مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

كيف يستفيد العلماء والمفكرون من موسم الحج؟



فضيلة الشيخ محمد خاتون‏


كانت الظروف التي عاشتها دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة توحي بوصولها إلى الطريق المسدود، وكان لا بد من هذا المنطلق أن ينتقل هو ومن معه إلى مكان آخر.
وإذا كانت مكة الظالم أهلها قد وقفت سداً في وجه هذه الدعوة فإنها كانت ولا تزال ملتقى لجمع كبير من البشر لا يتوافر بغيرها من أماكن تجمع البشر في قديم التاريخ وحديثه.

وعلى هذا الأساس تمكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الاستفادة من موقعية مكة عند غير المكيين الذين كانوا يقصدونها للعبادة ودعاهم إلى الإسلام على مراحل وتمكن من خلال تلك الدعوة أن يبني ركائز دولته المباركة فيما بعد في يثرب.
وإذا قدر لغير مكة من المدينة والقرى أن تكون مجمعاً للبشر فإن ذلك يحصل لبعض الزمان ثم يطاله التغيير... وأما بالنسبة إلى مكة فإن هذا التجمع البشري لم تفرضه ضرورات بشرية وإنما فرضته إرادة الله تعالى على البشر.

وإذا أردنا أن نستعرض المشكلات التي تعترض طريق الرسالات عبر التاريخ فإننا نجد أنها ترجع إلى نقطة أساسية: عدم عيش امة لجوهر الرسالة، وبالتالي فإن الرسالة تكون في وادٍ وتكون الأمة في واد آخر.
أما لماذا لا تعيش الأمة جوهر الرسالة فهناك مجموعة من الأسباب تؤدي إلى الجهل بالحقائق. والناس أعداء ما جهلوا.

1- الأمة تعيش التشرذم على مستوى الأفكار، فهناك انغلاق فكري بين أبنائها... ففي أكثر الحالات لا يفهم طرف الطرف الآخر، ولا يحاوره ولا يكلف نفسه في بعض الحالات عناء معرفة ذلك الآخر، وإذا كان تكاثر الأفكار والآراء أمراً محموداً، فإنه يكون كذلك إذا كان ناتجاً عن علم ودراية، وأما إذا كان ناشئاً عن الجهل فإنه يكون قبيحاً.
2- الأمة تعيش التفرقة على المستوى المذهبي، وليس هذا بحد ذاته هو العيب، بل العيب أن تحكم فئة على فئة أخرى بالكفر، وهي تجهل في الحقيقة ماذا تحمل تلك الفئة من معتقدات، وإذا كان هناك اختلاف في فهم بعض النصوص يمكن أن يؤدي إلى بروز المذاهب، فإن هذا لا يجوز بحال أن يؤدي إلى اعتقاد أصحاب هذا المذهب بكفر الآخرين.
3- الأمة تعيش التشرذم على مستوى المصالح والاهتمامات، فإن مسيرة الحياة اليومية لأبناء ذلك البلد تجعلهم يعيشون همهمالخاص، ولا يعيشون الهم الذي يعيشه أبناء البلد الآخر.. ومن هذا المنطلق يمكن أن يأتي المتربصون بالمسلمين بما يقدرون عليه من مقدارت وإمكانيات ويستبيحوا جزءاً من بلاد الإسلام- كما هو الواقع- ولا يتحرك باقي "الجسد" الإسلامي لأن هذا الجسد مفكك الأوصال.

إن نظرة إلى الحج حيث يجتمع المسلمون من أقطار الأرض كافة، تجعلنا قادرين على تصور العلاج لهذه المشاكل التي تعترض مسية الإسلام، وبالتالي تجعلنا قادرين فعلاً إن أحسنا الاستفادة من ذلك على الحصول على مجتمع إسلامي بما تعنيه الكلمة.
إن هذا التجمع البشري الكبير كما قلنا لم يجتمع بأمر بشري، بل إن البشر في كثير من الحالات والأوضاع حاولوا أن يمنعوا ذلك التجمع خوفاً منه ولم يفلحوا... وإذا كان الأمر كذلك فما هي واجباتنا تجاه ذلك الجمع.

إن على الإنسان أن يبذل الجهد لإيجاد الفرصة للحديث مع أي إنسان آخر على قاعدة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: "يا علي لئن يهدِ الله بك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس" فكيف إذا تم جمع هذا العدد الذي لا يكاد يحصى من البشر...
يقول الإمام الخميني قدس سره: "على العلماء أن يشتركوا في هذا التجمع من مختلف الأصقاع ويتبادلوا الآراء ويبثوا التعية بين المسلمين المتجمعين في مهبط الوحي لتنتقل هذه التوعية بعد ذلك إلى جميع الأقطار الإسلامية".

إن هذا الكلام من الإمام المقدس قد وضع العلماء والمفكرين أمام تكليف كبير ومسؤولية عظيمة.. فإن هذا الجمع البشري يمتلك القابلية لتلقي الأفكار لأنه يعيش حالة من البعد عن مفاهيم الدنيا قد لا تتكرر مرة أخرى.. وليس بالضرورة أن يلقي ذلك العالم فكرته ليتقبلها الآخرون.. بل قد يلقي الآخرون فكرة تنفع هذا العالم أو ذاك.. فالمهم هو تبادل الآراء كا يقول الإمام قدس سره... وبالتالي نتمكن من الحؤول دون زيادة التشرذم الفكري في أوساط الأمة الإسلامية إن لم نستطع القضاء عليه من الأساس...
وإذا نظرنا إلى هذه العبادة العظيمة التي تحمل في مختلف مناسكها الكثير من معاني العبودية لله عز وجل.. والتواضع له.. والتسليم لأمره، إن هذا يجعل الناظر إلى ذلك المشهد المهيب ينظر إلى نقطة تجمع هؤلاء.. هي أنهم جميعاً موحدون لله تعالى على مستوى الاعتقاد... فهؤلاء جاؤوا لتلبية نداء واحد ولبسوا لباساً موحداً وقاموا أعمال موحدة، من رجم وسعي وطواف حول بيت واحد، فلماذا يتهم بعضهم بعضاً بالكفر، إن هذه المسألة إذا غابت عن الكثيرين فلا يجوز أن تغيب عن علماء الإسلام والمفكرين، الذين عليهم أن يبثوا مفاهيم توحيد الكلمة انطلاقاً من هذا المشهد التوحيدي الكبير.

* يقول الإمام الخميني قدس سره:
"من واجبات المسلمين في تجمع الحج العظيم دعوة الشعوب والمجتمعات الإسلامية إلى وحدة الكلمة ونبذ الخلافات بين المسلمين، وعلى أصحاب القلم والبيان أن يبذلوا ما بوسعهم على هذا الطريق".
ولئن لم يكن ممكناً الوصول إلى مذهب واحد بكل عقائده وتشريعاته فإن تسمية المذاهب المتنوعة باسم الإسلام هو أمر ممكن وضروري وقد يكون منطلقاً للوصول فيما بعد إلى رؤية توحيدية كاملة وهذا ملا لا يمكن أن يحصل بمنأى عن جهود ينبغي أن يبذلها القيمون على مختلف المذاهب الإسلامية من العلماء والمفكرين.
وإذا كان الواقع مأساوياً حيث يحاول البعض استغلال هذا الموسم لبث التفرقة المذهبية فإن أمل كبير حيث أن جزءاً من الجهود التي بذلت في المقابل أثبتت فاعليتها في تعريف البعض للبعض الآخر جزءاً مما كان مجهولاً لديه.

وإذا نظرنا من جهة ثالثة إلى اختلاف الأماكن والأقطار التي زحف منها هؤلاء الحجاج إلى بيت الله الحرام، فإن هذا يجعلنا أمام تكليف جديد.
إن استفراد هذا البلد من بلاد المسلمين أو ذاك هو أمر في متناول قوى الشر.. وذلك لأن المسلمين يعيشون القطيعة على مستوى الهم، وقد يكون ذلك ناشئاً من عدم الاطلاع على المشاكل الفعلية التي تعصف بهذا البلد الإسلامي... ولا سيما أن الناس يعيشون في بلادهم تحت رحمة إعلام مضلل، يقلب الحقائق ويصور الظالم مظلوماً وبالعكس.. فلا بد من القيام بحركة تبليغية واسعة لنشر الحقائق السياسية والاجتماعية التي يعيشها المسلمون في بلادهم ليتمكنوا من الاستعانة بغيرهم لحل هذه المشكلة، ولا سيما إذا كانت المشاكل لا تحل إلا باجتماع المسلمين.
وعلى سبيل المثال إن حركة قامت بها ثلة من العلماء وجمع من المجاهدين لتبليغ الناس بالخطر الأمريكي والإسرائيلي، كان لها صدى كبير على أكثر من صعيد، لقد أصبحت قضية فلسطين حاضرة في أذهان المسلمين في مختلف أقطار الأرض من خلال حركة متكاملة شكل الحج ركناً أساسياً فيها، يقول الإمام الخميني قدس سره:
"ينبغي أن يجتمع المفكرون والكتاب والمثقفون والعلماء والمسؤولون في موسم الحج لدراسة مشاكل الإسلام والمسلمين".
وهذا ما استطاعت التجربة أن تثبته في هذه السنوات التي تلت انتصار الثورة الإسلامية المباركة، حيث أخذ الحج عند جمع لا يستهان به من المسلمين أبعاده الحقيقية.

وأخيراً... فإن ما يزيد من مسؤولية العلماء والمفكرين وكل المعنيين بالعمل التبليغي للرسالة أن كثيراً من هؤلاء الحجاج لن يأتوا إلى الحج مرة أخرى.. وحيث لن تتكرر هذه الفرصة فإن التكليف يقع على هؤلاء القيمين. لإيصال الحقيقة إلى من يجهلها.. وجعله في موقع الحامل للمسؤولية بعد أن كان في موقع الذي يعيش همومه الذاتية، ولن تذهب هذه الجهود هدراً إذا انطلقت من منطلق الإخلاص لله تعالى وطلب العون والتوفيق منه عز وجل.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع