مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الآداب المعنوية للصلاة: التوحيد غاية العبادة

 


يقول الإمام الخميني:
"إن عمدة المقصد والمقصود للأنبياء العظام وتشريع الشرائع وتأسيس الأحكام ونزول الكتب السماوية - وخصوصاً القرآن الشريف الجامع الذي صاحبه ومكاشفه نور الرسول الخاتم المطهر صلى الله عليه وآله وسلم - هي نشر التوحيد والمعارف الإلهة وقطع جذور الكفر والشرك" (الآداب - ص 283).


فما هو التوحيد الذي جُعل غاية بعثة الأنبياء وتشريع الشرائع؟ وما هي العلاقة بين العبادة والتوحيد؟ وكيف يمكن الوصول إليه من خلال العبادة؟
إن المعنى الشائع للتوحيد هو أنه لا يوجد في الوجود سوى إله واحد خالق لكل شي‏ء. وهذا المعنى لو تفكرنا فيه وراجعنا النصوص الإلهية الشريفة والبيانات المطهرة لأهل بيت العصمة صلى الله عليه وآله وسلم التي تدور حوله، ثم غصنا في البراهين والأدلة التي تثبته، لتبين لنا أن للتوحيد معاني عميقة ومستلزمات كثيرة لا تنحصر في إطار الاعتقاد بعدم تعدد الآلهة.

فالتوحيد يعني عدم مشاركة أي موجود لله سبحانه وتعالى في الوجود. لأن وجود الله مطلق. وعندما نقول بالشراكة فإننا نحدّه. كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "ومن عدّه فقد حدّه". أما كل موجود فإن وجوده منه سبحانه، ووجود الموجودات ليس إلا مظهرية وتجلي الوجود المطلق لله سبحانه. ولهذا جاء التعبير عن جميع الممكنات في الذكر الحكيم بالآيات. لأن الآية هي الدلالة والمظهر هو الذي يدل على الظاهر.
وحيث أن الوجود منحصر به تعالى، ويفاض منه عزَّ وجلَّ فإن مرجع جميع الكمالات إلى ذاته المقدسة. فهو ذو الجلال والإكرام. وكل كمال له بالأصالة. وإن أي مخلوق له حظ من الكمال إنما بسبب الإفاضة من جانب الحق تعالى عليه. فلا شريك له بالكمال والجمال أيضاً. ويعبّر عن التوحيد الأول بالتوحيد الذاتي، وعن هذا التوحيد بالتوحيد الصفاتي. تعالى الله عما يصفونه.

ولأن كل كمال له ومنه. فإن الفعل الذي هو تجلي الصفة وظهورها ينحصر به عزَّ وجلَّ. (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) و(الله خلقكم وما تعملون) إن كل حول وقوة منه لأن (القوة لله جميعاً) وهو سبحانه يفيض بالقوة والإرادة على خلقه. وهذا هو التوحيد الأفعالي الذي يعني انحصار الفعل به عزَّ وجلَّ. ولا بأس أن نشير إلى أن بعض القاصرين، لمّا عجزوا عن إدراك حقيقة التوحيد، نسبوا إلى الله تعالى الشرور والقبائح، لأنهم توهموا أن مثل هذه الأمور لها وجود حقيقي. والحق الثابت بالبرهان أن مرجع جميع النقائص والشرور إلى العدم. "خيرك إلينا نازل وشرنا إليك صاعد".

ويبدو أن بعض المفكرين لما رأوا صعوبة إدراك هذه القضية أغلقوا باب التفكر بالتوحيد. بل أغلقوا باب التوحيد على الناس وطلاب الحقيقة، واكتفوا بذكر التوحيد الساذج الذي لا يحصل منه التوحيد. لأن التوحيد ليس مجرد فكرة تخطر في الذهن، بل هو حقيقة سارية في الوجود بل ليس في الوجود إلا التوحيد. وما نراه نحن من كثرات من حولنا ليس إلا مظهر ذلك التوحيد الخالص: (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار).
إن هؤلاء لم يلتفتوا إلى أن حقيقة الإيمان قائمة على التوحيد. ولو ادّعى إنسان أنه مؤمن بالله وبصفاته الجلالية والجمالية، ولكنه لم يصل إلى التوحيد بمعانيه المذكورة آنفاً، فلن يكون مؤمناً بالله الحق، بل أنه ابتدع إلهاً من نفسه وادّعى عبادته.

التوحيد حقيقةٌ، إذا دخلت إلى قلب الإنسان، فإنها تجعله منقطعاً إليه، ولأنه لا مؤثر في الوجود إلا الله. ونحن الذين لم نعرف حقيقة الغاية والدور الذي يجب أن نؤديه في الحياة، نحسب أن تصرف أمريكا وإسرائيل وأمثالهما ناشئ من وجود مؤثر آخر غير الله. ولكن الله يمد لهم، وأن جميع قوى العالم لو اتحدت على أن تحرف إنساناً واحداً أراد الوصول إلى الله، لن تقدر على شي‏ء.

نعم إن الله يبتلي الإنسان بالقوى الطاغية، ويسمح بتسلط الأشرار عليه أحياناً لتربيته وإيقاظه من غفلته، ولاختبار إيمانه بالتوحيد. ولكن فيما لو قرر هذا الإنسان، وعزم على السلوك إلى الله، هل تستطيع هذه القوى مجتمعة أن تؤثر مقدار نسمة أو قيد أنملة وتمنعه من الوصول. إن أقصى ما يمكن أن يحدث - بإذن الله - هو أن يقتل هذا الإنسان العاشق للقاء الله تعالى، وهذا غاية مناه. ويوم القيامة عند ظهور الحقائق، إذ بكل ما أرادوه وفعلوه هباءً منثوراً، وسراباً يحسبه الظمآن ماء. وتظهر حقيقة لا مؤثر في الوجود إلا الله.

لقد أهبطنا الرب سبحانه إلى أرض الكثرات ليمتحن إيماننا. وبهذا الامتحان تظهر الحقيقة، أو يتحرك الإنسان نحوها، وهذه الكثرات هي الأسباب والعلل الوهمية، التي ليس لها أي تأثير سوى في أعين الواهمين المحجوبين. وعندما يدرك الإنسان هذه الحقيقة بعقله يصبح مستعداً للاستفادة منها من خلال العبادة كما يقول الإمام: "إن العبادات هي إجراء التوحيد من باطن القلب إلى ملك البدن" ويقول أيضاً "إن سر التوحيد والتجريد سار في جميع العبادات القلبية والقالبية".

إن إله العالم، الذي له ملك كل شي‏ء، وعنده كل كمال وجمال الذي يفيض على جميع مخلوقاته بأنواع الفيض الذي لا حدّ له، يدعونا إليه ويدعو كل مدبر عنه، لكي يرجع إليه، وينال عنده حظوة القرب والنعيم المقيم والسعادة المطلقة، ولكننا احتجبنا عنه بآمالنا وأهوائنا، وطلبنا الخير من غيره، ولم نؤمن أن بيده كل شي‏ء، ولهذا نحن محرومون، وعن السعادة بعيدون.
والوسيلة لكي نرجع إليه هي أن نؤمن أولاً بهذه الحقيقة. ونرى بطلان ما سواها، ونوصلها إلى القلب. ومنه تسري إلى جميع مملكة الإنسان. وتصبح الأعضاء والجوارح منقادة إليه. وهنا يأتي دور العبادة بشرط أدائها كما ينبغي من خلال رعاية آدابها المعنوية والتوجه إلى سرّها.

يقول الإمام:
"وبالجملة، النتيجة المطلوبة من العبادات هي تحصيل المعارف وتمكين التوحيد وسائر المعارف في القلب. وهذا المقصد لا يحصل إلا بأن يستوفي السالك الحظوظ القلبية للعبادات، ويعبر من الصورة والقالب إلى الحقيقة واللب، ولا يتوقف في الدنيا والقشر، فإن الوقوف في هذه الأمور أشواك طريق سلوك الإنسانية" (الآداب - 284).

إن استفادة الإنسان من فيض الله المطلق لا تحصل إلا بعد التوجه التام إليه، وهذا التوجه هو نفس المعرفة اليقينية التي تصبح معها جميع المعارف الأخرى باطلاً أو ظلاً لها (بحسبها). وما دام في الإنسان بقية ظن بمؤثرية أو كمال أي موجود غير الله أو في قباله، فلا هو وصل إلى المعرفة اليقينية، ولا هو توجه إلى الفيض المطلق لله. لهذا تأتي العبادة طريقةً لتمكين هذه المعرفة في القلب وإيصال الإنسان إلى اليقين؛ كما قال تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين).

وإذا وصل السالك إلى هذا المقام، تتجلى هذه الحقيقة في كل وجوده ويصبح منقاداً بالكلية إلى الله سبحانه، وينال مقام القرب. وإلى هذا أشارت الروايات الشريفة بأن من عرف الله تعالى حق معرفته زالت بدعائه الجبال، وأمثالها من الإشارات.

ولكن، للأسف، هناك مَنْ ينكر مثل هذه الحقائق، بل ويصد عنها، معتبراً ذلك رسالته في الحياة. ولا يرى في هذا الدين سوى الصورة والقشر. يقول الإمام:
"والذين يدعون إلى الصورة فقط، وينهون الناس عن الآداب الباطنية ويقولون إنه لا معنى للشريعة ولا حقيقة لها سوى هذه الصورة والقشر هم شياطين الطريق إلى الله، وأشواك سبيل الإنسانية ولا بد أن يستعاذ من شرهم، فإنهم يطفئون نور فطرة الله في الإنسان، الذي هو نور المعرفة والتوحيد والولاية وسائر المعارف، ويسدلون عليه حجب التقليد والجهالة والعادات والأوهام، ويمنعون عباد الله عن العكوف بجنابه والوصول إلى جماله الجميل".


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع