أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

أدب ولغة: المدائح النبوية

فيصل الأشمر

 



تعتبر المدائح النبوية فرعاً من فن المديح نشأ مع بزوغ فجر الدعوة الإسلامية واستمر متوهجاً إلى زمان قريب. وفن المديح هو أحد أبواب الشعر العربي، وقد كانت له مكانة ممتازة بين أبواب الشعر الأخرى في الجاهلية، حتى أن شعراء الطبقة الأولى قبل الإسلام كانوا ما عدا امرأ القيس يمدحون الملوك والرؤساء طمعاً في التقرب منهم ونيل عطاياهم.

وفي العصر الأموي تعاظم دور فن المديح نظراً لتحول الشعر بشكل عام والمديح بشكل خاص إلى بوق إعلامي للتيارات السياسية المتنوعة، كما أصبح هذا الفن سلعة رائجة لكونه كان يحقق رغبة الطرفين: الحكام والولاة من جهة والشعراء من جهة أخرى. فقد كان الأولون يفتحون أبواب قصورهم للشعراء من أجل أن يكونوا الممدوحين المعظَّمين رجالَ الشجاعة والبطولة والكرم كما يصورهم شعراؤهم وكان الآخرون أي الشعراء يتسابقون لنيل رضا الحكام والولاة من أجل الحصول على المناصب والهبات. وقد صار لكل والٍ أو حاكم شاعر ينطق باسمه، هو "شاعر القصر" كما كان يدعى. أما في العصر العباسي فقد تبوأ المديح المكان الأعظم في الشعر العربي حتى أصبحت سائر الأبواب الشعرية صغيرة إلى جانبه وبرز فيه شعراء كبار كالمتنبي وأبي تمام وغيرهما. هذا عن المديح بشكل عام، وهو ما يقود للحديث عن موضوع هذه المقالة، وهو المدائح النبوية.

فمنذ انبلاج فجر الدعوة الإسلامية في ظلام الجاهلية الذي كان يهيمن على الجزيرة العربية كان الرسول صلى الله عليه وآله قبلة الشعراء الذين أسرتهم شخصيته العظيمة بما تحمله من صفات أخلاقية لا نظير لها لدى أحد من الخلق. وإذا كان الشاعر أي شاعر يستعمل ما يشاء من أوصاف التعظيم والتكريم في وصف ممدوحه وإن كان كاذباً فيما يدعيه فإذا هو أجمل من غزال وأبهى من شمس وأكرم من سحاب ماطر، وإن كان هذا الممدوح عبداً أسود ككافور المتنبي فإن الأمر يختلف حين يكون الممدوح سيدَ البشرية وخير الخلق كلهم أي الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله. لأن الشاعر هنا يظل مقصراً في مدحه، وتقف أبياته عاجزة عن إيفاء الممدوح رسول الله ولو جزءاً مما يمتاز به من أخلاق سامية عظيمة. وعليه فإن هذا النوع من المديح يأتي نقياً من الإدعاء، خالصاً من الكذب ولا مكان فيه لزخرف القول. وهذا الشعر الذي قيل في مدح الرسول صلى الله عليه وآله أُطلق عليه إسم المديح النبوي أو المدائح النبوية. ومن المتفق عليه أن داليَّة الأعشى والتي مطلعها:
 

وعادك ما عاد السليم المسهدا

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا


كانت أول قصيدة مُدح بها الرسول صلى الله عليه وآله، ويقول فيها:
 

أَغارَ لَعَمري في البِلادِ وَأَنجَدا

نَبِيٌّ يَرى ما لا تَرَونَ وَذِكرُهُ‏

وَلَيسَ عَطاءُ اليَومِ مانِعَهُ غَدا

لَهُ صَدَقاتٌ ما تُغِبُّ وَنائِلٌ‏


ثم توالت المدائح النبوية، فكان لأبي طالب عليه السلام عدة قصائد في مدح الرسول، يقول في إحداها:
 

عَلَيكَ نُزِّلَ مِن ذي العِزَّةِ الكُتُبُ‏

أَنتَ الرَسولُ رَسولُ اللَهِ نَعلَمُهُ‏


ويقول في أخرى:
 

فَأَكرَمُ خَلقِ اللَهِ في الناسِ أَحمَدُ

لَقَد أَكرَمَ اللَهُ النَبِيَّ مُحَمَّداً

فَذو العَرشِ مَحمودٌ وَهَذا مُحَمَّدُ

وَشَقَّ لَهُ مِن اسمِهِ لِيُجِلَّهُ‏


ويقول في ثالثة:
 

عِندي يَفوقُ مَنازِلَ الأَولادِ

إِنَّ الأَمينَ مُحَمَّداً في قَومِهِ‏


ثم كانت مدائح حسان بن ثابت ومنها قوله في إحدى قصائده:
 

عَلى عَبدِهِ خَيرِ العِبادِ مُحَمَّدِ

أَلَم تَرَ أَنَّ اللَهَ أَنزَلَ نَصرَهُ‏

فَمَن يَرضَ ما يَأتي مِنَ الأَمرِ يَهتَدِ

وَأَرسَلَهُ في الناسِ نوراً وَرَحمَةً


وقصيدة كعب بن زهير صاحب القصيدة المشهورة التي مطلعها: بانت سعاد، وقصائد كعب بن مالك التي يقول في إحداها:
 

عَلَى الطُّورِ المُنِيفِ المُعَظَّم

فَإِنْ يَكُ مُوسى كَلَّم اللهُ جَهْرَةً

عَلَى المَوْضِعِ الأَعْلَى الرَّفِيعِ المُسوَّمِ‏

فَقَدْ كَلَّم اللهُ النبيَّ محمَّداً

سُلَيْمانَ ذا المُلكِ الذي ليس بالعَمِي‏

وَإِنْ تَكُ نَمْلُ البَرِّ بالوَهْمِ كَلَّمتْ‏

صِغَارُ الحَصَى في كَفِّهِ بالتَّرْنُّمِ

فهذا نَبيُّ اللهِ أحْمدُ سَبَّحتْ‏


وقصائد عبد الله بن رواحة ومن أبياته في إحداها:
 

إِذا انشَقَّ مَعروفٌ مِنَ الصُبحِ ساطِعُ‏

وَفينا رَسولُ اللَهِ يَتلو كِتابَهُ‏

بِهِ موقِناتٌ أَنَّ ما قالَ واقِع

أَرانا الهُدى بَعدَ العَمى فَقُلوبُنا

إِذا اِستُثقِلَت بِالكافِرينَ المَضاجِعُ‏

يَبيتُ يُجافي جَنبَهُ عَن فِراشِهِ‏


وتوالت قصائد المديح منذ ذلك الوقت، وكان في كل عصر من العصور شعراء مدحوا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله لا يتسع المقام في هذه المقالة لذكر أسمائهم وقد اشتُهر بعضهم بالمدائح النبوية كشرف الدين البوصيري صاحب القصيدة المشهورة التي يقول مطلعها:
 

مَزَجْتَ دَمْعاً جَرَى مِنْ مُقْلَةٍ بِدَمِ‏

أمِنْ تَذَكُّرِ جِيران بِذِي سَلَمٍ‏


وهي القصيدة المعروفة بالبردة (والتي هي موضوع مقالتنا في العدد القادم).
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع