الخوف من اللَّه سبحانه واحد من المفاهيم القرآنية التي أمرنا اللَّه سبحانه في كتابه بالتحلي بها، وركزت عليها الروايات الصادرة عن أهل بيت العصمة عليها السلام، وشدَّدت عليها، حتى أصبحت مخافة اللَّه رأس الحكمة "رأس الحكمة مخافة اللَّه"، وأمسى الخوف جلباباً للعارفين، نتيجة معرفتهم الحقة باللَّه تعالى وإدراكهم لعظمة ذاته المقدسة "الخوف جلباب العارفين" الإمام علي عليها السلام.
* سبب الخوف
وإذا دققنا النظر في السبب الذي دعا هؤلاء إلى تجليب الخوف، نجد أن ذلك عائد إلى العلم والمعرفة الحقة باللَّه، حيث تتجلى أمام هؤلاء- نتيجة العلم- الصفات الإلهية القدسية التي تجعلهم يستشعرون عظمة اللَّه سبحانه، وبالمقابل تجعلهم يدركون مدى صغر وضعف نفوسهم ومدى فقرها وعجزها، فتحصل الهيبة والمخافة عندها.
وتتسع دائرة الخوف والخشية هذه وتضيق، بالنظر إلى مقدار وحجم المعرفة باللَّه، حيث جاء في الحديث الشريف عن رسول اللَّه محمد صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "من كان باللَّه أعرف كان من اللَّه أخوف".
وجاء عن الإمام علي عليها السلام قوله: "أعلم الناس باللَّه أخوفهم منه".
ولما كان العالم الحقيقي باللَّه تعالى يشعر دائماً بمراقبة اللَّه تعالى وحضوره في كل الأوقات، فإن مخافته لله تنتج عن يقينه من رؤية اللَّه له، وهذا ما أشار إليه الإمام الصادق عليها السلام حيث قال: "خف اللَّه كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنه يراك، فإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت، وإن كنت تعلم أنه يراك ثم استترت عن المخلوقين بالمعاصي وبرزت له بها، فقد جعلته في حدّ أهون الناظرين إليك".
* علامات الخوف
هذا وللخوف علامة يمتاز بها الخائف عن غيره، حيث هو في حالة هروب دائم مما يخافه ويحذره، كما أنه في حالة نهي دائم لنفسه عن اتباع الهوى والشهوات. قال تعالى: "وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى".
وجاء عن أمير المؤمنين وسيد الموحدين عليها السلام قوله: "من رجا شيئاً طلبه، ومن خاف شيئاً هرب منه، ما أدري ما خوف رجل عرضت له شهوة فلم يدعها لما يخاف منه، وما أدري ما رجاء رجل نزل به بلاء فلم يصبر عليه لما يرجو".
فالذي ينبغي على الخائف- كما هو ظاهر ن الرواية- أن يفر من المعاصي والشهوات فرار النعاج الهاربة من الذئاب المفترسة، اتقاء لما يخافه من عذاب اللَّه سبحانه، ورجاء لثوابه الجزيل الذي لا يقارن مع كل مغريات هذه الدنيا الغرور.
وهناك علامات أخرى للخائفين، هي السكوت وقلة الكلام، حيث أعيتهم مخافة اللَّه عن الكلام والمنطق وهم الفصحاء البلغاء، ذوو العقول النيّرة والرؤى السديدة، يقول أمير المؤمنين في هذا الصدد: "إن للَّه عباداً كسرت قلوبهم خشية اللَّه فاستكفوا عن المنطق وإنهم لفصحاء عقلاء، البّاء نبلاء، يسبقون إليه بالأعمال الزاكية، لا يستكثرون له الكثير، ولا يرضون له بالقليل، يرون أنفسهم أنهم شرار وإنهم الأكياس الأبرار".
* ثمرات الخوف
أما عن ثمرات الخوف فهي كثيرة نذكر منها:
1- الورع عن المعاصي: فعن الإمام علي عليها السلام قوله: "نعم الحاجز عن المعاصي الخوف".
2- التقليل من الآفات: فعنه عليها السلام أيضاً: "من كثرت مخافته قلَّت آفته".
3- الخروج من الجهل: عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "لو خفتم اللَّه حق خيفته لعلمتم العلم الذي لا جعل معه، ولو عرفتم اللَّه حق معرفته لزالت بدعائكم الجبال".
4- خوف كل شيء من الخائف لربه: وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "من خاف اللَّه عز وجل خاف منه كل شيء، ومن لم يخف اللَّه أخافه اللَّه من كل شيء".
5- الأمن يوم الفزع الأكبر: عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من عرضت له فاحشة أو شهوة فاجتنبها من مخافة اللَّه عز وجل حرم اللَّه عليه النار، وآمنه من الفزع الأكبر وأنجز له ما وعده في كتابه في قوله: ولمن خاف مقام ربه جنتان".
وأخيراً بينت الروايات الخوف الذي ينبغي أن يصاحب المؤمن في جميع حركاته وتقلباته، ألا وهو الخوف المرفق بالرجاء (رجاء رحمة اللَّه) ففصلت بذلك بين خوف مذموم يؤدي بالإنسان إلى القنوط من رحمة اللَّه تعالى، وبين خوف ممدوح يمنعه عن الاشتغال بالمعاصي ويجعله في نفس الوقت راجياً لثواب ربه ورحمته، وهذا ما أشارت إليه الرواية الصادرة عن مولانا الإمام الصادق عليها السلام نقلاً عن أبيه عليها السلام: "أنه ليس من عبد مؤمن إلاَّ وفي قلبه نوران: نور خيفة ونور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم يزد على ذاك" وبهذا يكون العبد يمارس خير الأعمال حيث جاء عن الإمام علي عليها السلام قوله: "خير الأعمال اعتدال الرجاء والخوف".