نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الإمام الفعلي بعد الرسول

بعد أن تحدثنا عن حقيقة الإمامة في الحلقات الماضية، وعن بعض الخصائص الأساسية التي يجب أن تتوفر في الإمام، وأهمها العصمة والأفضلية، يأتي الدور للحديث عن الإمام الفعلي بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، فمن هو يا ترى؟

* لمحة تاريخية
يعتقد بعض المسلمين من أهل السنة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أغمض عينيه عن هذه الدنيا دون أن ينصب خليفة بعده، ويعتقدون أن هذه المهمة تقع على عاتق المسلمين أنفسهم، فهم الذي عليهم أن يختاروا قائدهم بطريق "إجماع المسلمين " باعتباره أحد الأدلة الشرعية.
ويضيفون إلى ذلك قولهم: إن ذلك قد حصل فعلاً واختير الخليفة الأول بإجماع الأمة.
 

ثم اختار الخليفة الأول الخليفة الثاني:
وعيّن الخليفة الثاني شورى مؤلفة من ستة أشخاص يختارون أحدهم. وكانت هذه الشورى تتألف من علي عليه الصلاة و السلام، وعثمان، وعبد الرحمن ابن عوف، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص.
كان الخليفة الثاني قد اشترط أنه إذا انقسمت الشورى كل ثلاثة في طرف، فإن الطرف الذي فيهم عبد الرحمن بن عوف "صهر عثمان " هو الذي يختار الخليفة، وهذا ما حصل، إذ الأكثرية المؤلفة من سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وطلحة اختاروا عثمان.
 

وفي أواخر عهد عثمان نهض الناس لأسباب مختلفة ضد، وكان إن قتل قبل أ يستطيع تعيين أحد أو شورى.
إن المفهوم القرآني للإمامة يشترط فيها العلم الوافر بجميع أصول الدين وفروعه، وكذلك عصمة الإمام، وهذا لا يعرف إلا عن طريق اللَّه وليس الناس.
وعلى أثر ذلك أقبل الناس برمتهم متجهين إلى الإمام علي عليه الصلاة و السلام، وبايعوه خليفة لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، باستثناء معاوية الذي كان عامل عثمان على الشام، لأنه كان واثقاً أن علياً عليه الصلاة و السلام لن يبقيه في منصبه. فرفع راية المعارضة، وكان مصدر حوادث مشؤومة ودموية في التاريخ، أدت إلى إراقة دماء الكثيرين من الأبرياء.

هنا تبرز أسئلة كثيرة لا بد منها، لإلقاء الضوء على البحوث العلمية والتاريخية، سنورد بعضاً منها:
1- الأمة واختيار الخليفة
ليس من الصعب الجواب على هذا السؤال، فنحن إذا اعتبرنا الإمامة بمعنى الحكم الظاهري على مجتمع المسلمين، فإن اختيار الحاكم بالرجوع إلى آراء الناس أمر متداول.
ولكن إذا كانت الإمامة بالمعنى الذي شرحناه من قبل والذي استقيناه من القرآن الكريم، فلا شك في أنه ليس لأحد الحق في تعيين خليفة النبي سوى اللَّه ورسوله "وبأمر من اللَّه".
إذ أن شرط الإمامة بحسب هذا التفسير هو العلم الوافر بجميع أصول الدين وفروعه، ذلك العلم الذي ينبع من مصدر سماوي ويستند إلى علم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، لكي يستطيع الحفاظ على الشريعة الإسلامية.
 

الشرط الآخر هو معصومية الإمام، أي أن يكون مصوناً مصونة إلهية ضد كل خطأ وإثم لكي يستطيع أن يتحمل مسؤولية مقام الإمامة وقيادة الأمة قيادة معنوية ومادية وظاهرية وباطنية، كما يجب أن يكون متمتعاً بالزهد والتحرر والتقوى والجرأة، مما هو لازم لمن يتصدى للاضطلاع بمهمات هذا المنصب الجليل.
إن تمييز هذه الصفات في شخص ما ليست مستطاعة إلا بوساطة اللَّه ورسوله، فهو الذي يعلم في من وضع صفة العصمة، وهو الذي يعلم في من يتوفر حد النصاب من العلم والزهد والتحرر والشجاعة والجرأة اللازمة لمقام الإمامة.
 

إن الذين عهدوا باختيار الإمام والخليفة إلى لناس قد غيَّروا في الحقيقة المفهوم القرآني للإمامة، وقصروا هذا المفهوم على الحكم لعادي وإدارة شؤون الناس الدنيوية، وإلاّ فإن شروط الإمامة بمعناها الجامع الكامل لا تعرف إلاّ عن طريق اللَّه تعالى، لأنه هو العالم بهذه الصفات.
إن القضية أشبه بانتخاب النبي، فالنبي لا يمكن أن ينتخبه الناس بالتصويت، بل اللَّه هو الذي يختاره، ويتعرف عليه الناس عن طريق معجزاته، لأن الصفات اللازم توفرها في النبي لا يعرفها إلاّ اللَّه.
 

2- هل عيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصياً له؟
إن الدين الإسلامي، ولا شك، دين "عالمي " و "خالد " ولا يقتصر على زمان ولا مكان معينين، كما يصرح القرآن بذلك.
ولا شك أيضاً في أن الدين الإسلامي لم يكن قد تجاوز شبه الجزيرة العربية عند وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن جهة أخرى نجد أن النبي أمضى ثلاث عشرة سنة من عمره الشريف في مكة يحارب الشرك وعبادة الأصنام، والسنوات العشر التالية التي بدأت بالهجرة، واستغرقت فترة تفتح الإسلام، أمضاها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم في الغزوات والحروب التي فرضها على المسلمين أعداؤهم.
 

وعلى الرغم من أن الرسول الأكرم لم يترك لحظة من عمره الشريف دون أن يستغلها لنشر الدعوة والتعاليم الإسلامية، والسعي لتعريف الإسلام الفتي بجميع أبعاده. ولكن الذي لا شك فيه أن تحليل كثير من المسائل الإسلامية كان يتطلب زمناً أطل، فإذن لا بد لشخص مثل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعين من يضطلع بهذه المهمة بعده.
وفضلاً عن ذلك، فإن التنبؤ بمستقبل الأمة، وإعداد المقدمات للاستمرار في إدامة مدرسة الإسلام، كان من أهم الأمور التي لا بد أن يفكر فيها كل قائد. ولا يمكن أبداً أن يسمح لهذه المسألة الأساس أن يلفها النسيان.
وإذا تجاوزنا عن كل ذلك، نلاحظ أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان أحياناً يصدر تعليمات خاصة في كثير من الأمور البسيطة العادية في الحياة اليومية، فكيف يمكن أن يهمل قضي مهمة كقضية الخلافة والزعامة والإمامة ولا يضع لها منهاجاً خاصاً؟
 

إن الرسول الذي لم يترك المدينة لبضعة أيام إلا بعد تعيين من يقوم مقامه فيها، لا يَعقل أن يغادر الدنيا نهائياً دون أن يعين أحداً ليخلفه.
كل هذه النظرات الثلاث دليل واضح على أن النبي الكريم لا يمكن أن يهمل تعيين الخليفة من بعده. ولسوف نذكر إن شاء اللَّه روايات إسلامية مؤكدة تلقي مزيداً من الضوء على هذا الموضوع، وتثبت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم لم يغفل طوال حياته عن هذه المسؤولية المصيرية، على الرغم من المساعي السياسية التي جرت بعد الرسول، كي تدخل في أذهان الناس أن رسول اللَّه لم يعني خليفة بعده.
 

أيصدق أحد أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم لم يترك المدينة لبضعة أيام "مثل ذهابه إلى غزوة تبوك " إلاّ بعد أن عيَّن من يقوم مقامه فيا، ولكنه لا يعين أحداً ليخلفه بعد مغادرة الدنيا نهائياً، بل يترك الأمة نهب الاختلافات والاضطرابات والحيرة، دون أن يضمن للإسلام استمراريته على يد هاد ومرشد يعتمده؟
 

لا يشك أحد أن عدم تعيين خليفة، ينطوي على أخطار كبيرة على الإسلام اليافع، أن العقل والمنطق يحكمان بأن أمراً كهذا يستحيل صدوره عن نبي الإسلام.
إن الذين يقولون أنه عهد بذلك إلى الأمة، عليهم أن يبينوا أدلتهم ويثبتوا أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم قد صرح بذلك علانية، ولكن ليس ثمة دليل من هذا القبيل.
إذا كان الإجماع والشورى واتفاق المسلمين هو الطريق الصحيح لاختيار الخليفة، لكن ذلك لم يحصل لأحد من الخلفاء الثلاثة كما تروي كتب التاريخ.

3 - الإجماع والشورى
:
لنفرض أن رسول الإسلام أغمض عينيه عن هذا الأمر الحيوي "والافتراض مستبعد"، وأن المسلمين هم المطلوب منهم أن يختاروا خليفة رسول اللَّه عن طريق الإجماع. ولكننا نعلم أن "الإجماع " يعني اتفاق المسلمين، ولكننا نعلم أيضاً أنّ إجماعاً كهذا لم يحصل عند انتخاب الخليفة الأول. اللهم إلاّ ما حصل عند اجتماع عدد من الصحابة الذين كانوا في المدينة، حيث قرروا قرارهم، مع أن سائر المسلمين في سائر بلاد الإسلام لم يشاركوا في هذا الاجتماع ولا في الإدلاء بآرائهم، بل أن في المدينة نفسها كان كثيرون، كالإمام علي عليه الصلاة و السلام وبني هاشم، لم يحضروا ذلك الاجتماع، وعليه، فإن إجماعاً كهذا لا يمكن قبوله.
 

ثم إذا كان هذا الأسلوب هو الصحيح الذي يجب اتباعه، فلماذا لم يتبعه الخليفة الأول في انتخاب خليفته؟ لماذا عيِّن بنفسه خليفته؟ فإذا كان يجوز للفرد أن يعين خليفة، فقد كان النبي أولى إذن بذلك من أي فرد آخر، وإذا كانت البيعة العامة التي تلي الانتخاب تحل المشكلة، فإن ذلك وارد أيضاً بالنسبة للنبي، وعلى وجه أفضل.
ثم فضلاً عن ذلك تبرز المشكلة الثالثة بالنسبة للخليفة الثالث، وهي لماذا خالف الخليفة الثاني الأسلوب الذي اتبعه الخليفة الأول في انتخاب الخليفة الثاني نفسه، وكسر السنّة التي أتت به إلى الخلافة، أي أنه لم يلتزم الإجماع ولا التعيين الفردي، بل جاء بمجلس الشورى ليقوم بذلك؟
إ

ذا كانت "الشورى " صحيحة، فلماذا تقتصر على أشخاص ستة بعينهم، وأن يكتفي برأي ثلاثة من ستة؟
هذه أسئلة لا بد أن تخطر ببال كل باحث ومحقق يتعامل مع التاريخ الإسلامي، وبقاؤها دون جواب يدل على أن تلك الأساليب لم تكن هي الطريق الأمثل لنصب الإمام.
إن علياً عليه السلام هو الأفضل علماً وجهاداً وتقوى وأسبقية إلى الإسلام.
ولذلك وجب عقلاً أن يكون هو الإمام دون سواه.

4- علي عليه السلام الأفضل
لنفرض أن نبي الإسلام لم يعين أحداً يخلفه من بعده، ولنفرض أن اختيار الخليفة كان على عائق الأمة، فهل يجوز عند الانتخاب أن نتجاوز الأعلم والأتقى والأكثر تميزاً عن الآخرين من جميع الوجوه، لنبحث عن الخليفة بين من هم يأتون بعده في المرتبة؟
 

لقد صرح كثير من علماء المسلمين، بما فيهم علماء أهل السنة، بأن علياً كان أعلم الناس بالدين الإسلامي، كما أن آثاره الباقية منه تؤكد هذا القول، وقد ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "أقضاكم علي "، و "أنا مدينة العلم وعلي بابها "، والذي يطالع التاريخ يجد أنه كان ملجأ الأمة في كل مشكلة علمية، وأن الخلفاء كانوا يرجعون إليه إذا ما واجهتهم معضلة دينية معقدة، حتى أكثر عمر من القول: "ما كنت لمعضلة لست لها يا أبا الحسن ".
 

وكان في الشجاعة والجرأة والتقوى والزهد والصفات البارزة الأخرى أسمى منزلة من غيره. وعليه، إذا فرضنا أن انتخاب الخليفة كان موكولاً إلى الناس أنفسهم، فإن علياً كان أليق الموجودين وأجدرهم بالخلافة "هنالك بالطبع الكثير من الأدلة والأسانيد الأخرى الواسعة بهذا الشأن مما لا مجال لذكرها في هذا الموجز ".
 

ونعم ما أجاب العالم الكبير الخليل بن أحمد الفراهيدي عندما سئل عن الدليل على إمامة الإمام علي بن أبي طالب عليه الصلاة و السلام فقال: "إستغناؤه ع الكل وحاجة الكل إليه ".
والأمر الآخر أيضاً هو البعد الزماني الذي يجمع التعاليم الإلهية في سياق متناغم، هذا السياق الذي يمكن أن يختفي من أمام المحقق إذا لم ينظر إلى البعد المذكور جيداً. وذلك لأن طريق التربية الإلهية للبشر ترتبط بالحياة الاجتماعية والسياسية التي يعيشونها، قال اللَّه تعالى: ﴿جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا.
 

ولا ينبغي الخلط ما بين الثابت في الدين والذي هو أصول الحلال والحرام أو ما يُعرف "بالشريعة " والمتغير في الحياة الذي هو من مقتضيات الزمان وتطور الحياة الاجتماعية.
إن الذي يقود الحياة الاجتماعية بقوة سوف يتميز بدون شك عن ذلك الذي يبحث عن الطريق من بين بطون الكتب وأوراق المخطوطات. وقد استلهم الإمام هذه الفكرة من روح الإمامة وجوهرها الذي لا يمكن أن تخلو منها الأرض وإلا لساخت بأهلها.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع