جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطلب منه وصية، فقال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: وهل أنت مستوصَ إن أنا أوصيتك؟ فقال الرجل: نعم. فكرر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سؤاله ثانياً وثالثاً والرجل يجيب بالإيجاب، عندها قال له صلى الله عليه وآله وسلم: إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته...".
إن أي عاقل لو رجع إلى بديهيات عقله ومسلمات فطرته لما شرع في أي أمر ولا قام بأي فعل دون التدبر في عاقبته والنظر فيما سوف يؤول إليه. وما التأكيد الشديد لهذه الوصية من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سوى إشارة إلى ذلك وإلى أهميته في تحديد العاقبة والمصير النهائي الذي ينتهي إليه الإنسان. ولكن هل استمع المسلمون إلى نداء الفطرة أو إرشاد العقل أو وصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؟
نظرة سريعة إلى حال المسلمين في موسم الحج تدعو للأسف والمرارة. الحج الذي هو من أعظم الفرائض الإلهية ومن الأركان التي قام عليها الدين، فإذا تحول إلى رحلة سياحية ويصبح هم معظم المسلمين في تهيئة مقدمات السفر ولوازمه من المأكل والمشرب والملبس وتأشيرة السفر وما إلى ذلك، وإذا ترقينا قليلاً نتوجه إلى الأحكام الفقهية الفردية للمناسك، وإلى أبعادها المعنوية في أحسن التقديرات، وفي النهاية زيارة بعض الأماكن المقدسة وشراء الحاجيات والهدايات ثم نقفل راجعين بالغنم والسلامة. فهل هذا هو الهدف الحقيقي من تشريع الحج؟
إنه لمن المؤسف جداً أن نتعاطى مع فريضة الحج كما رسمت له الدوائر الاستكبارية، وخاصة الأميركية منها، بدلاً من الرجوع إلى القرآن الكريم وأقوال قادة الدين الحنيف وعلمائه الربانيين. يقول الإمام الخميني قدس سره: "إنما أسس البيت الحرام للناس ولقيام الناس، ولذا يجب أن يكون الاجتماع فيه من أجل هذا الهدف".
وهل هذا القول بالشيء الجديد؟ ألم يكن واضحاً منذ البدء أن البعد السياسي والاجتماعي للحج ليس بأقل أهمية من بعده العبادي؟ وكيف يلتبس الأمر على من يتلو قوله تعالى: ﴿جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم﴾ (المائدة: 97).
وحقاً على ما يقول الإمام قدس سره:
"الحج الذي لا روح فيه، والخالي من التحرك والقيام، والفاقد للبراءة والوحدة، والذي لا يدعو لهدم الكفر والشرك، ليس هو بحج".
لقد أماطت هذه الشخصية العظيمة اللثام عن الأوهام التي زرعها الاستكبار في أذهان الأمة عن الحج، وأعادت إلى العقول والقلوب صورة الحج الحقيقي، حج إبراهيم الخليل عليه السلام والنبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم. يقول الإمام الخامنئي (دام ظله الشريف):
"لقد علمنا الإمام رضي الله عنه أن الحج الإبراهيمي هو نفسه الحج المحمدي الذي تحتل فيه الحركة نحو التوحيد والاتحاد مكان الروح والصدارة في كل المناسك والشعائر.
حج تتحسس فيه الشعوب المسلمة بوجود الأمة المحمدية الكبرى وبانتمائها إلى هذه الأمة، وتستشعر الشعوب روح الأخوة والتقارب بينها...".
إن التحدي الأكبر اليوم أن نسعى بكل قوة لإعادة الحياة للحج، بل لإعادة الحج الحيّ إلى واقع الحياة والأمة. فهل نكون بمستوى التحدي؟
والسلام