أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

الآداب المعنوية للصلاة: في الغسل من الجنابة وآدابه

ع.ن.



ما زال الحديث حول الآداب المعنوية للصلاة. ولأنّ للصلاة مقدمات ضرورية لا تصحّ بدونها، كما في الطهارة، فلا صلاة بدون طهور، فإنّ رعاية الآداب المعنوية للمقدمات المذكورة تعتبر شرطاً للآداب المعنوية المتعلّقة بنفس الصلاة.
والطهور ينقسم إلى قسمين: طهور بالماء وطهور بالتراب. كما أنّه يتبع حالين: الحدث الأصغر والحدث الأكبر. وهنا يأتي الحديث من الطهور من الحدث الأكبر وهو الجنابة. والإمام الخميني قدس سره يبين في كتاب آداب الصلاة – أو ما أطلق عليه بالآداب المعنوية للصلاة

 – جملة من المسائل المتعلقة بالغسل الذي هو طهارة من الجنابة. وهذه المسائل على الشكل التالي:
1- حقيقة الجنابة عند أهل المعرفة.
2- حقيقة الجنابة بنظره.
3- أصل الجنابة.
4- كيفية التطهير منها.

فأمّا ما ذكره أهل المعرفة حول الجنابة – التي لا يصح دخول الصلاة بها، وهي مانع من الإحرام والتوجه إلى حضرة الكبرياء – فهي: "إنّ الجنابة هي الخروج من وطن العبودية والدخول في الغربة، وإظهار الربوبية ودعوى الأنانية، والدخول في حدود المولى، والاتصاف بوصف السيادة" (الآداب ص 148).
ويقصد العارفون من هذا الحديث أنّ الجنابة تعبّر عن غربة الإنسان عن حقيقته التي هي روحه، والدخول في عالم الطبيعة، لأنّها تمثّل حالة سيادة البدن وطغيان الشهوة. وفيها رؤية الأنا وتجاوز حدود المولى بدعوى السيادة وادعائها.
فحدّ المولى هو الربوبية وحد العبد أمام مولاه هو العبودية والعجز.
أمّا نظر الإمام الخميني قدس سره في حقيقة الجنابة فهو كما قال في الآداب المعنوية للصلاة: "الجنابة هي الفناء في الطبيعة والغفلة عن الروحانية والغاية القصوى لكمال السلطنة الحيوانية والبهيمية، والدخول في أسفل سافلين".

وبما أنّ الحديث يدور هنا حول الآداب المعنوية والحقائق الباطنية، فلا بدّ من الالتفات إلى مقاصج هؤلاء العارفين ومصطلحاتهم حتّى لا يتوهم خلاف المقصود.
وقد حصل للبعض أنّ ظنوا من خلال أمثال هذه التعبيرات، بل الإشارات، أنّ الزواج الذي يستلزم حالات الجنابة أمر مكروه متقيدين بكلام الإمام وظاهره. ونظراً لأنّهم لا يستطيعون أن ينفوا حالة الجنابة عن أنفسهم وأمثالهم فإنّهم نفوا الزواج بمعناه المادي عن الرسول وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين)، وأدى بهم ذلك إلى إخراجهم عن البشرية مع احتفاظهم لهم باللقب فقط.

فالجنابة التي تمثل الدخول في أسفل سافلين قبل أيّ شيء هي مشيئة الله في خلقه. أي أنّ الله تعالى هو الذي خلق الإنسان وجعل في نفسه هذا البعد المادي ليعرف عجزه وذلك ويصل بالتالي إلى أعلى عليين. وقد بين سماحة الإمام هذا المطلب بشكل واضح في "الأربعون حديثاً" نقلاً عن أستاذه العارف الكامل الشاه آبادي بأنّ الله تعالى أراد لآدم أن يصل إلى مقام التوحيد التام والوحدة الحقّة التي هي عين الكثرة، وقد كان آدم (عليه السلام) قبلها (وليس زماناً طبعاً) متوجهاً إلى الوحدة فقط، فأنزله إلى دار الدنيا التي هي أسفل سافلين ومجمع الكثرات. ولا شكّ في أنّ من لوازم الوجود في الدنيا البدن ومتعلقاته وشؤونه من الأكل والشرب والزواج. ولعلّ الحديث الشريف: "الزواج سنّتي" إشارة إلى بعض أسرار هذه الحقيقة.

وربما وقع هؤلاء في مثل هذا الاشتباه من عدم تقيدهم بالشرع الأنور الذي يعتمد عليه الإمام، بل إنّ كل ما عند الإمام (سلام الله عليه) هو باطن الشريعة السمحاء.
إنّ من يتأمّل في شريعة الإسلام يجد في تفاصيلها تأكيداً على الدخول في متن الحياة وكثراتها. كما هو مشهود في الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والزواج و...
فالجنابة إذاً، تمثل حالة الغفلة عن الروحانية التي إذا ما استمرت تعمي الإنسان عن حقيقة وجوده كلياً ويخلد إلى الأرض فيسقط في أسفل سافلين دون الرجوع إلى عليين. ولهذا على المجنب أن يتطهر من هذه القذارات لينال شرف الحضور بعد اعترافه بعجزه واحتياجه.
الجنابة هي التعبير عن ضعف الإنسان وحقارته. وهي التعبير عن ذنبه الذي لا يضاهيه ذنب وهو رؤية النفس. وإنّ الطهارة منها بعد حصولها تمثل حالة الرجوع والفناء التام وترك الأنا والأنية.

* أصل الجنابة:
يقول الإمام أنّ "أصل أصول الجنابة هو الأكل من هذه الشجرة أي شجرة الطبيعة والإقبال على الدنيا والتوجه إلى الكثرة".
وقد بيّن الإمام هنا معاني الأكل من الشجرة التي نُهي عنها أبونا آدم عليه السلام. وفي حديث عن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) روي في الوسائل عن الصدوق بإسناده "أنّه جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله أعلمهم من مسائل، وكان في ما سأله أن قال: لأي شيء أمر الله تعالى بالاغتسال من الجنابة ولم يأمر بالغسل من الغائط والبول؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ آدم لما أكل من الشجرة دب ذلك في عروقه وشعره وبشره، فإذا جامع الرجل أهله خرج الماء من كلّ عرق وشعرة في جسده. فأوجب الله عزّ وجلّ على ذريته الاغتسال من الجنابة إلى يوم القيامة".
وفي رواية أخرى عن الرضا (عليه السلام): "إنّما أُمروا بالغسل من الجنابة ولم يؤمروا بالغسل من الخلاء وهو أنجس من الجنابة وأقذر من أجل أن الجنابة من نفس الإنسان وهو شيء يخرج من جميع جسده، والخلاء ليس هو من نفس الإنسان، وإنّما هو غذاء يدخل من باب ويخرج من باب".

يقول الإمام مشيراً إلى هذه الأسرار:
"وظاهر هذه الأحاديث، وإن كان عند أهل الظاهر هو أنّ النطفة لما كانت تخرج من جميع البدن فوجب غسله كله، وهذا مطابق لراي جمع من الأطباء والحكماء الطبيعيين، ولكن تعليله عليه السلام بأكل الشجرة كما في الحديث الأول، ونسبة الجنابة إلى النفس كما في الحديث الثاني يفتح طريقاً إلى المعارف لأهل المعرفة" (الآداب/150).
أي أنّ حقيقة الجنابة ترجع إلى النفس. وأنّ الخروج من وطن المقصود يكون من قبل النفس. أمّا البدن فليس مطلوباً منه سوى الخضوع والامتثال لهذه النفس. فإذا كانت نفس الإنسان طاهرة من أرجاس الطبيعة وحب الدنيا ورؤية الأنا كانت طهارته حقيقية، وإلاّ فلا يحصل الرجوع ولا يتمّ الدخول واللقاء.

* حقيقة وآداب الغسل:
عند أهل المعرفة يكون باطن الغسل للطهارة من القذارات التي ذكرونها والاعتراف بالتقصير. وقد ذكر بعضهم مئة وخمسين حالاً لا بدّ للسالك التطهير منها خلال الغسل ويرجع أغلبها أو كلها إلى العزة والجبروت وكبرياء النفس وحبها ورؤيتها.
وعند الإمام فإنّ الغسل "هو التطهير من الخطيئة والرجوع من حكم الطبيعة [الغفلة] والدخول في سلطان الرحمانية تحت التصرف الإلهي بغسل جميع مملكة النفس التي فنت في الطبيعة وابتليت بغرور الشيطان".
ولم يذكر الإمام الأحكام الظاهرية للغسل هنا، لأنّ الحديث عن الآداب الباطنية. فالآداب القلبية للغسل هي:
1- "ألا يتوقف السالك حين غسله عند تطهير الظاهر وغسل البدن الذي هو القشر الأدنى والخط الدنيوي".
2- "بل تكون جنابة باطن القلب وسر الروح مورد عنايته ويهتمّ أكثر بغسله".
3- "فيتجنّب غلبة النفس البهيمية والشأن الحيواني للنفس الرحمانية والشؤون الرحمانية".
4- "ويتوب من رجز الشيطان وغروره".
5- "ويطهر باطن الروح الذي هو نفخة إلهية من الحظوظ الشيطانية، وهي التوجه إلى الغير".

فهذه جملة من الآداب الباطنية للطهارة من الجنابة الباطنية، والتي ينبغي الالتفات إليها حين التقدم للغسل الظاهري من الجنابة الظاهرية، حتّى يليق بهذا التطهير للدخول إلى جنّة أبيه آدم (عليه السلام). ويقول الإمام قدس سره:
"وأنت يا ابن آدم... إذا أردت أن تخرج من جنابة أبيك الذي هو أصلك، وتليق للقاء حضرة المحبوب وتنال استعداد الوصول إلى مقام الأنس وحضرة القدس، فلا بدّ لك من أن تغسل باطن قلبك (الذي هو محفلٌ لجناب الجميل وجمال الجليل) من حبّ الدنيا وشؤونها الخبيثة التي هي رجز الشيطان، فإن جنة لقاء الحق تعالى محل الأطهار ولا يدخل الجنّة إلاّ الطيب.

كيفية الغسل:
وحيث أنّ الطهارة من الجنابة الباطنية باطنية، فإنّ حقيقة الغسل للباطن تكون بنظر الإمام الخميني قدس سره في "الانغماس في ماء رحمة الحق تعالى الذي يجري عن ساق العرش الرحماني الخالص من التصرف الشيطاني".(الآداب).



 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع