نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

هدف البعثة مقارعة الشرود

آية اللَّه مشكيني


﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ  هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِين (لقمان: 11).

في الآية العاشرة من سورة لقمان، ذكر مظاهر مختلفة من مخلوقات اللَّه تعالى: الإجرام السماوية، قوة الجاذبية، المطر، النباتات، الجبال الحافظة للأرض وغيرها. واسم الإشارة "هذا" الذي ابتدأت به الآية أعلاه إشارة إلى هذه المظاهر، ومن خلال التأمل والتدبر في الآيتين المذكورتين، يتضح أن المقصود هو جميع مظاهر الخلق من دون استثناء، فهذا الفضاء الواسع وما يحويه من مجرات ونجوم وكواكب ومنها الأرض وما عليها من نباتات وحيوانات وبشر كلها مظاهر خلق اللَّه سبحانه وتعالى.

أما الآلهة الأخرى التي يدعيها المشركون ويعتقدون بألوهيتها والتي يتوجهون إليها بالعبادة والتقديس فماذا خلقت؟ وأين هي مخلوقاتها؟ هذا ما لا يستطيع المشركون الإجابة عنه.

سورة لقمان من السور المكية التي نزلت قبل الهجرة، ولذا فالخطاب موجه إلى مشركي مكة، والمشرك، كما يظهر من الاسم، هو الذي لا يعتقد بإله واحد، بل يعتقد بوجود آلهة متعددة تشاركت في الخلق والتدبير، وأن صح هذا الفرض، فعلى كل إله أن يظهر ألوهيته وخالقيته من خلال إيجاد بعض المخلوقات ورعاية شؤونهم وتدبير أمورهم الحياتية والمعيشية.

ولما كانت هذه المخلوقات العجيبة التي لا تعد ولا تحصى يحكمها ترابط وثيق ومحكم، بحيث أن حدوث أي خلل في أيّ منها يؤدي إلى اختلال النظام العام وحلول الفساد والخراب، دلّ ذلك على أن خالقها ومدبرها واحد وهو اللَّه عز وجل، ولذلك قال تعالى: هذا خلق اللَّه ، ومع انحصار انتساب هذه المخلوقات إلى اللَّه عز وجل دون سواه وجب على المشركين الذين يعتقدون بوجود آلهة أخرى إثبات وجود مخلوقات تنتسب إلى هذه الآلهة، ولذا قال تعالى:  ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ  ، ولما كانت استحالة إثبات مثل هذا الأمر واضحة وبيّنة، فقد جاء الخطاب استنكارياً.

* من هم المشركون؟
لا ينحصر توجيه الخطاب في الآية الشريف إلى المشركين عابدي الأصنام الذين يعتقدون بألوهية الأصنام الموضوعة على الكعبة الشريفة كاللات والعزّى وهبل وغيرها وحسب، بل أهل الكتاب مشمولون بهذا الخطاب أيضاً، يقول تعالى في حق اليهود: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِير ، حيث ادعوا أن أحد أنبياء اللَّه "عزير" هو ابن وشريك لله تعالى، تماماً كما فعل النصارى في إدعاء نبوة المسيح عليه السلام ﴿وقالت النصارى المسيح ابن اللَّه .

وأكثر من ذلك، فقد اعتقد النصارى بالأقانيم الثلاثة (أب، الابن، الروح القدس)، بحيث أن كل واحد من هذه الأقانيم يعتبر إلهاً مستقلاً، وهذا شرك واضح، يقول تعالى في الآية 73 من سورة المائدة: ﴿لقد كفر الذين قالوا ان اللَّه ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد .
في حال كيف يعقل أن يكون اللَّه واحداً، وفي عين الوقت احد ثلاثة أقانيم، ويجيب المسيحيون عن هذا السؤال إن هذا من المعجزات الإلهية وأنه تعالى خلق عيسى ومريم عليه السلام وهما يشاركانه في أعمال الخلق والتدبير؟!!!

على كل حال، فالقرآن الكريم يوجه خطابه لجميع المشركين، ومن جملتهم أل الكتاب، لكن بما أن القرآن لم ينزل لعصر أو قوم خاصين، فجميع مشركي عصر نزول القرآن في جزيرة العرب وإيران وسائر نقاط العالم في ذلك العصر والعصور اللاحقة له معنيون بهذا الخطاب الإلهي العام، والقرآن يدعوهم جميعاً لإثبات وجود مخلوقات تنتسب للآلهة التي يدعونها. ﴿فأروني ماذا خلق الذين من دونه .

* نماذج أخرى من المشركين:
كان الاعتقاد السائد في إيران قبل البعثة الشريفة أن العالم محكوم لإلهين: إله الخير وآله الشر، آله الخير خلق جميع الكائنات الخيرة والجميلة والصالحة، وآله الشر خلق جميع القبائح والشرور، وفي مناطق أخرى كان يتجلى الشرك من خلال عبادة النجوم كما عند "الصابئون"، وجماعة أخرى تعبد البقر ولا يزال منهم كثيرون في الهند وغيرها. أما المرأة التي لم تكن تحسب من المجتمع البشري في جزيرة العرب فقد كانت ترفع إلى مقام الألوهية عند أقوام أخر. ففي لك مكان من العالم كان هناك موجود يتوجه إليه بعض الأقوام بالعبادة ويدعون له الألوهية.

هذه الآية الشريفة من سورة لقمان تستدل مقابل جميع هؤلاء المشركين، كما يبين الاستدلال في علم الكلام بطريقة مشابهة وهي: أن اللَّه تعالى أرسل مئة وأربعة وعشرين ألف نبي وبعث بهم إلى البشر، وجميعهم اتحدت كلمتهم على الدعوة إلى الإله الواحد، فلو كان هناك إله آخر غيره، وجميع البشر أو بعضهم مخلوقات له فلا بد أن يرسل عنه أنبياء يدعون إليه أو على الأقل أن يظهر خلقه والكائنات التي تنتسب إليه، ولما لم يكن يوجد أنبياء إلا لله سبحانه، ولما كان كل ما في الكون خلق اللَّه سبحانه "فأروني ماذا خلق الذين من دونه" .
وبعد كل هذا فالإصرار على الشرك ظلم عظيم يؤدي بالمشرك إلى الضلال ولذا قال تعالى: ﴿هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِين .

* أنواع الظلم
يقسم الراغب الظلم في مفرداته إلى ثلاثة أقسام:
1- ظلم بين الإنسان واللَّه، حيث ينسب إلى اللَّه شريكاً ويتخذه لله كفواً ويتوجه إليه بالعبادة، وهذا من اعظم أنواع الظلم في القرآن، فقد جاء في القرآن الكريم على لسان لقمان أنه قال: ﴿يا بني لا تشرك باللَّه أن الشرك لظلم عظيم.
2- ظلم الإنسان لأخيه الإنسان ويقول تعالى في هذا الشأن: ﴿إن اللَّه لا يحب الظالمين.
3- ظلم الإنسان لنفسه، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في موارد متعددة، منها ما جاء في سورة البقرة: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون .
وعلى هذا يتضح أن المقصود من الظالمين في الآية الكريمة هو القسم الأول، ولكون هذا القسم من الظلم (الشرك) مرض عام في عصر البعثة ونزول الوحي، كما قلنا حتى أن اليهود والنصارى داخلون في عداد المشركين، فقد أتى التأكيد القرآني على هذا الموضوع بالغاً بحيث يمكن القول أن الهدف الأساسي من البعثة هو مقارعة الشرك، ومن هذه الجهة نجد في القرآن الكريم قسماً مهماً من الآيات تختص في هذا الجانب وتذكر الاستدلالات المختلفة لإبطال هذه الإدعاءات الخرافية والباطلة.

* البحث عن اللَّه فطري
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "ما رأيت شيئاً إلا ورأيت اللَّه قبله وبعده ومعه".
كل ظاهرة من ظواهر هذا العالم الرحب من الذرة وحتى المجرات الكبيرة تحكي من خلال نظامها الدقيق والمحكم عن وجود الخالق الحكيم، وكل موجود مرآة جماله، ولذا ورد عن الإمام الحسين عليه السلام في الدعاء المشهور (دعاء عرفة) أنه قال: "عميت عين لا تراك عليها رقيباً وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيباً".
أولئك الذين لا يرون قدرة وحكمة ذلك القدير المطلق والحكيم على الإطلاق في هذه المخلوقات العظيمة، بل يجعلون موجودات ضعيفة وعاجزة والتي هي من مخلوقاته أيضاً شركاء له، أولئك هم عمي البصائر.
فطرة الإنسان باحثة عن اللَّه من الداخل، وجميع مظاهر الخلقة هذه مع هذا الخلق الجميل والنظام البديع تدعو الإنسان إلى اللَّه الواحد من الخارج، ومع كل هذا لا يرى الإنسان اللَّه عز وجل، أليس هذا هو الأعمى حقاً؟!.

هل يحتاج الجائع إلى دليل لإثبات جوعه؟ أن إحساسه وشعوره بالجوع هو أكبر دليل واللَّه تعالى يقول في سورة الروم:   ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ، فالدين مغروس في أعماق فطرة الإنسان والإيمان باللَّه فطري، ولذا فالقرآن الكريم يعتمد على برهان الفطرة لإثبات المبدأ. ويأمر بالرجوع إلى فطرة الإنسان في هذا الشأن. مرّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوماً بعجوز فسألها: كيف عرفت اللَّه؟ وكان بين يديها بلبل للخياطة، فقالت هذا البلبل عندما أحركه يتحرك وعندما لا أحركه لا يتحرك، فهذا الكون العظيم إلا يحتاج إلى من يحركه؟؟
عندها قال صلى الله عليه وآله وسلم: عليكم بدين العجائز.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع