أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

الموت في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.... شهادة

الشهيد مطهري

 



كما أنّ أصل الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، رفع من قيمة النهضة الحسينية، كذلك فإنّ النهضة الحسينية بدورها قد رفعت هذا الأصل والواجب الإلهي.
ذلك أنّ الحسين بن علي قد بيّن للعالم أجمع أنّ مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قد تصل إلى درجة تتطلب من الإنسان أن يضحي بنفسه، وماله، وكلّ ما يملك في سبيل هذا الأصل، ويتحمل في سبيل ذلك كلّ أنواع اللوم والانتقاد، كما فعل الحسين نفسه.

فالنهضة الحسينية لم تلحظ بتأييد أحد من الناس، نعم بالمستوى الذي كانوا يفكرون به، وقد كانوا على صواب في حدود تصوراتهم للموضوع.
لكن الحسين بن علي عليه السلام كان يرى ما وراء حدود رؤاهم، أنّهم كانوا يتصورون جميعاً بأنّ الأمر لا بدّ منحصر بحدود الوصول إلى الزعامة، وحسم أمر السلطة، ولذا فإنّهم كانوا يرون العاقبة السيئة المتوقعة، وكانت توقعاتهم دقيقة وصحيحة.

والإمام الحسين عليه السلام نفسه عندما رأى بعينه ما كان يدور حوله في يوم عاشوراء قال: "لله در ابن عباس ينظر من سترٍ رقيق".
أنّه – أي ابن عبّاس – قد أخبرني بكلّ هذه الأحوال، وبالمصير المنتظر لأهل بيتي، وأنا في المدينة المنورة، نع فقد قال ابن عباس للحسين عليه السلام وهو لم يزل في المدينة، بأنك لو ذهبت إلى الكوفة فإنّني على يقين بأنّ أهلها سينقضون عهدهم معك، وهذا ما أكّده الآخرون أيضاً، والذين قوبلوا أحياناً بالصمت من قِبل أبي عبد الله عليه السلام، وقد ردّ على أحدهم عليه السلام: "لا يخفى عليّ الأمر".
إنّ أبا عبد الله عليه السلام، قد أثبت في هذه النهضة، أنّه ومن أجل الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، نعم من أجل هذا الأصل الإسلامي، يمكن للمرء أن يضحي بحياته، وماله، وثرواته، ويتحمل كلّ أنواع اللوم والانتقاد.

فهل هناك أحد في الدنيا منح قيمة لفعل الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بمقدار ما منحه الحسين بن علي عليه السلام؟
إنّ معنى النهضة الحسينية يفيد بأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالغ القيمة إلى الحدّ الذي يمكن فيه للمرء أن يضحي في سبيله بكلّ شيء.
إنّه ومع حصول النهضة الحسينية، لم يعد هناك مجال للحديث عن وجود حدود لفعل الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، كلاّ فهو لا يعرف الحدود، نعم يعرف المفسدة، أيّ أنّ أولئك الذين يقولون بأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مشروط بعدم حصول المفسدة، يقولون عين الصواب، حتّى وإن اعتمدوا الضرر بمعنى المفسدة.
أي أنّه قد يحدث أحيانً أن أكون راغباً بالأمر المعروف والنهي عن المنكر، وأريد خدمة الإسلام من خلال ذلك، إلاّ أنّ عملي في هذا بحدّ ذاته يوجد مفسدة أخرى للإسلام، وليس لي شخصياً بالطبع. نعم مفسدة للإسلام هي أكبر من تلك الخدمة التي أردتها من خلال عملي ذلك للإسلام.

كثيرون من أولئك الأفراد الذين ينهون عن المنكر، لكنهم ليس فقط لا يجنون نتائج إيجابية من عملهم ذلك، بل إنّهم يخرجون ذلك الشخص الذي نهون عن فعل المنكر من الدين تماماً.
إنني أقبل بوضع إمكانية ترتيب المفسدة، واعتبارهم الحدود التي تفصل بين ضرورة القيام، أو عدم القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن لا أقبل بأن تكون الحدود هي الضرر، لاسيّما إذا ما كان الضرر شخصياً (أيّا كان الموضوع).
ودليلي على ذلك هو عدم قبول الحسين بن علي عليه السلام لمثل هذه الحدود، بالإضافة إلى دلائل أخرى، لا مجال لبحثها الآن.
إن الحسين بن علي عليه السلام قد استمسك بهذا الأصل وأثبت لنا جميعاً بأنّه قد قام، وانتفض دفاعاً عن هذا الأصل المقدّس، أو أنّ أحد العوامل التي دفعته للقيام – أحد العوامل على الأقل – كان هو هذا الأصل.
لقد سبق له عليه السلام أن وضّح وبيّن في زمن معاوية بعض العلائم والقرائن التي كانت تفيد بأنّه كان يمهّد للقيام والثورة.

فقد جمع صحابة النبي في (منى) وتحدث إليهم، وبيّن لهم الحقائق، وشرح لهم المفاسد البارزة آنذاك، ودلّهم على الواجب الملقى على عاتقهم بهذا الخصوص، وقد ورد كلّ هذا بالتفصيل وعلى أحسن وجه في ذلك الحديث الشهير المعروف عنه عليه السلام في "تحف العقول". وهو الحديث الذي يبين لنا بشكل كامل، كيف كان يفكر الحسين بن علي عليه السلام في مثل هذه القضايا.
يروى أنّ الحسين عليه السلام قد كتب إلى معاوية في أواخر عهده، كتاباً رمى به ابن أبي سفيان باللوم، والانتقاد الشديد، ومن جملة ما قال له فيه:
"يا معاوية بن أبي سفيان! وايم الله! إنّي لخائف الله في ترك ذلك".

أي في ترك محاربتك، وهو يريد أن يقول له بذلك: إنّك وإن رأيت الحسين عليه السلام اليوم ساكتاً، لكن هذا لا يعني أنّه لا يحضر للثورة.
إنّني إنّما أبحث عن الفرصة المناسبة والمؤاتية للثورة وذلك حتّى يكون قيامي مفيداً، ومؤثراً ويساعدني على المضي، ولو خطوة واحدة في سبيل الوصول إلى ما أصبو إليه، وأبذل جهدي في سبيله.
وهذا ما جاء بصراحة في وصيته عليه السلام لمحمد بن الحنفية، في اليوم الأول لخروجه من مكّة، عندما قال:
"إنّي ما خرجت أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر".
إنّ أبا عبد الله الحسين، ظلّ مستمسكاً بهذا الأصل، في مواضع متعدّدة، وهو في طريقه إلى الكوفة، من دون أن يتطرّق إلى ذكر البيعة، أو ذكر دعوة أهل الكوفة له.
والعجيب في الأمر أنّ عليه السلام، كان كلما جاءته أخبار موحشة، ومتشائمة من الكوفة، كلّما كانت خطبه عليه السلام تأخذ طابعاً حماسياً، أكثر من الخطب التي سبقتها.
وكما جاء في الروايات، فإنّه وبعد سماعه نبأ استشهاد مسلم بن عقيل عليه السلام خطب خطبته المعروفة:
"يا أيها الناس! إنّ الدنيا قد أدبرت وأذنت بوداع، وإنّ الآخرة قد أقبل وأشرفت بصلاح".
وهي خطبة مقتبسة من كلام أبيه علي عليه السلام ثمّ يقول عليه السلام:
"ألا ترون أن الحق لا يُعمل به، وإنّ الباطل لا يتناهى عنه؟ ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً".
فهل تلاحظون تعبيره عليه السلام إذ يقول: "... ليرغب المؤمن..." ولم يقل ليرغب الحسين بن علي بشكل خاص، وأنّ المهمّة هذه من المهمات الخاصّة، الملقاة على عاتق الإمام فقط، دون غيره من الناس العاديين.
نعم، ففي مثل هكذا ظروف ينبغي للمؤمن أن يضحّي بروحه، وبكلّ ما لديهن ويتجه للقاء الله، أي أنّ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لديه كلّ هذه الأهمية، وهذه القيمة البالغة والغالية.
وفي إحدى خطبه في منتصف الطريق إلى الكوفة، تراه عليه السلام يقول بصراحة: "إنّي لا أرى الموت إلاّ سعادةً، والحياة مع الظالمين إلاّ برما".
وقد جاء في بعض النسخ تعبير "شهادة" بدل "سعادة" أي أنّه عليه السلام لا يرى الموت في مثل هذه الحالات سوى شهادة في سبيل الحق.

أيّ أن من يقتل في سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إنّما يقتل شهيداً. كما أنّ المعنى الآخر إنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة، في الحقيقة إنّما يعطي نفس المفهوم الاستشهادي، والحياة مع الظالمين إلاّ برما، أي أنّني لا أرى مجالاً، أو إمكانية للعيش مع الظالمين، والتعايش معهم، فروحي ليست تلك الروح التي تتعايش مع الظالم.
الموقف الأقوى والأكثر صراحة، يمكن لنا أن نراه عندما تصبح الأوضاع، والحالة العامّة، يائسة مئة في المئة، وهو الوقت الذي يصل فيه الحسين بن علي عليه السلام إلى حدود العراق، ويصطدم بجيش الحر بن يزيد الرياحي.

إنّ ألف مقاتل جاؤوا ليأخذوه مخفوراً إلى الكوفة، ويسلموه لابن زياد، ها هو وفي مثل هذه الظروف القائمة ينقل المؤرخون المعتبرون خطبة مشهورة للحسين بن علي عليه السلام. ورد ذكرها على لسان المؤرخ المعروف الطبري، وهي الخطبة التي يذكر فيها الإمام بقول جدّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يأمرنا بالتمسّك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"أيّها الناس! من رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مستأثراً بفيء الله، متعدياً لحدود الله، فلم يغير عليه بقول، ولا فعل كان حقاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وأنّ هؤلاء القوم قد أحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، واستأثروا فيء الله".

وبعد هذه المقدمة المنطقية تراه عليه السلام يأخذ النتيجة على الفور ويقول لأصحابه، ولجميع من يسمع من جيش الحر:
".. وقد علمتم أنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان، وتولوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله وحرّموا حلاله...".
فمن هم هؤلاء القوم؟ أليسوا آل أمية؟ نعم بل هو كذلك، ومن ثم يطبق عليه السلام هذا الخطاب المحمدي للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، على شخصه فيقول: وإنّ أحقّ بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فهل بعد ذلك من عجب، أن يخلّد ذكر الحسين إلى الأبد، بعد أن تكون صفاته وخصاله بمثل هذه الصفات والخصال التي يذكرها التاريخ لنا؟ فالحسين هذا ليس إنساناً لنفسه، بل إنّه ضحّى بنفسه للإنسان، ضحّى بنفسه من أجل مجتمع البشر كلهم، وقدم نفسه فداءً لمقدسات البشرية، وقرباناً على طريق التوحيد، ومن أجل العدالة والإنسانية.
ولذا نرى بأنّ أبناء الإنسانية جميعاً يحبونه، ويعشقونه، من كلّ ملّة وطائفة.
فالإنسان عندما يرى أحداً من الناس لا يصرف اهتمامه لشيء يتعلّق بشخصه، وبذاته وكل ما فيه، إنّما هو مظهر من مظاهر الشرف والإنسانية فإنّه عند ذلك يرى في ذلك الشخص جزءاً لا يتجزأ من نفسه منصهراً في ذاته.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع