مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مع الشهيدين إبراهيم وأحمد عبد الجليل شري

إعداد وتحقيق: نسرين إدريس

الاسم: إبراهيم عبد الجليل شري.
اسم الأم: سكنة حجازي.
محل وتاريخ الولادة: خربة سلم 1/1/1969.
رقم السجل: 60.
الاسم الجهادي: عبد اللَّه.
تاريخ الاستشهاد: 8/8/1990.

الاسم: أحمد عبد الجليل شري.
اسم الأم: سكنة حجازي.
محل وتاريخ الولادة: خربة سلم 1/2/1973.
رقم السجل: 60.
الاسم الجهادي: عبد اللَّه.
تاريخ الاستشهاد: 17/4/1996.


بسم اللَّه الرحمن الرحيم
﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾  صدق اللَّه العلي العظيم.


بين الجرح والضماد مسافة الدم والدمع، وأفق تنازع مداه أشرعة الرحيل والبقاء.. وبين جرح وآخر صمت يطبق على آلام تضج بها النفس، وآمال يضيق عليها الجسد وتحدها الأيام بزمانها ومكانها.. وما الأيام إلاّ صفحات يفرد الحزن أوجاعه على أسطرها الخالية إلا من السفر، وما الحديث في هذا الوجود المقفر إلا ترداد صدى لذكريات تحملها لوعات قلب فقد أحبَّته الذين يسكنون ذاته، فهجر النسيان ذاكرته وأسكنه في واد من الصور الشفافة التي يرقب من خلالها الوجوه التي احتلت ملامحه وبقيت رغم رحيلها حاضرة أكثر منه..

وإن كانت شهادة إبراهيم حملته إلى دنيا ثانية، فإن أحمد حملها في قلبه دافعاً يحيا به ليكمل طريقاً زينه بالبندقية وزغاريد الرصاص، فليس هنالك من فارق بينهما سوى أنهما عشق واحد في قلبين.. وهما اللذان عاشا في كنف عائلة مؤمنة ملتزمة، أولتهما كل العناية والاهتمام، خاصة وأنهما صغيراً العائلة بين عشرة أخوة وأخوات، ووالدهما رجل قضى حياته كلها في سبيل تأمين حياة كريمة لعائلته، ووالدتهما امرأة صُب الصبر على قلبها كما الحب تجاه أولادها..

وبالاقتراب من أعتاب حياة إبراهيم وأحمد، نجدهما نفساً واحدة وفكراً واحداً وقضية واحدة، فإبراهيم الذي يكبر أحمد بأربع سنوات شب قبل أوانه، وتحولت أنظار من في البيت إليه، فهو الأخ الصغير الذي يملك من الوعي والإدراك ما يجعله مميزاً، ليس فقط في المنزل، بل بين كل من يعرفه، فقد التزم قبل بلوغه سن التكليف، وكان قد ترك الدراسة وبدأ بالعمل في أحد المحلات وهو لا يزال صغيراً، وتنقل بين عدة مهن، إلا أنه عندما بلغ سن السادسة عشرة تفرغ في العمل الجهادي في المقاومة الإسلامية وهو في هذا السن المبكر، وخضع لعدة دورات، وصار يقضي معظم وقته في الجنوب، وحين يأتي إلى بيروت، يكون بالقرب من عائلته التي أحبها حباً جماً؛ يساعد والده في دكانه الصغير، ويجالس والدته، ويسامر أخوته محاولاً أن يعوّض عن الأيام التي قضاها بعيداً عنهم فكان نعم الولد البار والأخ العطوف المتسامح، أما في أوقات فراغه فكان يتدرب على فن لعبة "الكاراتيه"، أو يلعب كرة القدم.

كانت بسمته الرفيق هي الجواب الوحيد لأي تساؤل يحيط به فالصمت والهدوء لازماه طوال الأيام التي قضاها بين أهله، ولم يكن أحد من أهله يعرف أن كان في عداد القوة الخاصة إلا بعد أن قضى شهيداً إلى اللَّه، وقد شارك في عدة معارك وعمليات، وكان مميزاً جداً في إيمانه، فكان دائماً يختلي بنفسه ليدعو اللَّه ويصلي تقرباً إليه، رأته شقيقته في إحدى الليالي وهو يبكي بكاءً شديداً ساجداً لله..

وكان يوصي أخوته وأخواته باتباع نهج الإمام الخميني والتمسك بولاية الفقيه ويطلب من كل من يعرفه أن يلتزم بالحدود الشرعية لأن هذه الدنيا فانية، أما وصيته الدائمة لأحمد فهي أن ينتبه إلى نفسه، فقد كان يخشى عليه من أي أذى، ويخاف عليه خوف الأم على ولدها. وكان الأخير قد تعلق به تعلقاً شديداً، إذ أنه نشأ وهو يراقب تصرفاته وأفعاله، وكبر وهو يراه مميزاً عن الآخرين، فكان صديقه ورفيق دربه.
وتفرغ أحمد أيضاً في المقاومة، فصارا، معاً، يحملان السلاح ويدافعان عن الأرض.. إلى أن كان اليوم الثامن من شهر آب 1990، حين مزّق صمت شوارع جرجوع في إقليم التفاح، صوت قذيفة أدى سقوطها بالقرب من إبراهيم وصديقه إلى إصابته بشظايا في رأسه سرعان ما أدّت إلى استشهاده، وكان أحمد في هذه الأثناء لا يزال مرابطاً على الثغور..

وفي بيروت.. وبينما كانت أيدي الأهل والأحبة والأصدقاء تلوح بالوداع للحبيب الذي قضى شهيداً.. كان أحمد يتسامح من حبيبه لئلا يعتب عليه؛ لأنه لم يستطع أن يغمض عينيه الإغماضة الأخيرة، ولأنه لم يشم منه رائحة الشهادة العابقة بدمائه..
رحل إبراهيم شهيداً، وبقي أحمد مجاهداً.. وصار الجميع ينظر إليه كَمَن ينظر إلى مسافر. فهو الموجود بينهم بجسمه، البعيد عنهم بروحه وأحلامه.. وصار الصمت هو الملاذ الوحيد له بعد فقدان إبراهيم.. واشتد تعلّق والديه وأخوته به، فهو ليس بالفتى المحبب لديهم فحسب وإنما الحامل بين جنبيه نفحات روح الحبيب إبراهيم، والحافظ في حزنه بريق عينيه.
ويأبى أحمد إلا أن يسلك الدرب الذي رسمه وأخوه معاً، وكان هاجسه الوحيد هو الشهادة، وحتى حين قام بزيارة إلى العتبات المقدسة في العراق، كان همّه الوحيد بعد القيام بواجبات الزيارة، مسح كفنه وأكفان أصدقائه في المقاومة بالمقامات تبركاً واستحباباً، ووصيته الدائمة لوالدته بألا تحزن إذا استشهد، مذكراً إياها بتضحيات الزهراء وزينب عليهما السلام.

وحين قرر أن يتزوج، سارع والداه لتلبية رغبته بتأمين منزل له، وبما أنه كان يقضي معظم وقته في الجنوب في بلدته خربة سلم، فقد قرر أن يستقر هناك، وبدأ بتهيئة منزله الخاص.. إلا أن الشوق المولع في قلبه كان أقوى من أن ينتظر أكثر من ست سنوات للقاء إبراهيم، وإذا كانت ظروف الحرب منعته من أن يحمل جثمان أخيه بين يديه، فليس هناك أي شيء يمنع لقاءهما طالما أنهما اختارا أن يلتقيا عند رحمة مليك مقتدر..
في شهر نيسان من عام 1996، قرر أحمد أن يأتي إلى بيروت ليعالج عينيه المصابتين بألم واحمرار شديدين جرّاء عمله الجهادي، وفي اليوم الثاني لوصوله بدأ العدوان الغاشم الذي سمي بعدوان "عناقيد الغضب" وما إن سمع بالاعتداءات الإسرائيلية حتى استعد للذهاب إلى الجنوب، فطلبت إليه شقيقته ألا يلغي موعده عند الطبيب لأجل عينيه، إلاّ أنه لم يسمع منها، وقام بتوديع أخوته، وعاد أدراجه إلى قريته حيث وجد أمه ووالده هناك، فودعهما وطلب إليهما النزول إلى بيروت، وبقي هو هناك حيث قام وأخوته المجاهدون بدك المستعمرات الإسرائيلية بصواريخ الكاتيوشا، وقد أخبر أحد أصدقائه أنه كان يضع الماء البارد على عصبة ليعصب بها عينيه من شدة الألم، إلاّ أن آلامهم تمنعه من السير ليلاً يحمل ورفاق دربه صواريخ الكاتيوشا ليدافعوا عن كرامة الأمة وعزتها.

وفي اليوم السابع عشر من نيسان، وبينما كان يتنقل هو وأحد الأخوة المجاهدين في سيارة، قامت إحدى الطائرات بقصفها ما أدى إلى استشهادهما على الفور..

رحل إبراهيم، وبقيت كلماته تتردد في أرجاء النفس: "أهلي الأحبة، إخواني الأعزاء ارفعوا رايات الإسلام المحمدي الأصيل وسيروا في خط أهل البيت عليه السلام، واعلموا أن الإسلام وحده درب الحق وكل أعدائه إلى زوال"... ويتابع أحمد: "أوصيكم بمتابعة خط المقاومة الإسلامية وأقوال لكم بأنه الخط الذي ارتضيناه لأنفسنا واطلب منكم التمسك بخط ولاية الفقيه والسيد الخامنئي، هذا هو خط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وخط الأئمة عليهم السلام"...

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع