مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أسرة: أنت.. مرآة طفلك


غسان عبد اللَّه


كيفما تربين طفلك وتعاملينه، تكون شخصيته، فقديماً قالوا: الآباء يزرعون والأبناء يحصدون، ولكن مع تطور علم النفس ودراسات نمو الشخصية وبالنظر إلى التحليلات التي تقوم بها مؤسسات تربوية إسلامية هادفة، أصبح المثل أصدق ما يكون لو قلنا أن الأمهات هن اللواتي يزرعن.. فانظري سيدتنا الكريمة، ماذا تزرعين؟!.

نخطئ كثيراً في فهم المشاكل النفسية التي تصيب أطفالنا ونرجعها إلى أسباب بعيدة عن حقيقتها، فهل تصدق أمٌ، أي أم، أنها السبب، بطريقة تربيتها، لحالات فقد الشخصية عند ولدها، واضطرابات النوم، ومصّ الإبهام والأصابع، وحدة الطبع والفساد والمشاكسة؟ بالطبع لا!!.. والسبب ببساطة متناهية هو أن بعض الأمهات يعتقدن أن الطفل كائن صغير ضعيف، عاجز، ليس له ما للرجل الكبير من كيان، وشخصية، وإرادة، فتفرضُ إرادتها، أي الأم، عليه، لظنها أن ما تريده هي أساسُ التنشئة والدرب السليم نحو شخصية تكون نسخة طبق الأصل عما في أعماقها من رؤى وتطلعات وبذا، فهي تحاول أن تسيره حسب رغبتها وإرادتها ولنقل: "هواها".

* بين التلبية والمنع
إن اعتقاد الأمهات بأن الطفل كائن ضعيف ولا شخصية له، هو اعتقاد خاطئ بالطبع، وهو السبب في كل ما ينتج مستقبلاً من سوء العلاقة بين الأم والطفل ما يؤدي إلى إصابة الطفل ببعض المشاكل النفسية، وما يتبعها من مشاكل التطور والنمو.
إن الطفل ذو (شخصية) متميزة، لها غرائزها وكيانها وإحساساتها ومتطلباتها، وإرادتها، وإن الطفل محق تمام الحق في بعض ما يطلب، أو يرغب فيه وأنه (لا يجب) أن ينال كل ما يريد!! وأفضل السُّبل هوالموقف المتوازن بين التلبية والمنع، ويجب أن يكون المنع مبرراً، وله أسبابه ودوافعه التي تجتهد الأم في التصرف تجاهه حسب الوضع المناب، لأن المنع الكامل سوف يخلق في النهاية نوعاً من تحفز الإرادة لدى الطفل في محاولته لتحقيق ما يريد، وهذا ما أشار إليه الحديث الشريف: "الإفراط في الملامة يشب نيران اللجاج"، ولا ننسى أن مواجهة الطفل بالمنع الدائم قد يصيبه بشتى أنواع المشاكل النفسية التي تؤدي إلى ظهور أعراضها المتعددة والمعروفة، من قيام (مشكلة): فقد الشخصية واضطرابات النوم، والتبول الليلي في الفراش، ومص الإبهام أو الأصابع، وحدة الطبع، والعناد والمشاكسة وحب إيذاء أقرانه من الأطفال الآخرين، وقد يتعدى الأمر ـ كذلك ـ إلى ما هو أبعد من هذا فيصاب بعجز النمو، فيشبُّ هزيل الجسم، ضعيف البنيان.

* بين الطفل والأم
تنشأ العلاقة بين الأم وطفلها ـ أول ما تنشأ ـ بعد ولادته مباشرة، فالوليد في شهره الأول وحتى أيامه الأولى يشعر فطرياً بمكانه عند أمه، وقربه منها أو بعده عنها، فهو يشعر بالوحدة والوحشة، إذا ما أبعد عن سرير أمه (النفساء)، كما أنه يرعف) ويميز من تعتني به وترضعه وفيما إذا كانت أمه أم غيرها من المعنيات كالممرضة أو المربية مثلاً، فيُقبل على الغذاء من أمه بغبطة أكبر وراحة أتم.
إن الطفل في أشهره الأولى، يتأثر بالبيئة والمحيط اللذين يعيش فيهما، فهما يؤثران على نموّه وتطوره تأثيراً كبيراً، ولا سيما "عمر الجلوس، والمشي، والكلام ونحو ذلك من عوامل التطور". ذلك أن التطور يعتمد بالدرجة الأولى، على نضج الجهاز العصبي عند الطفل.. وقد يتأخر ذلك التطور بسبب الحرمان العاطفي، فيتأخر في ذلك، وقد لوحظ أن الأطفال الذين يربون في المعاهد، والمؤسسات، وينشأون فيها بعيدين عن أمهاتهم، يتأخر وقت جلوسهم عن موعده المعتاد، وكذلك الوقوف والمشي فإنهما يتأخران عن وقتهما الطبيعي كذلك، وقد يصيب هذا التأخر: الذكاء والنمو الجسمي، والسلوك الاجتماعي، فتصاب كلها ببعض التأخير، وقد يكون لقلة العناية، وقلة الوقت المخصص منها لكل طفل، أثرٌ في ذلك التأخير أيضاً.

* سلوك الأم ونمو الطفل:
وما يحدث في هذه المعاهد أو المؤسسات، قد يحدث مثله في البيت أيضاً، ذلك أن بعض الأمهات لا يعطين الطفل حقه من العناية والرعاية؛ ويتركن أمره إلى المربيات والخدم فيحرم الطفل من نعمة عناية أمه به، وعدم حصوله على الرعاية والتدريب، ومساعدته على الجلوس، والمشي، والكلام وغيره.
كذلك فإن الطفل الذي لا ينال قسطاً من التدريب على ارتداء ملابسه ـ مثلاً ـ أو تناول طعامه بنفسه أو استعماله المرحاض عند إحساسه بالحاجة إلى ذلك، فإنه سوف ينشأ متأخراً في إتيان هذه الأمور وأمثالها عن بقية أقرانه.
وقد تذهب بعض الأمهات إلى ما هو أبعد من ذلك، فتعمد إلى إهمال طفلها وحرمانه من العطف، والرعاية، والحنان، بل وقد تقسو عليه وتعاقبه لأتفه الأسباب، وهذا ما يؤدي إلى تأخره عن بقية أقرانه في تطوره النفسي والسلوكي، كذلك فإن بعض الأمهات يقضين معظم أوقاتهن خارج البيت ـ في العمل أو غيره ؛ فيهملن أطفالهن، ويحرمنهم من الحنان الذي هم في أشد الحاجة إليه، فيؤدي ذلك إلى نتائج سلبية في المستقبل، كذلك فإن سوء تصرف الأم، أو الوالدين معاً، في معاملة الطفل عند أول عهده بتعلُّم الكلام، قد يسبب امتناع الطفل عن النطق، أو التقليل منه. ذلك أن بعض الأمهات يستخففن بأطفالهن فينتقدن طريقة النطق أو ربما يسخرن من كلامهم ويهزأن من طريقة نطق الطفل باللفظ ربما بقصد الحث على النطق الجيد، ناسيات وصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الطفل: "ولا يرهقه ولا يخرق به" فيصاب الأطفال بالخيبة التي تفقدهم حُسن النطق، والإجادة في الكلام مدة من الزمن، وقد يتعدى الأمر إلى أكثر من هذا، فيصاب الطفل ببعض عيوب الكلام (كالتلعثم ـ مثلاً ـ).
فقد يتلكأ الطفل عن نطق بعض الألفاظ التي يصعب عليه النطق بها، وقد يتعرض إلى سخرية أحد أفراد العائلة فيضطرب، ويفقد الثقة بنفسه، فتتمكن منه حالة كالتلعثم، وقد تلازمه حتى الكبر.

* خلاصة الأمر
يتضح مما تقدم، أهمية عناية الأم بطفلها بنفسها، وتدريبه، ومساعدته على الجلوس والمشي والكلام في سن مبكرة وتأثير ذلك على تطوره ونموه، كذلك البيئة الصالحة، والمحيط الطيب، وشعور الطفل بمحبة أمه وحنانها، وإحساسه بالاطمئنان بقربها وفي رعايتها.. فإن ذلك كلّه مما يحفّز فيه، القدرة على القيام بما يُدربُ عليه بدرجة فائقة في الإتقان والمهارة فينشأ بجسم سليم ونفسية سليمة، فيتجنب بذلك التعرض لكثير من مشاكل السلوك، والعادات غير الحميدة التي قد أعدَّت لطفلها سبل العيش الرغيد والحياة الآمنة والنشأة الصالحة.
وكما ورد في الحديث أن قلب الحدث كالأرض الخالية ما تزرع فيها تحصد.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع