مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

منافع الحج في السنة الشريفة

فضيلة الشيخ مالك وهبي‏


لقد كانت الأجزاء التي يتألف منها الحج مثار تساؤلات لدى جملة من الناس الذين عاصروا الأئمة عليه السلام كما أن بعضاً من أصحابهم كانت لديهم تساؤلات حول الحج، ونظراً لتلك الأسئلة وقطعاً لوساوس الشيطان وردت الآيات تتحدث عن الحج وتبرز أهميته.

ولا شك في أن الحج عبادة من العبادات وهو مع ذلك يحتوي على حكم ومصالح جمة ربما كان لبعضها المدخل في تشريع وجوبه وبعض تفاصيل أحكامه.
ومن جهة أنه عبادة لا يحتاج المسلم إلى أكثر من العلم بأن هذا ما أمر به الله تعالى ويكتسب كل موقع صفة القربة لله تعالى أن عبّدنا سبحانه وتعالى ذلك، وقد قيل الكثير عن الجانب العبادية في أفعال الحج وفلسفاتها.

لكن مع ذلك فقد تجلت وظهرت مجموعة من المنافع والحكم والمصالح وقد بينت ذك الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام نقتصر هنا على نقل روايتين منها مع بعض التوضيح.

1- جاء في بعض الروايات أن هشام بن الحكم سأل أبا عبد الله عليه السلام عن علة وجوب الحج فقال عليه السلام:
"إن الله خلق الخلق لا لعلة إلا أنه شاء ففعل فخلقهم إلى وقت مؤجل وأمرهم ونهاهم ما يكون من أمر الطاعة والدين ومصلحتهم من أمر دنياهم فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب وليتعارفوا وليربح كل قوم من التجارات من بلد إلى بلد ولينتفع بذلك المكاري والجمال ولتعرف آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعرف أخباره ويذكر ولا ينسى ولو كان كل قوم إنما يتكلمون عن بلادهم وما فيها هلكوا وخربت البلاد وسقط الجلب والأرباح وعميت الأخبار ولم يقفوا على ذلك فذلك علة الحج".

2- وفي حديث آخر رواه الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: إنما أمروا بالحج لعلة الوفادة إلى الله عز وجل وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترف العبد تائباً مما مضى مستأنفاً لما يستقبل مع ما فيه من إخراج الأموال وتعب الأبدان والاشتغال عن الأهل والولد وحظر النفس عن اللذات شاخصاً في الحر والبرد تائباً على ذلك مع الخضوع والاستكانة والتذلل مع ما في ذلك لجميع الخلق من منافع لجميع من في شرق الأرض وغربها ومن في البر والبحر ممن يحج وممن لم يحج من بين تاجر وجالب وبائع ومشتر وكاسب ومسكين ومكار وفقير وقضاء حوائج أهل الأطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيه مع ما فيه من التفقه ونقل أخبار الأئمة عليه السلام إلى كل صقع وناحية كما قال الله عز وجل: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون).

وهاتان الروايتان قد أشارتا إلى جملة من الفوائد المهمة التي يحسن على المسلمين الالتفات إليها ويمكن بيان هذه الفوائد ضمن العناوين التالية:
1- التعارف واطلاع الشعوب على أخبارها:
وهذه الفائدة تحمل في طياتها بعدين، اجتماعي يؤكد على جانب التواصل بين المسلمين مهما تباعدت فيه المسافات ويؤكد على حقيقة أن المسلمين أمة واحدة، وأن الإسلام قد لاحظ في تشريعاته ما يوجب تأكيد هذه الوحدة عبر تشريع الحج وجعله موسماً زمنياً محدداً لتحقق فيه هذا الاجتماع وبالتالي التعارف، وكان من الممكن جعل موسم الحج ممتداً على مدار السنة لكن بالتأكيد كانت ستختفي هذه الفائدة بالنسبة التي تتحقق فيها فيما إذا حدد زمن مشخص للحج كما هو حاصل في التشريع الفعلي.
لكن هذا التعرف والتواصل لم يكن بغض اجتماعي محض أو بغرض علمي ومعرفي فقط بل من أجل أن يواكب المسلمون مجتمعاتهم فيتبادلون فيما بينهم أحاديثهم ويتعرفون إلى أخبارهم كمقدمة للقيام بما هو واجب المسلمين فيما بينهم من نصرة بعضهم بعضاً ومن وضع إمكاناتهم بيد بعضهم البعض، وهذا جانب سياسي مهم من جوانب تشريع الحج.
ولذا قيل أن الحج يمثل. بشكل عفوي في انطلاقة الناس ومدروس من قبل رب الناس. مؤتمراً عالمياً من المهم جداً الاستفادة منه ومن أجوائه حيث التذلل لله رب العالمين والبعد عن الدنيا والقرب من مراتب التقوى التي تهي‏ء الإنسان للموافقة على قرارات ربما لا يقبل بها لو كان غارقاً في دنياه، ولا بد أن تتحقق هذه الاستفادة يوماً إن ساء الله تعالى.

2- النشاط الاقتصادي والتبادل التجاري:
فإن مكة والمدينة تمثلان في موسم الحج أهم فرصة اقتصادية والتبادل التجاري، كما أنه يشكل عرض عمل لكثير من العاطلين عن العمل وفرصة لتكسب أصحاب وسائل النقل والتجار والبائعين الصغار والكبار كما يستفيد المشتري لأنه قد يجد في مراكز تجمع المسلمين الآتين من كل حدب وصوب ما لا يجده في بلاده، وإذاً كانت الدول تتجه الآن لإعلان شهر التسوق فإن موسم الحج يمثل أيضاً شهر تسوق يؤثر في اقتصاد بلاد المسلمين الذين حجوا والذين لم يحجوا ويحرك اقتصاد العالم الإسلامي لا خصوص البلد الذي أقيم فيه شهر التسوق.
وهذه الحكمة إذا نظرنا إليها من زاوية اجتماعية اقتصادية للمسنا مدى أهميته مدى أهميتها، لكن هذا لا يعني ترجيح هذا الجانب على عمل الحاج بل يعني أن الإنسان وهو في عين توجهه إلى الباري جل وعلا في ممارساته العبادية تأتي هذه الفائدة بشكل عفوي من الناس لكنه مدروس من قبل إله الناس.
ومن غير الصحيح أبداً أن نفترض أن هذا الجانب ينافي عبادية الحج بعدما ظهر من الروايات المنبهة على هذه الفائدة الاجتماعية العامة.

3- الحالات الأخلاقية التي قد يدركها الحاج والمعتمر بما لا يقدر عليه في غير هذا الموسم، فهو يخلع ثياب دنياه ويعيش بلباس بسيط بعيد عن كل أنواع التكبر والغرور ويلاقي من صعوبة العيش وعناء السفر وتعب الأعمال ما هو كفيل بزرع روح الخضوع والخشوع لرب العالمين والتواضع لإخوانه المسلمين فيزرع الألفة بينهم ويبث روح التعاون ويدرك حقيقة أن لا فضل لعربي على أعجمي ولا لغني على فقير إلاّ بالتقوى.

4- نشر الدعوة الحقة بين الناس وإرشاد الجهال وإبلاغ أخبار أهل البيت عليهم السلام وإذا التفتنا إلى أن الموسم كان نافذة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للنفوذ برسالته إلى العالم التي تمكن من خلالها من نشر الدعوة وتأسيس الدولة الإسلامية ندرك كيف يمكن أن يكون موسم الحج أيضاً نافذة لنشر فكر أهل البيت عليه السلام وعقيدتهم وأخلاقهم، وخاصة منطلق الظهور العالم للحجة صاحب العصر والزمان سيكون أيضاً موسم الحج أو آخر.
نسأله تعالى أن يجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه.

وأرى من المهم أن نشير إلى أن الحج شكل الرابط بين الدعوة الإبراهيمية والدعوة المحمدية، لا نجده في الديانة المسيحية ولا اليهودية، والله العالم بحقائق الأمور.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع