نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

شخصية العدد: مصعب الخير

ظافر قطيع

هو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي القرشي وكنيته أبو عبد الله. كان من أجلّاء الصحابة وفضلائهم. هاجر إلى أرض الحبشة في أول من هاجر إليها. ذكر الواقدي عن إبراهيم بن محمد العبدي عن أبيه، قال: كان مصعب بن عمير فتى مكة شباباً وجمالاً. وكان أبواه يحبّانه فكانت أمه تكسوه أحسن ما يكون من الثياب. وكان أعطر أهل مكة، يلبس الحضرمي من النعال. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يَذْكره ويقول: "ما رأيت بمكة أحسن لُمّة [الثوب] ولا أرقّ حلّة ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير"(1).


*في سبيل الله ورسوله
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز وهو يبني المسجد فقال: "أقبل مصعب ذات يوم والنبي صلى الله عليه وآله وسلم جالس في أصحابه، عليه- أي مصعباً- قطعة نَمرة قد وصلها بإهاب قُدَّ رِدنه ثم وصله إليها [أي ثوب ممزّق قد رتق] فلما رآه أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم نَكَسوا رؤوسهم رحمة له ليس عندهم ما يغيرون عنه، فسلّم فردّ عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحسن عليه الثناء وقال: الحمد لله ليقلّب الدنيا بأهلها. لقد رأيت [هذا يعني مصعباً] وما بمكة فتى من قريش أنعم عند أبويه نعيماً منه ثم أخرجه من ذلك الرغبة في الخير في حبّ الله ورسوله"(2).

وفي حديث مروي عن الإمام عليّ عليه السلام قال: "إنّا لجلوس مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد إذا طلع علينا مصعب بن عمير وما عليه إلّا بردة مرقوعة بفرو فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكى للذي كان فيه من النعمة والذي فيه اليوم ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلّة وراح في حلّة ووضعت بين يديه صفحة ورفعت أخرى وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة؟ قالوا: يا رسول الله نحن يومئذ خير منا اليوم نتفرّغ للعبادة ونُكفى المؤونة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنتم اليوم خير منكم يومئذٍ"(3).

*إسلامه مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
"بعد أن دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم وبلغ مصعباً أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو فيها إلى الإسلام، دخل مصعب وأسلم وكتم إسلامه؛ خوفاً من أمه وقومه. فكان يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سراً فبصر به عثمان بن طلحة يصلي فأخبر به قومه وأمه فأخذوه وحبسوه، فلم يزل محبوساً إلى أن خرج إلى أرض الحبشة"(4).

*سفير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الأنصار
لما انصرف أهل العقبة الأولى، "أرسلت الأنصار رجلاً إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكتبت إليه كتاباً: ابعث إلينا رجلاً يفقّهنا في الدين [ويُقرئنا] القرآن. فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصعب بن عمير فنزل على سعد بن زرارة وكان يأتي الأنصار في دُورهم وقبائلهم فيدعوهم إلى الإسلام ويقرأ عليهم القرآن، فيُسلم الرجل والرجلان حتى ظهر الإسلام وفشا في دور الأنصار كلها والعوالي، إلا دوراً من أوس الله وهي خطمة ووائل وواقف"(5). "وإن قصة إسلام أسيد بن حضير وسعد بن معاذ على يديه بعد حوار لتدلّك على الأسلوب الدعوي الذي كان يتبعه مصعب بن عمير في إقناع الآخرين ولولا الخشية من الإطالة لأوردناه"(6).

كان مصعب بن عمير يُقرِئ المسلمين القرآن ويعلّمهم أمور دينهم التي تعلّمها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستأذنه أن يُجمع بهم فأذن له وكتب إليه: "انظر من اليوم الذي يجهر فيه اليهود لسبتهم فإذا زالت الشمس فازدلف إلى الله فيه بركعتين واخطب فيهم فجمع بهم مصعب بن عمير في دار سعد بن خيثمة وهم اثنا عشر رجلاً فهو أول من جمع في الإسلام جمعة"(7).

"ثم خرج مصعب من المدينة مع السبعين الذين وافوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العقبة الثانية من حاجّ الأوس والخزرج ورافق أسعد بن زرارة في سفره ذلك فقدم مكة فجاء منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقرب من منزله فجعل يخبر رسول الله عن الأنصار وسرعتهم إلى الإسلام فَسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكل ما أخبره، وبلغ أمه أنه قد قدم فأرسلت إليه: يا عاق، أتقدم بلداً أنا فيه، لا تبدأ بي؟ فقال: ما كنت لأبدأ بأحد قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فلما سلّم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبره بما أخبره ذهب إلى أمه فقالت: إنك لعلى ما أنت فيه من الصبأة بعد؟ قال: أنا على دين رسول الله وهو الإسلام الذي رضي الله به لنفسه ولرسوله. قالت: ما شكرت ما رثيتك مرة بأرض الحبشة ومرة بأرض يثرب، فقال: أفرّ بديني إن تفتنوني. فأرادت حبسه فقال: لئن حبستني لأحرضن على قتل من يتعرض لي، قالت: فاذهب لشأنك وجعلت تبكي، فقال مصعب: يا أمّاه إني لك ناصح عليك شفيق فاشهدي أنّه لا إله إلا الله وأنّ محمداً عبده ورسوله، قالت: والثواقب [النجوم] لا أدخل في دينك فيزرى برأيي ويضعف عقلي ولكني أدعك وما أنت عليه وأقيم على ديني"(8).

*هجرته إلى المدينة المنورة
هاجر مصعب بن عمير إلى المدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليها باثني عشر ليلة. "وقال البراء بن عازب: أول من قدم علينا المدينة من المهاجرين مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار بن قصي ثم أتانا بعده عمرو ابن أم مكتوم ثم أتانا بعده عمار بن ياسر"(9). وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين أبي أيوب الأنصاري.

*جهاده وشهادته
شهد مصعب بن عمير مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدراً وأُحُداً ولم يختلف أهل السير أن راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر وأُحُد كانت بيد مصعب بن عمير وهي لواء رسول الله الأعظم لواء المهاجرين. ولما كان يوم أُحُد "سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يحمل لواء المشركين؟ قالوا: بنو عبد الدار قال: نحن أحق بالوفاء منهم، أين مصعب بن عمير؟ قال: ها أنذا، قال: خذ اللواء. فأخذه مصعب فتقدّم به بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "(10). فلما جال المسلمون ثبت به مصعب فأقبل ابن قميئة الليثي وهو فارس فضرب يده اليمنى فقطعها فأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه فضرب يده اليسرى فقطعها فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول: "وما محمد إلا رسول الله قد خلت من قبله الرسل" ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه واندق الرمح ووقع مصعب وسقط اللواء فأخذه أبو الروم بن عمير أخو مصعب وكان عمر مصعب يوم شهادته أربعين سنة.

*رثاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمصعب بن عمير
وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مصعب بن عمير وهو منجعف (مصروع) على وجهه يوم أُحُد شهيداً فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (الأحزاب: 23) إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشهد عليكم أنكم شهداء عند الله يوم القيامة ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس ائتوهم فزوروهم وسلّموا عليهم فوَالذي نفسي بيده لا يسلّم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلّا ردّوا عليه السلام"(11). ويذكر أصحاب التفاسير أن الآية: }مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{ قد نزلت في شهداء أُحُد مصعب وصحبه.

"لقد استشهد مصعب بن عمير يوم أُحُد ولم يكن له إلّا غمرة [ما يستتر به]، كنا إذا غطينا [بها رأسه خرجت رجلاه] وإذا غطينا رجليه خرج رأسه فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه الأذخر [نبات طيّب الرائحة]"(12).


1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر، ص36.
2- الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج3، ص117.
3- أسد الغابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير، ج5، ص181.
4- الاستيعاب، م. س، ص37.
5- الطبقات الكبرى، م.س، ص64.
6- يراجع: سيرة الرسول وخلفاؤه، السيد علي فضل الله، ج2، ص 283- 286.
7- الطبقات الكبرى، م. س، ص118.
8- م. ن، ص119.
9- الاستيعاب، م. س، ج4، ص1474.
10- الطبقات الكبرى، م. س، ج2، ص40.
11- أسد الغابة، م. ن، ص183.
12- أخرجه البخاري وأبو داوود والترمذي وأحمد.

أضيف في: | عدد المشاهدات: