أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

تحريم صلاة الجماعة في غير المساجد في مكة والمدينة


دروس من فتاوى الحج‏: تحريم صلاة الجماعة في غير المساجد في مكة والمدينة إطلالة على فتوى الإمام الخامنئي "حفظه اللَّه"
الشيخ محمد توفيق المقداد


في أسئلة موجَّهة إلى سماحة القائد يستفتون فيها عن جواز إقامة صلاة الجماعة في المساكن والمنازل التي يستأجرها الحجاج في مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث يكونون بعيدين عن أعين الآخرين من المسلمين غير الشيعة، مما قد يوحي بأن صلاتهم جماعة في تلك الأماكن لا محذور فيها ولا إشكال لأنها لا ترتب أية آثار سلبية على الشيعة كأفراد وجماعات وعلى التشيع كمذهب إسلامي أصيل، أجاب السيد القائد الإمام الخامنئي "دام ظله" على هذه الأسئلة بالنفي ولم يُعطِ الإجازة لصلاة الجماعة حتى في البيوت والمساكن، فضلاً عن تحريمه لصلوات الجماعة في الفنادق والأماكن العامة للشيعة أثناء أداء مناسك الحج والعمرة وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله. الاستفتاءات الموجَّهة إلى سماحة القائد في هذا المجال هي التالية مع أجوبتها وهي موجودة في مناسك الحج لسماحته "دام ظله":

س 3: باب "مسائل متفرقة": هل تجزي الصلاة جماعة خلف إمام من السنّة في مكة المعظمة والمدينة المنورة أم لا؟
الجواب: مجزية إن شاء اللَّه.

س 9: ورد في بعض الاستفتاءات أنكم لا تجيزون إقامة الجماعات في الفنادق في مكة المكرمة، فهل تجيزون إقامة الجماعة في المنازل والبيوت التي تنزل فيها الحملات عادة، علماً أن هذه الحملات تستقل بالمنزل، وإقامة الجماعة فلا تشكل ذريعة عند الحجاج لترك الصلاة في المسجد الحرام؟

الجواب: لا نجيز إقامة الجماعة في المساكن والمنازل أيضاً.

س 54: هل يصح السجود على السجاد في المسجد النبوي الشريف، خصوصاً في الروضة الشريفة، حيث أن وضع شي‏ء يصح السجود عليه كالورق أو السجاد المصنوع من الأسل يلفت الانتباه، ويعرِّض المصلي للنظرات كما يتيح للمخالفين الاستهزاء به؟
الجواب: لا يجوز وضع شي‏ء إذا كان مخالفاً للتقية ويجوز السجود على أحجار المسجد كما يجوز على السجاد تقيةً.

س‏55: ما حكم الخروج من المسجدين الشريفين حال الأذان والإقامة في حين أن إخواننا السنّة يتجهون نحو المسجدين ويدور بينهم حديث حول خروجنا في مثل هذا الوقت؟
الجواب: لا يجوز ذلك فيما لو عُدَّ في نظر الآخرين استخفافاً بالصلاة في أول وقتها لا سيما فيما إذا كان فيه "الشين" "التعرض" على المذهب.

وهذه الأجوبة الحاسمة من سماحة الإمام الخامنئي "دام ظله" تحتاج إلى نوع من التوضيح لفهم خلفياتها الاستدلالية ودلالاتها العملية لتكون الصورة واضحة لهذا التحريم فنقول:

"الهدف من فريضة الحج": مما لا شك فيه أن الحج هو فريضة عبادية وسياسية معاً كما قال الإمام الخميني المقدس وكما يقول الإمام الخامنئي "دام ظله"، وهذان الجانبان في الفريضة متلازمان ولا يفترقان ولا يمكن الفصل بينهما، لأن الأبعاد السياسية للحج ناتجة عن أداء المناسك العبادية فيها، فعندما يطوف المسلمون من كل المذاهب حول الكعبة في وقت واحد ومكان واحد هم يقومون بعمل عبادي وفي الوقت نفسه هو مظهر قوة للمسلمين وهذا مضمون سياسي وليس بمضمون عبادي، وكذلك الحال أثناء السعي والرجم والوقوف في عرفات والمزدلفة والمبيت بمنى، فالمسلمون في موسم الحج هم كتلة واحدة مترامية متلاحمة وهم قادمون من كل أقطار المسلمين ومن كل أماكن انتشار المسلمين في العالم، وهذا يعني أن المسلمين في أثناء تأدية فريضة الحج المباركة يعطون الصورة المشرقة الوضاءة عن عظمة هذا الدين وقدرته على جمع الناس من القوميات المختلفة والمذاهب المتعددة في الإسلام ويظهر الجميع في بوتقة واحدة، بحيث لا يستطيع الناظر لتلك الصورة البهية من بعيد أن يلمح الفوارق بين أبناء الإسلام على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، بل الكل سواسية كأسنان المشط لا فرق لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود طالما أنهم في رحاب اللَّه في طاعته والتزام أمره.

ولا شك أن هذا المجتمع الإلهي والمؤتمر السنوي الذي ينعقد تلقائياً من خلال أداء فريضة الحج هو نوع من البعد السياسي المهم الذي يتلاقى فيه المسلمون ليتدارسوا كل قضاياهم ومشاكلهم وليعرفوا بالتالي كيف يتدبرون أمورهم ويحلون ما أمكن منها لتحسين أوضاعهم وأحوالهم، وهذا ما يستفاد من الآية الكريمة ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ. من هنا نقول إن وحدة المسلمين وجمع كلمتهم وإظهار ذلك أمام العالم كله هو هدف مطلوب ومن صلب أهداف فريضة الحج الإلهية، ولا شك أن انفراد الشيعة بالصلاة لا يحقق هدف الوحدة المنشود، لأن المسلمين سيظهرون مشتتين متفرقين، مع أنهم موجودون في المكان الذي شهد ولادة الإسلام الذي هو دين التوحيد وتوحيد الكلمة فكيف إذن يتفرق المسلمون في صلاتهم وهم يصلون جميعاً إلى نفس القبلة التي جعلها اللَّه لهم، أو كيف يتفرقون في الصلاة وهم عند النبي محمد صلى الله عليه وآله الذي هو نبي المسلمين جميعاً باعتراف كل المذاهب الإسلامية وأتباعها؟ مع أن شعار الجميع في أثناء تأدية مناسك الحج أو عند زيارة النبي صلى الله عليه وآله هو "لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله".

وهنا قد يتبادر إلى الذهن عند الشيعة سؤال لا بد من الإجابة عليه هو "إن هناك بعض الاختلافات في الصلاة بين السنّة والشيعة، فالسنّة يجيزون السجود على المأكول أو الملبوس بينما الشيعة لا يجيزون ذلك، والسنّة يلتزمون بالتكتف بينما الشيعة لا يلتزمون به، كما يرون أن هذين الفعلين مبطلان للصلاة، فكيف يجوز أن يصلي الشيعة مع أئمة السنّة وفي جماعاتهم؟ وللجواب عن ذلك نقول "تارة يصلي الشيعي في منزله أو في أماكن تواجده فقط، فهذا يمكنه أن يصلي وفق مذهبه ووفق ما يراه صحيحاً من الصلاة، وأما في الأماكن العامة وخصوصاً التي تكون أمام أنظار العالم كله كما المناسبات الكبيرة للمسلمين كأعيادهم أو كما في مكة والمدينة عند حج بيت اللَّه الحرام أو زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله، فهنا توجد عندنا أدلة شرعية تحمل عناوين تشير إلى جواز أن يصلي الشيعة مع السنّة في جماعة واحدة وصلاتهم صحيحة ومجزية ولا تجب عليهم إعادتها لأنها صادرة عن حكم شرعي أمرنا به أئمتنا "عليهم السلام" وأجازوا لنا ذلك. وتلك العناوين التي تجعل من صلاتنا مع السنّة صحيحة وبسببها لا يجوز لنا أن نقيم صلاة الجماعة في مكة والمدينة لا في الفنادق ولا في البيوت والمساكن هي التالية:

أولاً: وحدة المسلمين ولا شك أن وحدة المسلمين هي الأساس، والاختلاف المذهبي أمر طارى‏ء على حياة المسلمين ونتج عن الاختلافات في بعض التوجهات، إلا أن هذه الاختلافات لم تخرج لا السنّة ولا الشيعة عن كونهم مسلمين، وبما أن الوحدة هي الأساس فكلما كان هناك مجال لإظهار وحدة المسلمين، لأن الوحدة مظهر من مظاهر قوتهم وجب الالتزام بأداء الصلاة مع السنّة حفاظاً على ذلك المظهر الراقي والمنظر الحضاري للمسلمين الذين يقدرون على تجاوز بعض الخلافات في مقابل فوائد كبيرة تنتج عن وحدتهم في الصلاة وغيرها.

ثانياً: المداراة وهي من الأمور الواجبة على المسلمين، وقد جاء في الحديث عن رسول اللَّه "ص" "أمرت بمداراة الناس كما أمرت بتبليغ الرسالة"، ولا شك أن صلاة الشيعة مع السنّة حيث يكون ذلك مطلوباً هو نوع من المداراة المطلوب الالتزام بها احتراماً للمسلم الآخر من جهة، ولعدم تعريض المذهب الشيعي للمحاربة والتهجم عليه من جانب المسلمين الآخرين، لأن صلاة الشيعة منفردين سوف تعرضهم بالتأكيد للنقد اللاذع من الآخرين وسوف تعود بالضرر على نفس مذهب التشيع المطلوب الحفاظ عليه وعلى سمعته من التشويه والاتهام بما لا يليق، ولذا نجد في تعليل جواز الصلاة مع الأخوة السنّة أنه "إذا كان هناك توهين لمذهب الشيعة ونعته بأوصاف لا تليق به لا تجوز الصلاة من الشيعي في هذه الحالة ويجب عليه الالتحاق بالجماعة ولو كان الإمام والمأمومون من مذاهب أهل السنّة".

ثالثاً: التقية وهي من العناوين المعروفة عند الشيعة منذ قرون عديدة أنها السبب الذي كان يجيز للشيعي أن يصلي مع جماعة السنّة خوفاً على نفسه أو ماله أو عياله وما شابه ذلك، ولكن في عصرنا الحاضر لم تعد التقية في الصلاة لأجل الخوف على النفس وأمثال ذلك، وإن كان هذا ما زال يمكن وجوده عند بعض المتعصبين، إلا أن جواز صلاة الشيعي تقية مع السنّة هو من أجل حفظ المذهب من التعرض للتسفيه أو التشويه من جانب الآخرين لو لم يلتزم بالصلاة جماعة معهم، ولقد جاء عن الأئمة الكثير من الأحاديث التي تأمرنا بالعمل بالتقية، أبرزها ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام (التقية ديني ودين آبائي، من لا تقية له، لا دين له). من هنا إذن أفتى السيد القائد الإمام الخامنئي "دام ظله" بحرمة صلاة الشيعة جماعة منفصلين عن غيرهم في مكة والمدينة أثناء تأدية المناسك للأسباب الثلاثة التي ذكرناها ولا معنى لهذا التحريم إلا أن يلتحق الشيعة بصلاة الجماعة لعموم المسلمين في المسجد الحرام أو المسجد النبوي أو في سائر مساجد المدينتين اللتين يترددون إليهما أثناء ذهابهم لأداء فريضة الحج المباركة.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع