أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

الافتتاحية: تعالوا نفهم إسلامنا كما هو


رئيس التحرير


الدعوة إلى فهم الدين كما هو، مثيرة للاستغراب لدى البعض، والحديث عن عدم المعرفة للإسلام لدى المسلمين هو حديث غير مرغوب فيه وخصوصاً لمن يزعمون أنّهم من أهله والدعاة إليه، لكن الواقع العملي الذي عليه الناس يحتّم علينا تلك الدعوة، وإن جولة ميدانية ترصد أوضاع الناس وأحوالهم ترشدنا إلى تلك الحقائق المفجعة، فالأعراض والتقاليد والرواسب والعصبيات والإدّعاءات والمزاعم توصلنا بدورها إلى غايتنا المنشودة، وإذا ما جُلنا وتعمّقنا في أفكار المدّعين نجدها تشير إلى تلك المصائب، وإذا ما كانت النتائج مطمئنة بعض الشيء فلا تكاد تخلو من ثغرات حتّى تحوّل الدين عند هؤلاء إلى ما يشبه الدخول إلى عالم المحلات والأسواق وبالتالي فإنّ أيّ داخل علي أن يختار بعضاً من الأصناف الموجودة ويهمل البعض الآخر، وهذا الشعور لا يمكن التعامل معه حينما يتلّق الأمر بموضوع الالتزام الديني، لأنّ قيمة الإسلام وعظمته هي في تطبيقه كلّه وتنفيذه دون تبعيض ذوقي ومزاجي لأحكامه السهلة دون غيرها  ﴿ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة/85] وهذا الإيمان التبعيضي سيلقي بظلاله على حياة الناس حتّى ليُخيّل أنّ بعض الأحكام الدينية هي الدين كلّه وبالتالي يتمّ التعامل مع هذه المصاديق على أنّها الدين ويُنظر لها على أنّها تمثّل الدعوة الإلهية الحقّة، وقصّة هؤلاء كمن يقوّم اللوحة الفنية الرائعة بناءً على رؤيته لجزءٍ بسيط منها، أو كقصة من أدخل الفيل إلى الغرفة الكبيرة المظلمة وطلب ممن لا يعرفون شيئاً عن الفيل أن يدخل كلّ منهم إلى تلك الغرفة ويلمس جزءاً منه، ولما سُئِلَ هؤلاء عن شكل الفيل قال أحدهم: إنّ الفيل كالمروحة فيما وصفه آخر بأنه كالعمود وثالث قال إنّه كالسرير فيما شبهه الرابع بالأنبوب وهكذا .. حتّى لو أنّ الفيل عرف بمقالاتهم تلك لاحتجّ واستنكر، وقد فات هؤلاء جميعاً أنّ الأول قد لمس أذن الفيل، فيما لمس الثاني رجله والثالث ظهره والرابع خرطومه حتّى كان هذا الظلم الذي لحق بالفيل.

نسوق هذه القصة من باب أن الأمثال تُضرب ولا تُقاس ولنقول: إنّ من يحقّ له أن يصف الفيل مثلاً عليه أن يراه في الضوء ويتحسّسه كلّه دون أن يقتصر على لمس بعضه أو ما شابه، وليس في أمر وصف الفيل جريمة، لكنّنا أمام النظرة الضيقة والمحدودة لمن يتوهمون أنّهم قد استوعبوا الإسلام نشعر حينها بفداحة الخطب وهول الجريمة، والمشكلة الأخطر هي أنّهم يقدّمون الإسلام حسبما يفهمونه هم لا كما أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فيفهمه البعض على أنّه عبارة عن طقوس دينية لا شأن له في الحياة والمجتمع، ويقدّمه البعض الآخر على أنّه يعطّل حركة العقل عند الإنسان حينما يُستبدل العقل بالاستخارة غير مراعين قواعد الاستخارة وضوابطها فيسيئون استخدامها ويعطون صورة عن المسلمين هي غير الصورة الحقيقة التي أرادها الله لنا، فيما يفهمه أصحاب البدع على أنّه رهبنة أو تصوّف وبالتالي فإنّ رمز التقى عندهم ليس القرب من الله وليس الأكرم عنده تعالى هو الأتقى، بل المهمل لنظافة بدنه وثيابه والمُكثر من القمل في بدنه ورأسه.

ويفهمه البعض على أنّه تكرار لزيارة المراقد المقدّسة قبل الوفاء بالدين لأصحابه، مع أنّ واجب هؤلاء هم الوفاء أولاً قبل أيّ شيء. فلا يمكن الحرص على الاستحباب على حساب الواجب.
بل إنّ نسف الواجب يلغي الإستحبابية في مسألة الزيارة، ولسنا هنا في صدر المناقشة للأمثلة السريعة التي نسوقها.
ويفهم بعض المترفين الإسلام على أنّه تعدّد للزوجات ليكون بخدمة أطماعهم مع أنّ الزوجة الواحدة لنظائر هؤلاء لا يقدرون على معاملتها بالأخلاق الإسلامية المطلوبة.
ويفهمه البعض الآخر على أنّه بمثابة التعويذات والأذكار التي تدفع السارق وتبعد الحيات والعقارب. ويراه آخرون على أنّه التزام بأكل بعض الفواكه والخضار حينما يستغرقون بروايات تحثّ على تناول بعض الأطعمة فيظنّ هؤلاء لو أنّهم أكلوا البطيخ مثلاً سيدخلون الجنة بلا حساب ولو أنّهم تناولوا الرمان لكان نصيبهم الفوز بالجنة، ويراه البعض الآخر على أنّه زيادة في الوسوسة في أمور الوضوء والصلاة مع أنّ الروايات تنهى عن مثل هذه القضايا وتعتبر أن الشيطان وراءها، فيما يفهمه آخرون على أنّه دعاء لجلب المنافع والأرزاق وعملية تجارة دنيوية على طريقة الأطفال الذي يؤدون الصلاة قبيل فترة الامتحانات ليبتسم لهم الحظ أثناء توزيع البطاقات فإذا لم يوفقوا أصيبوا بخلل عقائدي عجيب، بل إنّنا نلاحظ أن الطريقة نفسها موجودة في قاموس غير الأطفال ممن يؤدون بعض الفرائض ليكو الثمن دنيوياً عاجلاً ولا طاقة لهم على الانتظار طويلاً ليوم القيامة على قاعدة المثل ﴿ليوم الله بعينْ الله.

وختاماً.. ألا يلاحظ معي – قارئي العزيز – أنّ الفقراء يحدّثونك عن إسلام الفقراء، وأنّ الأغنياء يحدثونك عن غنى نبي الله سليمان عليه السلام وعن حديث الأمير القائل ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ  دون الإمعان في مضمون الآية ومراعاة ما قبلها، وأنّ أصحاب العصبيات ينسبون إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم روايات مختلفة تزعم أنّه كان عصبياً عشائرياً، والاشتراكيون يصفون أبا ذر الغفاري أنّه كان اشتراكياً، والمستسلمون يصورون الإمام الحسن المجتبى عليه السلام على أنه رجل ثوري ضمن فهم خاطئ ينمّ عن نفسية ضعيفة لهؤلاء.

بعد هذا، أليس من العدل والمنطق أن نطلقها صرخة مدوّية في الآفاق ندعو فيها لفهم إسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم كما هو لا كما يحلو لنا فهمه؟ دون أن نرى الأشياء على غير حقيقتها كمن يضع النظارة الحمراء على عينيه فيرى اللفت شمندراً. ولو نظرنا إلى ديننا حسب عقلياتنا الضيقة لرأينا ديناً آخر وإسلاماً آخر يشبه طباع الناس أكثر مما يشبه الدين فإلى فهم الدين يرحمكم الله.
والسلام

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع