أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

حصول وتحصيل المحبة

عباس نور الدين



إذا كانت محبة أهل البيت عليهم السلام هي الوسيلة إلى الله، وإذا كان المرء يشعر بنقصان المحبة في قلبه، فما هو العمل؟ وهل يمكن أن تُصنع المحبة في القلب؟ فها هنا عدّة مسائل يجب الالتفات إليها. أولها: كيف يتعرّف الإنسان إلى درجة المحبة في قلبه؟ وثانيها: هل المحبة أمر اختياري؟ ثمّ المسألة الثالثة حول كيفية تحصيل المحبّة وزيادة درجاتها.

* علائم المحبّة:

إنّ من يدرك شيئاً من عظمة المحبة لأهل البيت عليه السلام، ومن يتعرف بالإجمال إلى قدرها عند الله يتمناها لنفسه وقد يدّعيها. وإنّ تكرار الإدّعاء قد يؤدّي إلى خداع النفس، خصوصاً إذا كان مصاحباً بظواهر وأعمال شريفة. فتلاوة أو إنشاد الشعر في مدح أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام) أو البكاء على مصابهم أو اللطم على الصدور في أحزانهم، كلّ هذه، وإن كانت بحدّ ذاتها من الأعمال الشريفة والمقدّسة، إلاّ أنّها ليست علائم، يمكن بالاعتماد عليها أن نتأكّد من وجود المحبّة المطلوبة في قلوبنا. وينبغي الالتفات إلى هذه المسألة وهي أن تحديد وجود المحبّة أمر ذاتي مختص بكلّ إنسان. ولا يمكن القيام به بالنسبة للحكم على الآخرين. إنّ غاية ما أمرنا به الشرع الأنور في تقويم الآخرين بعد حسن الظن بهم هو الاعتماد على ميزان التقوى وملازمة أحكام الشريعة، فالمؤمن يُعرف من خلال التزامه بحدود الله سبحانه. ولكن عند تقويم الذات يوجد ميزان أرفع وأعمق وهو القلب. فإذا كنّا نبحث عن مقامنا الحقيقي في درجات الإيمان والقرب ينبغي أن ننظر إلى قلوبنا، كما في حديث الإمام الباقر (عليه السلام) في جوابه لسائل سأله عن إيمانه، فقال: "إذا أردت أن تعلم أنّ فيك خيراً فانظر إلى قلبك...".

ولأنّ أهل البيت عليه السلام أدرى بما فيه وهو أعلم بما في نفوسنا فقد حدّدوا لنا مجموعة من العلامات التي يمكننا من خلالها أن نتعرف إلى مقدار المحبّة في قلوبنا. فما روى الصدوق (قدس سره) في كتاب الخصال عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال:
"من رزقه الله حبّ الأئمة من أهل بيتي فقد أصاب خير الدنيا والآخرة. فلا يشكنّ أحد أنّه في الجنة. فإن في حب أهل بيتي عشرين خصلة. عشر منها في الدنيا، وعشر في الآخرة.
أما في الدنيا فالزهد، والحرص على العمل، والورع في الدين، والرغبة في العبادة والتوبة قبل الموت، والنشاط في قيام الليل، واليأس مما في أيدي الناس، والحفظ لأمر الله ونهيه عزّ وجلّ والتاسعة بغض الدنيا، والعاشرة السخاء.
أمّا في الآخرة: فلا ينشر له ديوان، ولا ينصبّ له ميزان ويُعطى كتابه بيمينه، ويكتب له براءة من النار، ويبيّض وجهه ويكسى من حلل الجنة، ويشفع في مئة من أهل بيته، وينظر اله عزّ وجل إليه بالرحمة، ويتوج من تيجان الجنّة والعاشرة يدخل الجنّة بغير حساب... فطوبى لمحبّي أهل بيتي".
ومن العلائم والآثار التي يُعرف بها الحب في القلب، ولعلّها من أوثق العلامات وأقواها ما ورد في كتاب بشارة المصطفى عن الحسن بن معمر عن علي (عليه السلام) أنّه قال في خبر شريف:"يا حسن من سرّه أن يعلم أمحبّ أم مبغض، فليمتحن قلبه، فإن كان يحبّ ولياً لنا فليس بمبغض، وإن كان يبغض ولياً لنا فليس بمحب لنا".

* فمن هو هذا الولي في عصرنا الحالي؟
لا يشكّ عاقل ذو دين أنّ أفضل من يمثّل هذه الولاية بعد الإمام الخميني قدس سره هو نائب الإمام المعصوم (عليه السلام) ووليّ أمر المسلمين القائد الخامنئي (روحي فداه)، وفي لبنان ممثله القائد السيد حسن نصر الله، ومن بعده القادة والمجاهدون. فإذا أراد أحدنا أن يعلم مقدار حبّه لأهل البيت عليه السلام فليبدأ من المجاهدين ليرى مدى حبّه لهم. وليحذر من تسويلات إبليس (لعنه الله) الذي يصور له سيئاتهم ونقصانهم ليحجبه بذلك عن محبتهم.

وفي الكتاب المذكور أيضاً عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنّه قال: "لن تنالوا ولايتنا إلاّ بالورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الجوار وحسن الخلق والوفاء بالعهد وصلة الرحم وأعينونا بطول السجود، ولو أنّ قاتل علي عليه السلام أئتمنني على أمانة لأديتها إليه".
وفي كتاب العلل بإسناده إلى الحكم بن أبي ليلى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يؤمن عبد حتّى أكون أحب إليه من نفسه، وتكون عترتي أحب إليه من عترته، ويكون أهلي أحب إليه من أهله، وتكون ذاتي أحبّ إليه من ذاته".
وعن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿ مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيل فيحب بهذا ويبغض بهذا. فأما محبنا فيخلص الحب لنا كما يخلص الذهب بالنار لا كدر فيه. من أراد أن يعلم حبنا فليمتحن قلبه في أن شاركه في حبنا حب عدونا، فليس منا ولسنا منه والله عدوهم وجبرائيل وميكائيل والله عدو للكافرين".

وقد ابتدأ عليه السلام قوله بآية شريفة ويقصد به أنّ الله لم يجعل لرجل من قلبين في جوفه حتّى يمكن أن نفرض اجتماع حبّ أهل البيت وبغضهم في قلبه. وإنما يكون حبّهم بغضاً لعدوهم – والله العالم.
ومن روائع ما ورد في آثار المحبة – وهي سمة من سمات المؤمنين في أيامنا هذه – ما ذكر في الاختصاص وكتاب بصائر الدرجات بإسناده عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: بينا أمير المؤمنين (عليه السلام) جالس في المسجد وأصحابه حاوله فأتاه رجل من شعيته، فقال: يا أمير المؤمنين إنّ الله يعلم أنّي أدينه بحبك في السر كما أدينه بحبك في العلانية، وأتولاك في السر كما أتولاك في العلانية. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما فاتخذ للفقر جلباباً [أو الفقر جلباباً] فإنّ الفقر أسرع إلى شيعتنا من السيل إلى قرار الوادي، فولى الرجل وهو يبكي فرحاً لقول أمير المؤمنين عليه السلام".

وما أعظمها من بشارة وما أكبره من تأييد من أمير المؤمنين عليه السلام حيث قبل محبة هذا الرجل فأبكاه فرحاً رغم تبشيره بالفقر. فالرجل لم يعبأ بما سيلاقي من هموم الدنيا طالما أنّ حب (علي) مستقر في قلبه وهو الجنة الكبرى والحياة الطيبة والحسنة التي لا تضر معها سيئة. أذكر في أحد الأيام أنني لقيت خالتي وكانت تشكو من فقر ألمّ بها وأولادها فحدثتها عن أهل بيت النوبة (صلوات الله عليهم أجمعين) حتّى سالت دموعها على خديها. وعندها قلتُ لها: يا خالتي هل تبيعين حبك لأهل البيت بالملايين؟ فقالت: لا والله ولو ملكت الدنيا وما فيها! فهذا هو الغنى الأكبر.
ومن العلائم أيضاً ما جاء في وصايا أبي جعفر الباقر (عليه السلام) لجابر الجعفي وهي وصية جامعة نافعة، قال: "واعلم بأنّك لا تكون لنا ولياً حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك، وقالوا أنّك رجل سوء لم يحزنك ذلك ولو قالوا أنّك رجل صالح لم يسرك ذلك. ولكن اعرض نفسك على ما في كتاب الله فإن كنت سالكاً سبيله، زاهداً في تزهيده، راغباً في ترغيبه، خائفاً من تخويفه، فاثبت وأبشر...".
ومن العلامات أيضاً ما ذكر حول حبّ السادة العلويين من ذرية الأئمة عليهم السلام.
فهذه كلها علائم وآثار المحبة الحقيقية لأهل بيت النبوة، من أراد أن يختبر قلبه فلينظر إليها، فإنّها أوضح بياناً.

* هل المحبة أمر اختياري؟
والآن، إذا علم المرء من نفسه ضعف المحبة – لا سمح الله – هل يمكنه أن يغير ما في قلبه بحيث تزداد درجات المحبة وتقوى؟!
بعض الناس يظنون أنّ الحبّ أمر خارج عن إرادة الإنسان وليس بيده. وهؤلاء، حيث أنّهم لم يقدروا على الإحاطة بأسباب الحب: لكثرتها وعمقها وتشعبها وقعوا في هذا الاشتباه. ففي كثير من الأحيان لا يعرف المرء لماذا يحب إنساناً آخر، وهو لا يعلم سوى أنّ قلبه تعلّق به عندما عرفه. ونحن قد علمنا من حقيقة الحب أنّه انجذاب وتعلّق بكمال أنفسنا، أي الكمال الذي نراه لها. وفي معظم الحالات لا يمتلك المرء مشخصات واضحة ومعلومة عنده عن هذا الكمال المطلوب... وبتعبير آخر، إنّ الكمال الحقيقي الذي تطلبه النفس وهو الكمال المطلق اللامتناهي الذي فطر الله الخلائق عليه لا يكون مُدرَكاً عند أكثر الناس... فيتوهمون، على أثر عوامل تربوية غير صحيحة، هذا الكمال في كمالات محدودة. أي أنّهم يحدون من هذا الكمال. ومن جانب آخر تلعب تلك العوامل التربوية التي تضافرت على مر السنين دوراً أساسياً في صياغة كمال موهوم دون التعبير عنه بدقّة في أغلب الأحيان. فلنفرض مثلاً أنّ الكمال الذي يراه الإنسان المنحرف عن جادة الإنسانية يقوم على ألف ميزة وخاصيّة. فإنّه إذا تعرّف إلى من يتمتع ببعض هذه الخصائص والمزايا يحبّه ويتعلّق به. وكلّما وجد من يمتلك مزايا أكثر من هذه الألف يحبّه أكثر.
فالعوامل التربوية والأجواء المحيطة والأعمال التي يقوم بها كلّ فرد منذ طفولته هي التي تؤثّر في صنعة مثال الكمال الذي يريده. وما على الباحث عن الحب الحقيقي، أي عن الكمال الحقيقي، إلاّ أن يرجع إلى هذه العوامل فيصحّحها بسلوكه وعمله.
إن ّ الوصول إلى الحبّ الخالص لأهل البيت عليه السلام أمر اختياري – بإذن الله – وإلاّ لما كنا نجد مئات الروايات الداعمة للآيات في الحثّ عليه ومدحه وتعظيمه.

* حصول الحب:
قد ذكر البعض في حديثه عن محبة أهل البيت عليه السلام أنّ هذه المحبة قسمان موهوبي وكسبي، ولكن الأصح أنّ كلّ الحب هبة من الله تعالى ورحمة واسعة ولكن الوصول إلى هذه الهبة الكبرى يتطلب سعياً واستعداداً حتّى ولو كان السعي غير عرفي كإطعام كلب جائع أو النظر إلى مؤمن نظرة تسرّه أو غيرها من الأمور التي لا يعدّها البعض سعياً بالمعنى المتعارف. وأمّا ما ذُكِرَ بأنّ البعض ينال هذه المحبة بدعاء الآباء أو الأجداد أو بالمنام وما شابه. فهذا وإن كان صحيحاً لا نشكّ به إطلاقاً، إلاّ أنّه يكون أثراً لعمل ما قام به صاحبه! فإن قيل: وكيف يكون أثر العمل قبل صدور العمل!؟ نقول: إنّ الله بعلمه السابق على الزمان (بل المهيمن على الأزمان) يعلم من عبده صدور العمل قبل صدوره منه (بالنسبة للإنسان وإلاّ فلا زمان عند الله تعالى) فيجعل أثره. توفيق جده قبل ولادته لأن يدعو الله دعاءً مستجاباً. وقد ثبت في الحكمة أن فيض الله المطلق محيط بكلّ عوالم الوجود، بل هي مظهر فيضه سبحانه، وأنّ الإنسان ينال من هذا الفيض بحسب استعداده. واستعداد كلّ إنسان يكون بحسب سعيه وإلاّ لزم من غير ذلك نقض العدل الإلهي تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

ومن هنان فإن جميع الكمالات مواهب إلهية وهي محض التفضل والمنة من الله عزّ سلطانه. والحب أعظم المواهب الربانية، كما ورد في باب وصايا الصادق عليه السلام لأبي جعفر مؤمن الطاق:"يا بن النعمان أنّ حبّنا أهل البيت نزل من السماء من خزائن الذهب والفضّة، ولا يغبطه إلاّ خبر الخلق، وأنّ له غمامة كغمامة القطر. فإذا أراد الله أن يخصّ به من أحبّ من خلقه أذِنَ لتلك الغمامة فتهطلت كما تهطلت السحاب فتصيب الجنين في بطن أمه".

* وكيف يكون هذا الإذن الإلهي؟
قد يكون بدعاء الأجداد والآباء، كما نقل عن والد المجلسي أنّه قال بعد الفراغ من التهجد: عرضت لي حالة عرفت أنّي لا اسأل من الله شيئاً إلاّ استجاب لي، وإذا بصوت محمد باقر في المهد، فقلت من غير مهلة: "إلهي بحق محمد وآل محمد اجعل هذا الطفل مروّج دينك وناشر أحكام سيد رسلك ووفقه بتوفقاتك التي لا نهاية لها"... وقد بلغ (قدس سره) مرتبة له سمي مذهب الشيعة بمذهب المجلسي لكان في محله...
وقد يكون بدعاء النبي إبراهيم عليه السلام كما في قوله تعالى حاكياً عند دعائه الشريف: (واجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم).

وقد يكون بما يلقي دفعة من القلوب بمشاهدتهم في اليقظة، كما روي عن المشايخ العظام: كان لرجلٍ من محبي أهل علي (عليه السلام) ابن أخ يبغض الإمام. وكان العم يطلب من أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يجعل ابن أخيه يحبه، ومضى كذلك إلى أن اتفق أنّ العم كان واقفاً مع أمير المؤمنين عليه السلام ومرّ عليهم ابن أخيه وصحبه. ولمّا اجتازوا ولم يسلموا على علي (عليه السلام) انفعل العم من ذلك، فنظر علي عليه السلام إلى ابن أخيه. وفجأة رجع ذلك الرجل وأكبّ على قدمي أمير المؤمنين عليه السلام وقال: كنت أبغض الناس عندي، والآن أنت من أحب الناس لدي".
أو كما حدث لزهير بن القين مع الحسين عليه السلام، فقد كان زهير بن القين يقول: لم يكن شيء أبغض إلينا أن ننازله في منزل لم نجد بداً من أن ننازله فيه. فينا نحن جلوس إذ أقبل رسول الحسين عليه السلام بعثني إليك لتأتيه فطرح كل إنسان منا ما في يده حتّى كأنّنا على رؤوسنا الطير..".

وقد يحدث في عالم المنام من مشاهدتهم عليهم السلام كما يروى عن العلامة السيد عبد الله شبر (قدس سره) أنّه قال: "إنّ كثرة مؤلفاتي من توجه الإمام الهمام موسى بن جعفر (عليه السلام) فقد رأيته في المنام فأعطاني قلماً، وقال: اكتب. فمن ذلك الوقت وفقت لذلك. فكل ما برز مني فمن بركة هذا القلم..."
وأذكر عندما كنت في مدينة قم المقدسة أثناء تحصيلي العلوم الدينية أنّني شاهدت في حافلة تقلّ ركاباً ولداً لا يتجاوز عمره السنوات الأربع يترنم بأبيات شعرية، ونظراً لأنّني لم أكن قد تعلمت الفارسية حينها سألت صديقي الإيراني عن أنشودته فضحك قائلاً: أنّه يقول:

وأنا رضعته من ثدي أمي

حبك يا علي امتزج بلحمي ودمي


وقد يلقى حبهم في القلوب بمجرد ذكر أسمائهم كما في حديث ذكر إسلام سلمان الفارسي (رضوان الله عليه). ونحن نقول: "فما أحلى أسماءكم" (الزيارة الجامعة).

* تحصيل المحبة:
بعد أن علمنا حبّ أهل البيت عليه السلام فيض إلهي وهبة رحمانية كبرى يمكن نيلها من خلال السعي والاكتساب نسأل عن كيفية هذا السعي. فطريق تحصيله ينقسم إلى شقين: معرفي وعملي.
أمّا الأوّل فيكون من خلال معرفتهم والتعرف إلى علومهم وآثارهم. ونحن – من البداية – ينبغي أن نعترف بالعجز عن معرفة حقيقتهم والإحاطة بصفاتهم. فلعل هذا العجز يكون طريقاً إلى المعرفة المطلوبة كما نقول في الدعاء: "سبحان من لم يجل طريقاً إلى معرفته إلاّ بالعجز عن معرفته...". وقد ورد في الأحاديث الكثيرة ما يشير إلى هذا المعنى من صفاتهم الإطلاقية وكمالاتهم اللامتناهية التي لا يبلغها إنس ولا جان. ومن أراد الدخول في هذا البحث بطريقة استدلالية حكمية فليرجع إلى تعليقة الإمام الخميني قدس سره على الفوائد الرضوية. فالتأمل في ما أعطاهم الله من الصفات الجميلة التي تهوى إليها النفوس من العلم والحلم والتقوى والكرم والزهد والعبادة والشجاعة والرأفة والقدرة، فإنّ الفطرة البشرية مجبولة بحب كلّ شيء فيه جهة حسن أو صفة كمال.

أما هم عليهم السلام فهم أصل كل نعمة وسبب كلّ إحسان. وفيما روى الكراكجي في كنز الفوائد عن الصادق (عليه السلام) أنّ أبا حنيفة أكل معه عليه السلام، فلما رفع الإمام يده عن أكله قال: الحمد لله رب العالمين، اللهم إنّ هذا منك ومن رسولك. فقال أبو حنيفة: يا أبا عبد الله أجعلت مع الله شريكاً. فقال عليه السلام: "ويلك إنّ الله تعالى يقول:  ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ وقال أيضاً: (ولو أنّهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله). فقال أبو حنيفة فكأنّي قرأتهما من كتاب الله ولا سمعتها إلاّ هذا الوقت. فقال الإمام عليه السلام: بلى قد قرأتها وسمعتها، ولكن الله تعالى أنزل فيك وفي أشباهك  ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا  وقال   ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ .. ثم إنّك لا تفقد في كل آن نعمة سابقة ببركتهم ودعائهم إليك أو بلية أرضية أو سماوية إلاّ بتوجههم إليك. فإن أدمنت تذكر ورودت تلك النعم فيك تجد عياناً أنّهم أحب من نفسك إليك.

ومها أيضاً معرفة أحاديثهم والتدبر في علومهم وقراءة رواياتهم. وقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال لأصحابه: "علموا الناس محاسن كلامنا فإنّهم لو عرفوها تبعونا".
وخلاصة الأمر الأول أنّ معرفة أهل بيت الوحي عليه السلام من خلال مقامهم عند الله ومسيرتهم وآثارهم وعلومهم، إنّ هذه المعرفة تمثّل أهم سعي لبلوغ الحب المطلوب وتجلي آثاره الكبرى في النفس.
وأما الثاني فيكون بالعمل باتباع أوامرهم والعمل بما يحبونه والتأسي بسنتهم والتشبه بهم في حركاتهم وسكناتهم والانتهاء عما نهوا عنه. قال الله تعالى:  ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
إنّ الحب الصادق الحقيقي لا يُنال إلاّ بالورع ولا يستقر إلاّ به ولا يستمرّ إلاّ معه. وصحيح أنّ الحبّ يغلب كلّ شيء من السيئات. ولكن من يضمن بقاء الحب في نفسه فليفعل ما يشاء. فإنّ ارتكاب السيئات يؤدي بالنتيجة إلى ضعف الحب وزواله. وعندئذٍ يخسر الإنسان ما كان يراه سبب نجاته.
وفيما ورد في المعاني عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال:
 

هذا لعمري في الفعال بديع

تعصي الإله وأنت تظهر حبه

إنّ المحب لمن يحب مطيع

لو كان حبك صادقاً لأطعته

 

ولعلّ أعظم الطاعات وأفضل القربات وأعلى الفرائض التي يمكن أن نبلغ بها مقام الحب التام لأهل البيت هي طاعة وليهم (عليهم السلام). ونحن هنا نذكر روايتين من بحار الأنوار تبينان هذا المطلب بشكل واضح.
فعن أبي محمد العسكري عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبعض أصحابه ذات يوم: يا عبد الله أحبب في الله وأبغض في الله ووالِ في الله وعادِ في الله. فإنّه لا تنال ولاية الله إلاّ بذلك. ولا يجد رجل طعم الإيمان – وإن كثرت صلاته وصيامه – حتّى يكون كذلك. وقد صارت مؤاخاة الناس يومكن هذا أكثرها في الدنيا، عليها يتوادون، وعليها يتباغضون، وذلك لا يغني عنهم من الله شيئاً.
فقال له: وكيف لي أن أعلم أنّي قد واليت وعاديتُ في الله عزّ وجل؟ ومن ولي الله عزّ وجل حتّى أواليه؟، ومن عدوّه حتّى أعاديه؟ فأشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي(عليه السلام) فقال: أترى هذا؟ فقال بلى: قال: ولي هذا ولي الله فوالِهِ. وعدو هذا عدو الله فعاده. قال: وال ولي هذا ولو أنّه قاتل أبيك وولدك. وعاد عدو هذا ولو أنّه أبوك أو ولدك".

وعن حبيش بن المعتمر قال: "دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. كيف أميست؟ قال: أمسيت محباً لمحبنا ومبغضاً لمبغضنا. وأمسى عدونا يؤسّس بنيانه على شفا جرف هار. فكأن ذلك الشفا قد انهار به في نار جهنم. وكأن أبواب الرحمة قد فتحت لأهلها. فهنيئاً لأهل الرحمة رحمتهم، والتعس لأهل النار والنار لهم.
يا حبيش! من مسره أن يعلم أمحب لنا أم مبغض. فليمتحن قلبه فإن كان يحب ولياً لنا فليس بمبغض لنا. وإن كان يبغض ولياً لنا فليس بمحب لنا. إنّ الله تعالى أخذ الميثاق لمحبينا بمودتنا وكتب في الذكر اسم مبغضنا، نحن النجباء وأفراطنا أفراط الأنبياء". (البحار/27).
ومن الأعمال الصالحة والشريفة الدعاء بالفرج لقائمهم عليهم السلام والمواظبة على زيارتهم والتوسل بهم. وكان مشايخنا يعظمون التوسل ويعتبرونه شرطاً في السلوك. ولا شكّ في أنّ له أثراً بالغاً في تأجيج المحبة في القلب.
بقي بعض المسائل المتعلّقة بموضوع الحب تطرح بصورة أسئلة أو شبهات رائجة في مجتمعنا، ربما نوفق لبيانها والإجابة عنها في فرصة أخرى. ولكن تبقى نصيحة لأهل الإيمان وهي أن لا تدعوا وساوس الشيطان وبعض الجهلة سبباً في حرمانكم من هذه المعرفة تحت حجج الدفاع عن العقيدة والتوحيد.
ونختم الكلام بذكر أحاديث في هذا المجال. ففي الأصول الأربعة عن علي عليه السلام أنّه قال: "إياكم والغلو فينا، إنّا عبيد مربوبون، وقولوا في فضلنا ما شئتم".
وفي تفسير الإمام عليه السلام عنه صلوات الله عليه: "لا تتجاوزا بنا العبودية ثمّ قولوا ما شئتم، ولن تبلغوا. وإياكم والغلو كغلو النصارى فإنّي بريء من الغالين".
وفي خبر آخر: "لا ترفع البناء فوق طاقته فينهدم، اجعلونا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم، فلن تبلغوا".
هذا، ونحن نعلم أنّه سيأتي من يتصرّف، حتّى بهذه الأحاديث ويأولها كما يشاء وفق مفاهيمه. ولكنها موعظة وبيان للمتقين وأهل الحقيقة. وإياك والمسارعة لاتهام البعض بالغلو بمجرد تعظيمهم لأهل البيت عليهم السلام.
والحمد لله.



 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع