في مواعظ وكلمات وخطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار عليهم السلام.

وكل ذلك لأجل الاستفادة واستخلاص العبر والدروس من تلك الأحداث ومن تجارب البشر طوال التاريخ، فيأخذ الإنسان بنقاط القوة، يتمسك بها، ويبني عليها، وينتبه لنقاط الضعف وللأخطاء فيجتنبها
﴿
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (يوسف: 11). وقد أراد القرآن من هذه القصص أن تشكّل باباً من أبواب الهداية والرّحمة الإلهية.

* التاريخ أحداث وعِبَر
إنّ حديثنا، ومن خلال ذلك، يتمحور حول أمرين: الأول: التوقف أمام أحداث التاريخ والاستفادة منها، والثاني: إمكانية تطبيق هذه الأحداث على واقعنا ثم معرفة العوامل المؤثرة والمساعدة في الثبات على طريق الحق.
إن الناس الموجودين في عصرنا لا يختلفون عن الناس الذين سبقوهم قبل مئات أو آلاف السنين، والذي يختلف من جيل إلى جيل هو المفردات والمصاديق والأدوات والوسائل والأساليب؛ نتيجة تطور العلوم والخبرات والتجارب. فالناس هم الناس.

* سنن إلهية ثابتة
ثم إنَّ الحياة البشرية، والمجتمعات البشرية، محكومة لقوانين وسنن إلهية ثابتة لا تتغيّر ولا تتبدّل بتغيّر وتبدّل الناس والمجتمعات ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (آل عمران: 137). فلذلك كانت دعوة الله لنا لنهتدي ونتّعظ بما قام به الماضون والسابقون ﴿سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (الأحزاب: 62)، فلننظر ونتأمّل ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً (فاطر: 43).
ولتوضيح الفكرة، نذكر سنة تاريخية اجتماعية تَسَالَم عليها البشر جميعاً ونزلت في القرآن الكريم ﴿أَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ (الأنفال: 46). فإذا وجدت جماعة بشرية موحّدة ومنسجمة فيما بينها ونظّمت شؤونها وأطاعت قيادتها فإنها تستطيع أن تصمد وأن تستمرّ وأن تتطوّر. وفي المقابل، فإن وجود جماعة متفرقة متنازعة تتقاذفها الأهواء غير مطيعة لقيادتها فإنها سوف تنهزم ولن تستمر ولن تتطوّر.

* أسباب القوة والغلبة في التاريخ
إذاً، التوحّد والتعاون والتكافل وطاعة القيادة ووحدة الكلمة هي من أسباب القوة والغلبة والنصر والاستمرار، أما الفرقة والاختلاف والصراعات الداخلية، فهي سبب للفشل وللهزيمة وللتراجع. ولذلك حينما نتحدّث عن معركة أُحُد وعن سبب تراجع المسلمين فيها، نجد أن السبب الرئيس يكمن في عدم طاعة الأشخاص الموكلين بحماية الجبهة الخلفية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وطمعهم في الحصول على الغنائم؛ ما أدى إلى تغيير مسار المعركة، وكادت الأمور أن تودي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قيل في تلك المعركة: قُتل محمد صلى الله عليه وآله وسلم. لذلك نجد أنّ القرآن الكريم تحدث عن مجريات هذه المعركة لتبقى عبرةً لنا إلى يوم القيامة.

* كربلاء.. ثورة عظيمة
نعم، توجد دعوة إسلامية وقرآنية لفهم سنن التاريخ وقراءة أحداثه وأخذ العبر والدروس منه لصالح الحاضر والمستقبل. وفي هذا السياق نحن نتحدّث عن كربلاء وأحداث كربلاء التي كانت مِفصلاً تاريخياً هاماً جداً بالنسبة لتاريخ الإسلام والمسلمين؛ إذ وجدت هذه الثورة العظيمة لاستمرار الإسلام وبقاء هُوية الإسلام والأمة الإسلامية.
إنها أعظم تجربة تاريخية في حياة أمتنا، إنها منشأ للكثير من البركات والخيرات طوال تاريخ هذه الأمّة. وأختم هذه النقطة بنصٍ من وصية أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الإمام الحسن عليه السلام يقول فيه: "أحي قلبك بالموعظة"، إلى أن يقول: "وبصّره فجائع الدنيا وحذّره صولة الدهر وفُحش تقلّب الليالي والأيام واعرض عليه أخبار الماضين وذكّره بما أصاب مَنْ كان قبلك مِنَ الأولين وسِرْ في ديارهم وآثارهم فانظر ما فعلوا وعما انتقلوا وأين حلّوا ونزلوا"1.

* وصيته خلاصة تاريخ البشرية
وفي مكان آخر، يؤكِّد الإمام عليه السلام على أهميّة مراجعة التّاريخ والعودة والسير فيه، إذ يقول عليه السلام: "أي بُنِي إنّي وإن لم أكن عُمّرت عُمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم، وفكّرت في أخبارهم، وسِرتُ في آثارهم حتى عُدت كأحدهم" أي كأنّي عشت معهم وخضت تجاربهم، بل "كأنّي بما انتهى إليّ من أمورهم قد عُمّرت من أولهم إلى آخرهم". فكأنه عليه السلام رافقهم من أولهم إلى آخرهم. وهذه عظمة قراءة التاريخ "فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره، فاستخلصت لك من كل أمر نخيله وتوخّيت لك جميله"2. فالإمام عليه السلام يقدّم لولده من وصيته هذه خلاصة تاريخ البشرية، وفيها ما ينفعه في دنياه وآخرته.

* الثبات في طريق الحق
والمسألة الأخرى المهمة، والمرتبطة بفوائد المراجعة التاريخية، والتوقف أمام أحداث التاريخ، وخصوصاً ما جرى مع الأنبياء والأولياء والمؤمنين من مواجهات وتحدّيات وأخطار هي مسألة الثبات في طريق الحق وفي جبهة الحق.
إنّ الأنبياء عليهم السلام وأتباعهم كانوا دائماً يُواجَهون بتحدّيات وأخطار وتهديدات كبيرة جداً ما يؤدي إلى تّزلزل وضعفهم وتراجعهم وتخليهم عن طريق الحق، بل إلى الكفر بالحق، بل إلى أسوأ من ذلك؛ إذ يصبح بعضهم عدواً للحق ومناصراً للباطل.

وبالتالي، فإنّ الناس المؤمنين بالحق نتيجة المحنة والبلاء والتحدي، يتفرقون ويُفرزون إلى أصناف متعددة، صنف منهم يثبت مهما كانت التحديات والأخطار، وآخر يتزلزل ويخاف ويجبُن، ولكنه يبقى على تعلق عاطفي وقلبي وروحي مع الحق ومع صاحب رسالة الحق، وثالث يترك الحق ويعتبر أنه لم يكن مع الحق، بل كان مخطئاً في اختياره لطريقه السابق، ورابع لم يكتفِ بترك الحق والارتداد عنه، بل حمل السيف في وجه الحق وقاتله واعتدى عليه. هكذا تفرز المحنة والشدة أتباع الحق والمؤمنين به. وهنا نسأل: لماذا ثبت مَنْ ثبت؟ ولماذا تخلّف مَنْ تخلّف؟ ولماذا ارتدّ من ارتد؟ لنأخذ الخلاصة والعبرة لنستفيد منها في حياتنا في مواجهة التحديات القائمة والآتية ونتجاوزها حتى لا تكون النتائج سلبية والتداعيات خطرة. ومن هنا كانت قصص عدد كبير من الأنبياء  عليهم السلام وما جرى عليهم مع أقوامهم نهاية الصراع في القرآن الكريم لأجل تثبيت فؤاد وقلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتثبيت قلوب المؤمنين ﴿وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (هود: 120).
فهذه الآية الكريمة تبيّن أنّ الغرض من هذه القصص هو تثبيت الفؤاد الذي يجعل الإنسان قوياً، ثابتاً شجاعاً صلباً فتثبت قدماه ولا ترتعد يداه ولا يتزلزل ولا يتردد. أما الأسباب التي تدعو هذا الإنسان إلى التخلي عن طريق الحق وما هي معالجاتها فسيأتي الحديث عنها.


* من المحاضرة التي ألقاها سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله) في 28/11/2011
1 نهج البلاغة، الشريف الرضي، ج3، ص 39، خ31.
2 م.ن.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

سماحة السيد حسن نصر الله سيد الاتقياء

باسل جوهره

2015-03-05 19:08:04

انا من سوريا الاسد سوريا بقيادة سيادة الرئيس بشار الاسد اكثر من وقف معنا سماحة السيد حسن نصر الله الغالي بحكمته عفويته الكريمة سماحته كان دائما بلسم لنا