نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

ثورية الفكر عند الإمام الخميني‏ قدس سره

هادي قبيسي‏

 



يعلم الجميع مدى أهمية الدور الذي اضطلع به الإمام الخميني على مستوى تاريخ ومستقبل حركة التشيع ككل في إيران وخارجها. وإضافة إلى انتصار ثورته لا يشك المتتبع لتاريخ الشيعة منذ بدايات القرن الماضي بوجود عوامل ساهمت في فسح المجال أمام التجمعات الشيعية لإعادة بناء ذاتها وكينونتها، على الأخص في العراق ولبنان وإيران.
 

كان أهم هذه العوامل انفتاح هذه التجمعات على العمل السياسي والاجتماعي، الذي بدأ يتصدر الاهتمام الشعبي والنخبوي شيئاً فشيئاً عقيب انهيار الدولة العثمانية وانكسار القيود التي وضعت على الشيعة. وفي مقالتنا هذه سنحاول إيجاز أبعاد النموذج الذي قدمه الإمام على مستوى حركة التشيع بشكل عام. بالعودة إلى صلب الموضوع، الرسالة التي اضطلع بحملها الإمام الخميني، وهي إعادة التيار الشيعي إلى دوره التجذيري في الفكر والممارسة، كانت تستند إلى منطلقات فقهية تتمظهر معالمها في نظرية سياسية متكاملة، أساسها الولاية العامة للفقيه. فمنذ بداية إطلالته على العمل السياسي والاجتماعي بدأ الإمام بالتمهيد لطرح أفكاره السياسية والثورية عبر كتابات مبكرة، وتطوّرت أفكاره لاحقاً إلى أن وصلت إلى بناء تصور لنظام إسلامي متكامل. وقد اعترضت حركة استقطاب الفكر الشيعي نحو الدعوة إلى بناء الحكومة عقبات كثيرة، نشأت من واقع تاريخي متراكم عبر القرون. إلى هذا فقد كانت هناك مجموعة من المتأثرين بالفكر العلماني ومقولة فصل الدين عن السياسة تُحرِّم تدخل العلماء في العمل السياسي... حتى باتت كلمة معمم سياسي تعتبر إهانة لمن يوسم بها. وتعتبر المعركة داخل الجسم الشيعي أصعب مراحل ثورة الإمام، لا محاربة الشاه ولا إخضاع جيشه... ويقول نجله المرحوم السيد أحمد: "... لقد كان لدينا فقهاء وفلاسفة كثيرون... لكن لا أحد منهم كان إماماً، ميزة الإمام ليست في صراعه مع أمريكا لأن كثيراً من السياسيين في الخارج وفي الداخل كانوا يحاربونها، لكن الجميع لم يكونوا الإمام... الإمام استفاد من الفقه والعرفان وعلم الكلام والفلسفة والشعر والفن"(1).

كان على الإمام أن يقع في حالة من الصراع مع الأفكار السائدة دون المساس بحرمة مقام العلماء والمراجع الدينيين ودون شقّ صف الحوزة، وقد أبرز هذا الصراع المحموم والحذر ميزة التقوى العميقة التي تحلى بها الإمام، حيث ظل حتى النهاية يواجه الأفكار دون التعرض لأشخاص العلماء، بعيداً عن الانتقاد المباشر والتجريح. وقد استُدرجت الحوزة في النهاية عبر حركة الجماهير، حيث استنهض الإمام شرائح المجتمع الشيعي الواقعة تحت ظلم السلطة الذي أوجد فيها حوافز وكوامن الانفجار والثورة، ووضع الحوزة أمام الأمر الواقع؛ ومن ناحية أخرى كان قد ربى خلال تدريسه في الحوزة مجموعة لا بأس بها من الطلبة الدينيين، أشركهم في العمل الثوري ككادر ثوري استنهاضي، ولاحقاً تحولت الحوزة إلى مركز إدارة الثورة وتنظيم حركتها.

الأبعاد المنهجية للخطاب الثوري:
لم تكن حركة الإمام حركة ثورية حماسية تنطلق من اندفاع الجماهير وغضبها، بل كان الخطاب التثويري للثورة ولقائدها بالتحديد باعتباره الموجه المباشر لحركتها يرتكز إلى جذور وأبعاد عديدة أهمها:

1 - العودة إلى القرآن: الذي رآه مبنياً على أبعاد غير منحصرة، تنقسم إلى ما هو شخصي وما هو اجتماعي وسياسي، "القرآن كتاب تربية للإنسان، وإن للقرآن أبعاداً مختلفة بحسب الأبعاد التي للإنسان، كذلك يجب على العلماء أن يمتلكوا أبعاداً مختلفة في التعليم حسب أبعاد الإسلام وأبعاد الإنسان"(2). وبهذا اعتبر أن الرسالة السماوية تطالب الإنسان بالاهتمام بجوانب حياته كافة، ما يفرض على المسلم أن يتصدى لهموم عديدة سيكون من بينها بالضرورة إقامة الدولة الكفيلة بالاهتمام بالحاجات الإنسانية المختلفة.

2 - الرؤية الكونية الأصيلة: فالتوحيد عماد الفكر والعقيدة لا يحمل الجانب النظري بشكل أحادي، بل ينطوي على مبدأ رفض الطاغوت عملياً "يا مدعي الإيمان وخشوع القلب! إن كنت تؤمن بكلمة التوحيد في حضرة ذي الجلال، وكان قلبك يعبد الواحد ولا يطلب إلا الواحد، وكنت لا تثبت الألوهية إلا لذات اللَّه تعالى، وإذا كان قلبك موافقاً لظاهرك، وباطنك موافقاً لما تدعي، فماذا دهاك تخضع بقلبك لأهل الدنيا إلى هذا الحد؟ ولماذا تعبدهم؟! أليس لأنك تراهم مؤثرين في هذا العالم، وترى إرادتهم نافذة، وتجد أن المال والقوة مؤثران؟ لكنك لا تعرف القوة المحركة لهذا العالم وهي إرادة اللَّه تعالى! تخضع لجميع الأسباب الظاهرية وتغفل عن المؤثر الحقيقي والمسبب لجميع الأسباب".

3- سيرة الأنبياء: وهي مصداق الرسالة السماوية وتمثيلها الواقعي... يقول الإمام: "... الأنبياء العظام السابقون والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله في الوقت الذي يحملون فيه الكتب السماوية في يد من أجل هداية الناس، كانوا يحملون السلاح في اليد الأخرى... فإبراهيم عليه السلام كان يحمل المصحف في يد، والفأس في يد أخرى للقضاء على الأصنام(3). وقال أيضاً: "إن نهضة الأنبياء كانت دوماً هكذا، وهو أن يبرز شخص من بين المؤمنين من الطبقة المستضعفة، وينتخب للدعوة، وأحد أعماله جمع الناس المستضعفين، ودعوتهم ليقفوا في وجه المستكبرين، ويهيئهم
لذلك العمل"(4). إستناداً إلى ما سلف، من الخطأ القول إن الإمام قد جدد في الإسلام وأبدع، بل هو قد أعاد قراءته بشكل صحيح وعميق، فتطرق إلى أبعاد مهملة، وأثار قضايا حساسة لم تكن مطروحة سابقاً، بلورها في رؤية جامعة.


 (1) دليل آفتاب، السيد أحمد الخميني.
(2) منهجية الثورة الإسلامية، باب: ضرورة اهتمام الحوزات بشمولية الإسلام.
(3) منهجية الثورة، ص 56.
(4) ن.م، ص 57.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع