مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

نظرة عامّة على "نهج البلاغة"

 


* معرفة "نهج البلاغة":
يضمّ كتاب "نهج البلاغة" القيّم والفريد مجموعة من خطب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وكلماته النيّرة التي دوّنها وأعدّها بطريقة فنيّة رائعة العلاّمة الشريف الرضي (رضوان اله تعالى عليه) في ثلاثة أبواب على النحو الآتي:
الباب الأول: يضمّ بعض الخطب التي ألقاها الإمام عليه السلام ، وهي في "نهج البلاغة" 239 خطبة.
الباب الثاني: الرسائل التي بعثها الإمام عليه السلام إلى الأصدقاء والأعداء والقادة العسكريين والولاة وسائر مسؤولي الدولة، وتسمّى الكُتب أيضاً، ومجموعها في هذا الكتاب 79 رسالة.
الباب الثالث: ويحوي الكلمات القصار أو العبارات الرائعة المليئة بالحِكَم والتي اشتهرت باسم "قصار الحكم" أيضاً، وهي (480) كلمة.
وهو قد ألقى معظم هذه الخطب والكلمات القصار (أي الحِكَم) وما بعث به من الرسائل إبّان فترة توليها الحكم والخلافة، وهي تتعلّق بالشؤون السياسية والاجتماعية والعسكرية المهمّة للدولة الإسلامية، لذا فإنّ البحث فيها ودراستها يؤديان دوراً حسّاساً في تقرير مصير المجتمعات الإسلامية.

في الأزمنة الغابرة كانوا يسمّون الأحاديث القيّمة والرائعة التي تلقى على الناس بـ"الخُطب" وكانوا المتحدّث المقتدر "خطيباً" فقد كانت الخطبة لوناً من ألوان الفن والقدرة العقلية والعملية والسياسية التي يتمتّع بها الخطيب. وفي كتاب "نهج البلاغة" وردت الخطب تحت عنوان (باب الخطب) أو (باب المختار من خطب أمير المؤمنين عليه السلام) ويمكننا أن نحصر فترة إلقاء خطب الإمام عليه السلام بالمراحل الآتية:
أ‌- الفترة التي سبقت خلافته وتوليه الحكم.
ب‌- فترة معركة الخلافة.
ج- خلال فترة حكمه التي دامت خمسة أعوام.
إنّ حِكَم الإمام يعود إيرادها إلى هذه المراحل الثلاث أيضاً، أما الرسائل الواردة في "نهج البلاغة" فهي تختصّ بفترة حُكْم الإمام عليه السلام التي دامت حوالي خمسة أعوام، وهي تحتوي على أساليب الحكم والإدارة في الإسلام.

* اسم "نهج البلاغة" الجميل:
لا شكّ في أنّ مواضيع "نهج البلاغة" القيّمة والثمينة يستحيل حصرها بعصر معين وزمن خاص ولا يمكن وضعها في إطار بعض العناوين والفهارس المعروفة، لأنّ خطب الإمام عليه السلام ورسائله وكثيراً من كلماته الحكيمة ألقيت في فترة حُكم هذا الرجل التاريخي العظيم، وأثناء تجسّد المجمتع الإسلامي عملياً، لذا فما دام الإنسان باقياً وما دامت الحياة الاجتماعية قائمة، فإنّ "نهج البلاغة" سيبقى حياً وخالداً، وسيظلّ يقدم الحلول الأساس النيّرة لينقذ البشرية من كلّ أشكال الضلال والضياع، ومع أنّ الشريف الرضي (رحمة الله عليه) أسمى مجموع الخطب والرسائل والكلمات الحكيمة القصار للإمام باسم "نهج البلاغة" فإنّ استعراضاً قصيراً للمعارف السامية الكامنة فيه يدلنا على أنّ هذا المصنّف يمكن وصفه بأسماء قيّمة أخرى أيضاً نهج السعادة، نهج الفصاحة، نهج السياسة، نهج الحياة، نهج الحكومة، نهج الفلاح، نهج السلامة.
لقد نظر مؤلّف "نهج البلاغة" الشريف الرضي إلى أحاديث الإمام من ناحية الفن البلاغي، وانطلاقاً من هذه النظرة انبرى لجمع كلمات الإمام النيرة، وبإمكان سائر الباحثين ملاحظة جوانبها الأخرى والتعرّف إلى الأبعاد القيّمة لأحاديث الإمام (عليه السلام) واستخراجها، لكي يلبوا بذلك كلّ حاجات المجتمع العلمية والفكرية والسياسية والعقائدية.

وقد ذكر الإمام علي عليه السلام ، انطلاقاً من الحاجات الرئيسة للمجتمع الإسلامي، وحاجات الناس الماديّة والمعنوية، حقائق كثيرة لا ترتبط بعصر معين وزمن خاص، ولا تختص بجيل دون غيره، ولا بمجتمع معيّن، بل هي قابلة أن تنتفع بها دوماً المجتمعات البشرية، فالباحثون والمحقّقون المواظبون على السعي قادرون في كلّ عصر وزمان على العوم والغوص بكلّ الوسائل والأدوات اللازمة في معارف نهج البلاغة وعلومه، ليلبوا بذلك حاجات المتعطشين إلى الحقيقة من بني البشر، وقد شهدنا طوال القرون الأربعة عشر الماضية كيف استفاد كلّ العلماء والباحثين بمختلف قابلياتهم واختصاصاتهم من الاستضاءة بالأحاديث النيّرة للإمام علي عليه السلام.

* روائع "نهج البلاغة":
إنّ أحاديث "نهج البلاغة" صادرة من إمام معصوم قال: "...وإنّا لأمراء الكلام، وفينا تنشّبت عُروقه، وعلينا تهدّلت غصونه".
ويقول الشريف الرضي، وهو من علماء القرن الهجري الرابع وأدبائه وفقهائه، وهو جامع أقوال في كتاب "نهج البلاغة"".
".. علماً بأنّ ذلك يتضمّن من عجائب البلاغة وغرائب الفصاحة، وجواهر العربية، وثواقب الكلم الدينية والدنيوية، ما لا يوجد مجتمعاً في كلام، ولا مجموع الأطراف في كتاب، إذ كان أمير المؤمنين عليه السلام مشرع الفصاحة ومَورِدها، ومنشأ البلاغة ومولدها، ومنه عليها لسلام ظهر مكنونها، وعنه أُخِذت قوانينها، وعلى أمثلته حذا كلّ قائل خطيب، وبكلامه استعان كلّ واعظٍ بليغ، ومع ذلك فقد سبَقَ وقصروا، وتقدّم وتأخروا".
ومما قاله العالم المسيحي الأستاذ أمين نخلة: إن من شاء أن يعالج أمراضه النفسية فليطلع على ما قاله الإمام علي عليه السلام في "نهج البلاغة" ليتعلّم تحت أنوار هذا الكتاب القيم كيفي يحيا.

وكان أحدهم قد طلب منه أن يختار له من "نهج البلاغة" مئة كلمة من خير ما فيه، فردّ عليه قائلاً ما خلاصته: إنّ ما في "نهج البلاغة" من عظمة الأفكار وسمو الآراء ما يحار معه المرء فيما يأخذ وما يترك، وأنا الذي أعجز حتّى عن تفضيل كلمة واحدة على أخرى..
كما أنّ أحد علماء المسلمين، الأستاذ حسين نائل المرصفي، أستاذ البلاغة في كلية دار العلوم بمصر، والأستاذ في الأزهر الشريف، يقول عن "نهج البلاغة" ما خلاصته: "نهج البلاغة" كتاب جعله الله تعالى دليلاً ناصعاً على أنّ الإمام علياً عليه السلام خير شاهدٍ حي على أنّه النور القرآني الهادي وحكمته وهدايته وإعجازه وفصاحته المتجلّية في هذا الكتاب السماوي.

إنّ ما في هذا الكتاب من دلائل الحكمة القيّمة، والقوانين السياسية السليمة، والنصائح الواضحة الهادية، والبراهين الناطقة المكينة للإمام علي عليه السلام لهو الدليل القاطع على سمو الفضيلة العصية على التصوّر، والتي تمتع بها خير إمام بحق، مما لم يستطع أن يأتي بنظيره أي من الحكماء العظام والفلاسفة الكبار على مدى الدهر.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع