أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

الزواج من منظار إسلامي

علي عبد المنعم طالب

 



من سنن الله تعالى في خليقته التي أرادها لهم رحمة، وأساساً لحياة رغيدة هنيّة، وسبباً في تواصل البشرية، هي سنة الزواج التي نظمت في الإسلام تنظيماً رائعاً وفق قواعد وأسس جعلت من الزواج الإسلامي أمتن وأشدّ ترابطاً وتماسكاً، وأبلغ سعادة ورفاهية، وبالتالي قيام أسرة صالحة تكون نواة لمجتمع صالح.

فقد وضع الإسلام القواعد والأحكام لكلّ متعلقات الزواج، مبتدءاً بمسألة اختيار الزوجة ومواصفاتها، ومنتهياً بأحكام الرضاع وتربية الأطفال، مروراً بأحكام النظر واللمس واللباس وما إلى هنالك من أحكام وقواعد سنبينها تباعاً بإذن الله تعالى.
ثمّ ألقى في كلّ من الزوجين الاحتياج إلى الآخر، وغريزة الجذب والانجذاب، حتّى أنّه أرسل الرياح لواقح تحمل في مهبّها الذرات من نطقة ذكور النبات فتلقح بها الإناث منها لجريان حكم الزوجية العامّة في النبات أيضاً.
 ﴿سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ .
لذلك لم تجد الإنسان مناصاً إلاّ أن يتخذ لنفسه قريناً يسكن إليه ويشاركه حياته فيرفع به نقصه ويزيل قهره.
فالزواج إذن أمر ضروري من ضروريات الحياة الإنسانية في كلّ مصر وعصر وكلّ جيل ونسل سواءّ العاكف فيه والباد، والبخيل والجواد.

* فضل الزواج:
تكاثرت الآيات التي تدعو إلى الزواج، وتواترت الروايات التي تعتبره من المستحبات الأكيدة، حتّى إنّ الأحاديث الواردة في الحثّ عليه والذمّ على تاركه مما لا تحصى كثرة، قال الله تعالى: ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
وفي النبوي المروي بين الفريقين "النكاح سنتي فمن رغب عن سنّتي فليس مني".
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "من تزوّج فقد أحرز نصف دينه، فليتقِ الله في النصف الآخر".
والمستفاد من الآية وبعض الأخبار أنّ الزواج موجب لسعة الرزق، ففي خبر إسحاق بن عمّار أنّه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام الحديث الذي يرويه الناس حق؟ أنّ رجلاً أتى النبي فشكى إليه الحاجة فأمره بالتزويج حتّى أمره ثلاث مرات؟ قال أبو عبد الله عليه السلام: "نعم هو حق، الرزق مع النساء والعيال".
ثمّ إنّ الزواج يكون في العادة سبباً للوقاية عن كثير من الذنوب، ويوجب السكينة والاطمئنان، فالإسلام يشجع الناس على ذلك حرصاً منه على كرامتهم وعفافهم ففي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من شيء أحب إلى الله عزّ وجل من بيت يعمّر في الإسلام بالنكاح" وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحب أن يلقى الله عزّ وجل طاهراً مطهراً فليلقه بزوجه"، وقال أيضاً: "ما بني بناء في الإسلام أحب إلى الله عزّ وجل من التزويج".

* موقف الإسلام تجاه الغريزة الجنسية:
اعتدل الإسلام في موقفه تجاه الغريزة الجنسية، فهو من ناحية لم يطلق لها العنان تسبح أين شاءت وكيفما اختارت بلا حدود توقفها ولا روادع تمنعها كما هو الشأن في المذاهب الإباحية التي لا تؤمن بالدين ولا بالفضيلة، ومن ناحية ثانية لم يصادمها ويكبتها كما هو الشأن في مذاهب التقشف والحرمان كالصوفية والرهبانية، ذلك أنّ أحكام الإسلام تابعة للمصالح والمفاسد، وإنّ الله تعالى لم يحرّم إلاّ ما كان خبيثاً فاسداً، ولم يحلّل إلاّ ما كان طيباً مفيداً.
من هنا، إنّما حرم الإسلام الموقف الأول لأنّه عين الانحطاط الخُلُقي والسلوكي ولأنّه يصل بالإنسان إلى مرتبة الحيوان، وإفساد الفرد والأسرة والمجتمع، وحرّم الثاني لأنّ فيه وأد للغريزة، وتعطيل لعملها، ومنافاة لحكمة من ركّبها في الإنسان وفطره عليها، ومصادمة لسنة الحياة التي تستخدم هذه الغرائز لتستمر في سيرها.

أمّا الإسلام فقد وضع للغريزة حدوداً تنطلق من داخلها وضمن إطارها دون كبت مرذول، ولا انطلاق مجنون، فيسّر سبيلها من الحلال، ونهى عن التبتّل واعتزال النساء، كما حرّم الزنا ومقدماته أشدّ التحريم.
هذا الموقف هو العدل والوسط، فلو لم يشرّع الزواج ما أدّت الغريزة دورها في استمرار بقاء الإنسان، ولو لم يحرّم السفاح والإباحية ما نشأت الأسرة التي تتكوّن في ظلالها العواطف الاجتماعية الراقية من مودة ورحمة وحنان وحب وإيثار، ولولا الأسرة ما تكون المجتمع ولا أخذ طريقه إلى الرقي والكمال.

* صفات الزوجة:
وحيث أنّ العيش داخل إطار القفص الزوجي ذو أهمية كبيرة في الحياة الإنسانية، ينبغي لكل من أراد الزواج أن يختار لنفسه من الزوج من يسعده في حياته لجهة العيش والنسل.
فللزوج أن ينظر أين يضع نفسه؟
ومن يشركه في ماله؟ ويطلعه على دينه وسِرّه؟ ومن يختار لنطفه؟ وأي زوج أفضل؟

عن الصادق عليه السلام لأحد أصحابه حين قال قد هممت أن أتزوج "انظر أي تضع نفسك ومن تشركه في مالك وتُطْلِعَه على دينك وسرّك، فإن كنت لا بدّ فاعلاً فبكراً تنسب إلى الخير وحسن الخلق".
فالخطوة الأولى على الزوج هي السعي لاختيار ذات الدين والصلاح، وعدم الاهتمام للمال والجاه والجمال وما إلى ذلك لئلا يجعل الله له ذلك وبالاً عليه حسب ما جاء في بعض الروايات.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من تزوّج امرأة لمالها وكّله الله إليه، ومن تزوّجها لجمالها رأى فيها ما يكره، ومن تزوّجها لدينها جمع الله له ذلك".
ومن الأفضل مضافاً إلى رعاية الدين والصلاح في المرأة، أن يختارها من الأرحام فهي أفضل وأوصل لما روي عن زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام "من تزوّج لله ولصلة الرحم توجّه الله بتاج الملك".
ثمّ يسعى في اختيار الولود الودود التي تعين الزوج على دهره لدنياه وآخرته،

ولا تعين الدهر عليه، والتي تسمع قوله وتطيع أمره، وأجمع خبر في صفات المرأة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "إنّ خير نسائكم الولود، الودود، العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها، المتبرجة مع زوجها، الحصان على غيره، التي تسمع قوله، وتطيع أمره، إلى أن قال – ألا أخبركم بشرار نسائكم؟ الذليلة في أهلها، العزيزة في بعلها، العقيم، الحقود، التي لا تتورع من قبيح، المتبرجة إذا غاب عنها بعلها، الحصان معه إذا حضر، لا تسمع قوله، ولا تطيع أمره، وإذا خلا بها بعلها تمنعت منه كما تمنع الصعبة عن ركوبها، لا تقبل منه عذراً، ولا تقيل له ذنباً".

* صفات الزوج:
وكما ينبغي للرجل أن ينظر فيمن يختارها للتزويج، كذلك ينبغي ذلك للمرأة وأوليائها، ذلك أنّ الزواج أمر بين الاثنين يجب أن يبتنى على المحبة المتبادلة بينهما، وعليه يجب أن تراعى في الخاطب بعض الشرور اللازمة كي تكون البنت وأهلها على بصيرة من أمرهم، وحتى لا يخيب أملهم أو يحصل لهم الندم فيما بعد.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "النكاح رق، فإذا أنكح أحدكم وليدته فقد أرقها، فلينظر أحدكم لمن يرق كريمته".
الشرط الأول والأساس الذي يجب رعايته في الخاطب هو الدين والخُلُق، فمع الدين تسهل الصعوبات، ومع الخُلُق تكون السعادة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه ألاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
وأجمع خبر في صفات الرجل ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "ألا أخبركم بخيار رجالكم؟ قلنا بلى يا رسول الله، قال: إنّ خير رجالكم التقي، النقي، السميح، الكفين، السليم الطرفين، البر بوالديه، ولا يلجئ عياله إلى غيره، ثمّ قال: ألا أخبركم بشر رجالكم؟ فقلنا بلى قال صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ من شر رجالكم البهّات، البخيل، الفاحش، الآكل وحده، المانع رفده، الضارب أهله وعبده، الملجئ عياله إلى غيره، العاق بوالديه".

ثمّ أنّه متى حصلت الشروط المذكورة في الطرفين لا ينبغي بعد ذلك المماطلة في تحقيق الزواج، بل يجب الإقدام عليه وإلاّ تكن الفتنة ويشيع الفساد، ولا ينبغي بعد ذلك الكلام بالامتيازات الاعتبارية من الحسب والنسب والمال والقومية والعنصرية وما إلى ذلك لأنّ الله تعالى قد رفع بالإسلام الخسيسة، وتمّم به النقيصة، وأذهب به اللوم، وجعل المؤمنين بعضهم أكفاء بعض، فلا فخر لعربي على أعجمي، ولا أسود على أبيض إلاّ بالتقوى.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً وشرّف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعاً، وأعزّ بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً، وأذهب بالإسلام من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها، فالناس اليوم كلّهم أبيضهم وأسودهم وقرشيّهم وعربيّهم وعجميّهم من آدم، وإنّ آدم خلقه الله من طين، وإنّ أحب الناس إلى الله أطوعهم له وأتقاهم".

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع