صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

منبر القادة: نَسيجُ وحدتنا: طاعة الله

الشهيد الشيخ راغب حرب رحمه الله


المشكلة أن المؤمن يتعامل مع قلوب أهل الدنيا، يفهم خُلُق أهل الدنيا، كما يرى خلقه، وهذا أمرٌ خطأ. الفارق بينكم (أهل الإيمان) وبين الآخرين كبير. أنتم تملكون قلوباً ثقّلها خوف الله عبر قرون، وأنفساً ثقّلتها رحمة الله. أنتم تملكون الأنفس الوادعة، الطيبة، التي فيها زكاة الإسلام.

*رغبةً في رحمة الله
زكّاكم القرآن فزكوتم، فالقرآن أُنزل من أجل الزكاة، لذلك ترون قلوبكم مليئة بالرحمة. أنا أعرفكم، في أشدّ حالات غضبكم، أنتم ترحمون، لأن الرحمة غرسها الله في قلوبكم.
لماذا أنتم هكذا؟ لأن الإسلام ثقّلكم، ولأنكم من حيث تنتبهون أو لا تنتبهون، ترجون اليوم الآخر، ترحمون الناس رغبةً في رحمة الله، أما الذين لا يرجون اليوم الآخر، أو لا يعتقدون باليوم الآخر، لا يرحمون!!

الذي يؤمن باليوم الآخر إذا رأى ضعيفاً رحِمهُ طمعاً في رحمة الله، على عكْس مَن هو غير مؤمن باليوم الآخر. فضَعف الناس أمامه يغريه بمزيد من العدوان، ما جاءت فترة من الزمن كانت فيها دماء الخراف تغري الذئاب بالرحمة، بل إنّ دماء الخراف تغري الذئاب دائماً بمزيد من الدماء!

*دنيا الذئاب
ما تملكون من رحمةٍ مستمدٌّ من رحمة الله. والناس في الدنيا ليسوا كذلك. الدنيا دنيا الذئاب والأنياب والأظفار. ليس فيها شيء اسمهُ الحرام، أو العيب، أو شيء اسمه الممنوع. في الدنيا كهرباء تُنير طريقاً للصوص يُريدون أن يخطفوا كنوزاً كبرى، وثروات شعوب. وليست المسألة هيمنة وسيطرة على شخص، أو أشخاص، وإنما المسألة هي مسألة التجبّر في الأرض بغير حق.

أيُّ رحمةٍ عند قوم إذا حاربوا يلقون على مدنٍ كاملة قنابل نووية؟! هيروشيما، قصة أيجوز أن تُنسى؟! هيروشيما دليل حضاري متقدم! دليل إنساني متقدم! هيروشيما دليل خُلقية عالية!
هذه الرحمة، هذه الورود الزاكية التي تختزنها صدوركم، إذا لم تُحصَّن بالشوك، سيأكلها حقير الذُباب، سيتلفها حقير البعوض!!!

نحن طلّاب زكاة، وصانعو زكاة. ودماء أبنائنا هي التي تعطي الدنيا نماءً وزكاةً. ونقول أيضاً: "نحن سنحمي هذه الزكاة. أعداؤكم، بمنظار الدنيا، إذا رَأوا رقابكم محنية ستُغريهم هذه الرقاب بمزيد من المطامع ومن الاستمرار في احتلال الأرض.
والحديث حول مضار الاستسلام، وحول عدم التصدي، طويل... لذلك دنيوياً أيضاً، لا خيار لنا إلا بهذا الموقف.

*تحقيق الوحدة وتمتينها
يجب أن نستمر بتحقيق وحدتنا، وتمتينها، وأن نكون وحدة متكاملة، وأن يكون أهلنا وحدة على أرض الإسلام، وفي ظل طاعة الله. يجب أن تصبح وحدتنا أكثر متانة، وأكثر شمولاً، ويجب أن يسهم فيها الجميع، حتى تبرأ ذمتنا أمام الله، لأنّه أمرُ الله: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (آل عمران: 103) صدق الله العلي العظيم.
إذا أردتم مواجهة العدو، لا يمكن أن تواجهوه وأنتم متفرقون. الوحدة يجب أن يُسهم فيها الجميع، لأن المسألة ليست معركة يوم أو يومين.

يجب أن تُنسج الوحدة على كل صعيد. نريد للكل أن يتّحدوا، حتى على المسائل التفصيليّة، ولكن بالروح الواعية، المنفتحة، وبالقلوب الزاكية، التي علّمنا الله أن نختزنها في الصدور. يجب أن نناقش الأمور، من أجل أن تنسج وحدة البيت، عبر منطق الرجل، وعمل الرجل، وعبر منطق المرأة، وعمل المرأة، ومن ثم يجب أن تنعكس هذه الوحدة مع الجيرة، وأن تنعكس في البلدة، وفي المنطقة. يجب أن يزول شيء اسمهُ الفرد، يجب أن نكون مجتمعين. إني فردٌ، ولكني أركب في سيارة المجموع. إني واحدٌ أتحرك بتحرّك التيار. عندما أعيش ذلك، أستطيع أن أشعر شعوراً حقيقياً، إنه ليست طاقتي وقدرة جسدي الضعيف أو القوي هي التي تندفع، إنما من حولي، قرب هذه الكتف، وهذه الكتف أكتاف أخرى، تسهم ببعث الحرارة، وتسهم بدفع الحركة.

*الوحدة رمز الحياة
عندما أمرنا الله أن نقف في صلاة الجماعة، وجعل من مستحباتها، أن يكون كتف أحدنا إلى كتف الآخر، لأنه يريد منها أن تكون رمزاً لحياة، أن تكون رمزاً لواسع الفعل، يجب أن تحقق فينا روح الجماعة، التي تنشر في أواسطنا السلام والنعمة، تنشر نعماً إذا عاملتنا الدنيا بكرامة.
أيها الناس خطكم الذي اخترتموه خط مبارك، موقفكم الذي اتخذتموه موقف كريم، استمروا فيه، فلا شك ولا ريب أنّ فيه النصر، وأنّ فيه الكرامة، ﴿... وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج: 40).

اللهم أعنا لتكون لنا يدٌ قوية على من عادانا، اللهم سلّطنا على أن نأخذ حقّنا ممن ظلمنا، فنكسر تلك الأيدي (التي) تحاول أن تهشّم حناجرنا، ثم نبعث في دنيا المستضعفين السلام.
اللهم عجّل فرج إمام المستضعفين الذي تنتظره الأرض، وينتظره العدل، الإمام المهدي المنتظر |، فرّج اللهم عن المؤمنين والمستضعفين في الأرض، اغفر لنا ذنوبنا ووفّقنا لما تحب وترضى.


(*) خطبة للشيخ راغب حرب، ألقاها بتاريخ: 20/6/1983.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع