نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

خصائص آخر الزمان: حوار مع سماحة آية الله الشيخ عبّاس الكعبي

حوار: الشيخ إبراهيم حسن

تحمل فكرة آخر الزمان في طيّاتها شغف انتظار المؤمنين للفرج، الذي سيكون مع ظهور الإمام الحجّة المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف. فما علاقة ظهور الحجّة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وآخر الزمان؟ وما هي خصائص ذلك الزمان؟ وما هو تكليفنا حتّى ذلك الوقت الشريف؟

أسئلة كثيرة وإجابات شافية، حصلنا عليها في لقاء خاصّ مع عضو مجلس خبراء قيادة الثورة، وعضو مجلس صيانة الدستور في الجمهورية الإسلامية في إيران سماحة آية الله الشيخ عبّاس الكعبي.

* ما هو المراد من آخر الزمن؟ ولماذا يرتبط دائماً بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف؟

إنّ ممّا لا شكّ فيه ولا ريب أنّ لحياة البشر بدايةً ونهايةً في نشأة الدنيا، حيث كانت البداية بخَلق الإنسان من ذكر وأنثى: ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء(النساء: 1). ثمّ بدأت حياة الإنسان الاجتماعية فاحتاج إلى قانون، ونظام ودولة، لتحقيق السعادة الدنيويّة والأخرويّة. ولذا، بعث الله الأنبياء، أصحاب الرسالات السماوية، ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ(البقرة: 213).

ثمّ واجه البشرُ الأنبياءَ بالبغي، والظلم، والانحراف عن مسيرة الفطرة، إلى أن انتهت النبوّات بنبوّة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم، فكانت رسالته الخاتمة، التي تتضمّن التعاليم الإلهيّة للبشر كافّة، ومنها مسألة القيادة، متمثّلةً بنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ بأشخاص الأئمّة عليهم السلام بعده. لكنّ مسيرة الإنسان الانحرافية استمرّت مع ذلك، ولا زالت إلى يومنا هذا. وفي أحاديث المعصومين عليهم السلام مجموعة من الإشارات إلى تراكم هذا الانحراف مع آخر الزمان. فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "لتنقضنّ عرى الإسلام عروةً بعد عروة... أوّلهنّ نقضاً الحكم، وآخرهنّ الصلاة..."1. كما يذكر مجموعة من نماذج انحراف البشر عن مسيرة الأنبياء الإصلاحيّة، والتي تعدّ مؤشراتٍ على حلول آخر الزمان.

ثمّ إنّ السنن الإلهية الحاكمة تفيد، دائماً، أنّ مسيرة الإصلاح يجب أن تبقى متواصلة على يد القيادة الصالحة. كما أكّدت الآيات والروايات أنّ العاقبة ستكون للتقوى وللحقّ وللصلاح، بواسطة قائد صالح هو صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

كما أنّنا نلاحظ أنّ جميع الأديان يشير إلى مسألة المنقذ في آخر الزمان، بل إنّ كل إنسان ذي فطرة سليمة تتوق نفسه إلى المخلّص؛ لأنّ المهدوية فكرة موجودة في وجدان كلّ إنسان سليم الفطرة يتطلّع إلى مستقبل مشرق لحياة البشر.

من هنا، فإنّ ظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف من تلك السنن الإلهية الحاكمة على التاريخ والمجتمع. ولقد كان النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يتحدّث عن الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في آخر الزمان منذ بداية البعثة، وهذا ما يشير إليه الكثير من الروايات المعروفة التي لا مجال لذكرها هنا.

* انطلاقاً ممّا تفضّلتم به، هل يمكننا القول إنّنا الآن في آخر الزمان؟

في الحقيقة، كما يجهل الإنسان بداية التاريخ، يجهل نهايته أيضاً؛ ذلك أنّ حدوث آخر الزمان يبقى خاضعاً للإرادة الإلهية، وللسنن الحاكمة على التاريخ والبشر، وللإرادة البشرية التي لها دورٌ كبير في صناعة التاريخ من البداية، هذه الأمور كلّها مؤثّرة.

أمّا فيما يرتبط بفترة ظهور الحجّة وإصلاح العالم، فيمكننا أن نرسم أدواراً ومراحل مرّ عليها البشر منذ بداية البعثة وحتى يومنا هذا، من منظور علم الاجتماع السياسيّ والسنن الإلهية الحاكمة:

- المرحلة الأولى: مرحلة ولادة الرسالة الخاتمة، ودامت ثلاثةً وعشرين عاماً.

- المرحلة الثانية:
مرحلة الحفظ والديمومة، وتمتدّ من زمن أمير المؤمنين عليه السلام إلى القرن الهجريّ التاسع (تقريباً).

- المرحلة الثالثة: مرحلة السبات والغفلة (مع بداية التقدّم في الغرب)، تمتدّ من القرن الهجري التاسع (تقريباً) إلى ما قبل مئتي سنة.

- المرحلة الرابعة: مرحلة النهوض والوعي والصحوة.

- المرحلة الخامسة: مرحلة الثورة الإسلامية، وعودة حياة الأمّة على ضوء الإسلام.

- المرحلة السادسة: مرحلة دولة النيابة الممهّدة لدولة صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

وبما أنّنا اليوم نعيش في مرحلة الدولة الممهّدة، فيبقى أمامنا مرحلتان فقط حتّى نصل إلى الظهور، وهما:

1- مرحلة إعادة بناء الأمّة الإسلامية من جديد، حيث يصبح المجتمع فيها مؤمناً قويّاً متماسكاً متقدّماً، فيصبح مهيّأً للانتقال إلى المرحلة الجديدة.

2- مرحلة الحضارة الإسلاميّة العالميّة على ضوء التوليف بين العلم والإيمان. وهذه الحضارة العالميّة تحتاج إلى القيادة العالميّة. وهي قيادة صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي يحتّم ظهوره حينها.

أمّا كم ستستغرق كلٌّ من هاتين المرحلتين فلا ندري بالضبط؛ لأنّ لهاتين المرحلتين معايير خاصّة، منها معيار فلسفة التاريخ، لكن ليس حسب النظرة التي ترى أنّ الإنسان مسيّر في مسيرة التاريخ دون أن يملك إرادة أو اختياراً؛ بل حسب النظرة المقابلة التي ترى أنّ الإنسان هو الذي يقود التاريخ بحركته كما يقود السيارة ويتحكّم بها. ولذا كان تقسيم مراحل التاريخ تابعاً لحركة البشر ونشاطهم. والإنسان هو الذي يحدّد بحركته انتهاء مرحلة تاريخية وبداية أخرى.

إذاً، فالإرادة البشرية هي المعيار الأول والأساس لتحديد المدّة الزمنية للمرحلتين المذكورتين. ومن تلك المعايير معيار الإرادة الإلهية، التي هي في طول إرادة البشر لا في عرضها. وثمّة معيارٌ ثالث يتعلّق بالعوامل الطبيعية، أو بالآيات الإلهية التكوينيّة، بالتعبير الأصحّ.

من خلال دراسة التاريخ المعاصر، ودراسة الآيات والروايات، نحن نأمل بمستقبلٍ زاهر، وآفاق تقرّبنا من الظهور، لكنّنا لا نستطيع تحديد الزمن، فقد ورد "كذب الوقّاتون"، و"من ادّعى الرؤية فكذّبوه".

* ما هي أهمّ واجباتنا للتمهيد لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف؟

ينبغي لنا أن نثقّف أنفسنا ونثقّف الناس بثقافة العمل بما يمليه علينا التكليف، والسعي إلى تحقيق حكومة الإنسان الصالح، بتحقيق شروط النهضة الجامعة للمصلح العالميّ. ومن أهمّ تلك الشروط:

1- المعرفة الصحيحة والشاملة، والرؤية المتكاملة (الإيديولوجيا) للخطّة الإلهية لتدبير حياة الإنسان،

2- معرفة القيادة الإلهيّة الصالحة، والارتباط بهذا القائد الصالح، وهو الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، مع معرفة شدّة احتياجنا إليه. وفي هذا المجال يقول سماحة السيّد القائد الخامنئيّ (دام ظلّه): "الشيعيّ الحقيقيّ هو الذي يلمس بأحاسيسه وجود الحجّة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويأنس بهذا الإحساس والارتباط".

3- وجود كوادر ونخب وأنصار صالحين لمساعدة القائد الكفؤ.

4- وجود أتباع وموالين يسيرون على طريق القائد.

5- المقاومة والصبر وتحمّل الأذى، حتّى إكمال المسيرة وتحقيق الغاية، وتسليم الراية خلفاً عن سلف، وصولاً إلى المجتمع المهدويّ الصالح.

كلّما توفّرت هذه الشروط أكثر كلّما اقتربنا من عصر الظهور.

وفي هذا المجال يستوقفني كلام أمير المؤمنين عليه السلام في الخطبة 166 من نهج البلاغة، حيث يقول بعد حديثٍ يذكر فيه تفرّق الشيعة: "لَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ نَصْرِ الْحَقِّ، وَلَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ الْبَاطِلِ، لَمْ يَطْمَعْ فِيكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ، وَلَمْ يَقْوَ مَنْ قَوِيَ عَلَيْكُمْ، لكِنَّكُمْ تِهْتُمْ مَتَاهَ بَنِي إسْرَائِيلَ". فالواجب الأساس المستفاد من هذا الكلام هو التمسّك بنصرة الحقّ وترك التخاذل عنه. ثمّ يقول عليه السلام في الخطبة نفسها: "وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنِ اتَّبَعْتُمُ الدَّاعِيَ لَكُمْ، سَلَكَ بِكُمْ مِنْهَاجَ الرَّسُولِ، وَكُفِيتُمْ مَؤُونَةَ الاعْتِسَافِ، وَنَبَذْتُمُ الثِّقْلَ الْفَادِحَ عَنِ الأعْنَاقِ". وهو بذلك يحدّد العلاج العمليّ لمشاكل البشرية، ومنها مشاكلهم في عصر الظهور.

إذاً، فحركة الأمّة هي التي تحدّد مسار التاريخ. ومن هنا يمكننا القول إنّ العلامات المذكورة للظهور قابلة للتغيّر حسب حركة البشر، ولذا فقد جاء في الخبر عن داود بن القاسم قال: كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام فجرى ذكر السفيانيّ وما جاء في الرواية من أنّ أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر عليه السلام: وهل يبدو لله في المحتوم؟ قال: نعم، قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم، قال: "إنّ القائم من الميعاد، والله لا يخلف الميعاد"2.

محلّ الشاهد أنّ السفيانيّ الذي هو إحدى العلامات الحتميّة التي ذُكرت لخروج الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، قد يحصل البداء فيه، فتتغيّر هذه العلامة ولا يخرج السفيانيّ؛ بل يُهزم في عقر داره، وذلك تبعاً لحركة البشر ضمن السنن الإلهية التي منها ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ(الحج: 40).

قد نصبر حتّى يخرج السفيانيّ ويقتلنا، متأثّرين بحربه الإعلامية، لكنّ هذا يخالف تعاليم أئمّتنا التي تأمرنا بمواجهة أعداء الدين ومحاربتهم. ولذا فإنّ تحرّكنا وسعينا إلى إقامة المجتمع المؤمن العادل سيقتل فرصة خروج السفيانيّ، ويجعله يموت في عقر داره. وأمّا إذا تخلّينا عن مسؤولياتنا وتقاعسنا عن نصرة الحق، فلا شكّ في أنّنا سنرى نماذج عديدة للسفيانيّ، ممّن يتسلّطون على رقابنا.

فالخلاصة إذاً، أنّ واجبنا البحث عن التكليف لنمتثله، لا التلهّف وراء العلامات بما هي علامات، إذ غايتها كونها مجرّد مبشّرات لتقوية المؤمنين لا أكثر. من جهةٍ أخرى، إذا أردنا أن نلحظ النسبة بين العلامات وبين السنن الحاكمة على المجتمع، لوجدنا أنّ السنن الإلهية تكون هي المفسّرة والمبيّنة للعلامات، ولذا فإنّ كلّ علامة لا تنسجم مع الثوابت والسنن القطعية تكون غير صحيحة.

فلنثقّف أنفسنا بثقافة السنن الإلهيّة ودورها في التمهيد للظهور؛ لنقوم بتطبيقها، لا ثقافة العلامات والتطبيقات التي لا تقدّم لنا النتائج الصحيحة المرجوّة.


1- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص186.
2- كتاب الغيبة، النعماني، ص203.

أضيف في: | عدد المشاهدات: