نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قرآنيات‏: كيف يترك القرآن الكريم أثره؟

الشيخ عبّاس رشيد

 



لقد مرّ معنا في العدد السابق الحديث عن تأثير القرآن العظيم في الأفراد والمجتمعات، ومما يؤكد هذه الحقيقة قول اللَّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِين (يونس: 57).

* أربع صفات:
فهنا صفات أربع للقرآن الكريم؛ موعظة وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة، فالآية جاءت: "بياناً جامعاً لعامة أثره (القرآن) الطيب الجميل وعمله الزاكي الطاهر الذي يرسمه في نفوس المؤمنين منذ أوّل ما يقرع أسماعهم إلى آخر ما يتمكّن من نفوسهم ويستقر في قلوبهم. فإنه يدركهم أول ما يدركهم وقد غشيهم يمّ الغفلة وأحاطت بهم لجّة الحيرة فأظلمت باطنهم بظلمات الشك والرّيب، وأمرضت قلوبهم بأدواء الرذائل، فيعظهم موعظة حسنة ينبههم بها عن رقدة الغفلة، ويزجرهم عما بهم من سوء السريرة والأعمال السيئة، ويبعثهم نحو الخير والسعادة. ثم يأخذ في تطهير سرّهم من خبائث الصفات، ولا يزال يزيل آفات العقول وأمراض القلوب واحداً بعد آخر حتى يأتي على آخرها. ثم يدلهم على المعارف الحقّة والأخلاق الكريمة والأعمال الصالحة حتى يستقروا ويفوزوا فوز المخلصين. ثم يلبسهم لباس الرحمة وينزّلهم دار الكرامة ويقرّهم على أريكة السعادة حتى يلحقهم بالنبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين... فالقرآن واعظ شافٍ لما في الصدور، هادٍ إلى مستقيم الصراط، مفيض للرحمة بإذن اللَّه سبحانه، وإنما يعظ بما فيه ويشفي الصدور ويهدي ويبسط الرحمة بنفسه لا بأمر آخر، فإنه السبب الموصل بين اللَّه وبين خلقه"(1).

وقد افتتح سبحانه الآية بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاس دلالة على أن تأثير القرآن إنما هو لعامّة الناس، فليس تأثيره مختصاً بقوم دون قوم، وبطبقة دون طبقة، وبجنس دون جنس، فكلُّ الناس يستطيعون الاستفادة منه؛ ولكن لذلك أسباباً وشروطاً ومقتضيات ورفع موانع. صحيح أن لكل مسبَّب سبباً، ولكل معلول علّة، ولكن لا يؤثر السبب والعلة في مسبَّبه ومعلوله إلا إذا تحققت الشروط ورُفعت الموانع. فالنّار سبب وعلّة للاحراق، ولكن النار لا تؤثر أثرها في الشي‏ء إن كان فيه رطوبة مثلاً (وهذا مانع)، وكذلك لا تؤثر أثرها إن لم تمس الجسم الذي يراد إحراقه (والمسّ شرط).

وكذلك القرآن الكريم سبب وعلة للموعظة والشفاء لما في الصدور وللهدى والرحمة، ولكن إذا تحققت الشروط والمقتضيات ورُفعت الموانع. وإذا كنا قد تحدّثنا في العدد السابق عن تأثير القرآن في الفرد والمجتمع، وأنهينا بحثنا بهذا التساؤل: إذا كان القرآن الكريم له هذا الأثر المهمّ على الفرد والمجتمع؛ لماذا المجتمع الإسلامي المعاصر ليس على ما يرام؟ وجوابنا توضّح مما سبق: أن القرآن (السبب) يؤثر أثره إن تحققت الشروط والمقتضيات ورُفعت الموانع. وهذا ما يؤكده الإمام الخميني قدس سره حيث يقول ما ملخصه:

* كيف نستفيد من القرآن الكريم؟
إن من الأمور المهمة معرفة كيفية الاستفادة من القرآن العظيم. فليس القرآن الكريم لتعليم الجهات الأدبية والنحو والصرف، أو أن تأخذ منه الفصاحة والبلاغة والنكات البيانية والبديعية، وليس هو لتعليم القصص والحكايات بالنظر التاريخي. ثم إنه ليس كتاباً نقرأه للثواب والأجر فقط. فالمطلوب إذاً: التعلُّم من القرآن كيفية السير والسلوك إلى اللَّه تعالى، وكيفيّة التخلّق بالأخلاق العالية لنصل إلى الكمال والسعادة.

* رفع الموانع والحجب:
من الآداب المهمّة حتى تحصل الاستفادة من القرآن الكريم، رفع موانع الاستفادة، ونحن نعبِّر عنها بالحجب بين المستفيد والقرآن؛ وهذه الحجب كثيرة نشير إلى بعضها:
1- حجاب رؤية النفس، بحيث يرى الإنسان المتعلِّم نفسه غير محتاج إلى الاستفادة من هذا الكتاب العظيم.
أو يرى استفادة منه ولكن في جهات لا تساعد على الهداية والسلوك إلى اللَّه تعالى؛ كمن يقصر نظره إلى الجهات الفقهية أو الفلسفية أو البلاغية أو التجويدية أو غير ذلك مما لا مساس له بالمقصود الأصلي للقرآن الكريم وهو الهداية إلى اللَّه جلّ وعلا، ويقنع بما هو عليه، ويختصر القرآن في الجهة التي هو فيها.
2 - ومن الحجب حجاب الآراء الفاسدة والمذاهب الباطلة، وأغلب هذا يوجد من التبعية والتقليد، مثلاً إذا رسخ في قلوبنا اعتقاد بمجرد الاستماع من الأب والأم أو من الجهلة، نبني على هذا الاعتقاد، ولا نبدِّله ولو أتانا واضح البرهان.
3 - ومن الحجب المانعة من الاستفادة من القرآن، الاعتقاد بأنه ليس لأحد حق الاستفادة من القرآن الشريف إلا ما كتبه المفسّرون وما فهموه.
4 - حجاب المعاصي والكدورات الحاصلة من الذنوب.
5 حب الدنيا، فيصرف القلب بواسطة تمام همّته في الدنيا وحب الجاه والشرف.

* التفكُّر:
من الآداب المهمّة للاستفادة من القرآن الكريم التفكُّر، وقد كثرت الدعوة في القرآن الشريف إلى التفكّر. قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (النحل: 44).

* التطبيق:
ومن الآداب المهمّة للاستفادة من القرآن الكريم التي تنيل الإنسان نتائج كثيرة هو التطبيق. فمن أراد أن يأخذ من القرآن الشريف الحظ الوافر فلا بد له من أن يطبِّق كل آية شريفة على حالات نفسه حتى يستفيد استفادة كاملة. فكما أن خُلق الرسول كان القرآن، فينبغي عليك أن يكون خُلُقك القرآن.

* مهجورية القرآن العظيم:
يقول تعالى: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا (الفرقان: 30). إن مهجورية القرآن لها مراتب، ولعلّنا متصفون بالعمدة منها، أترى أننا إذا جلّدنا القرآن العظيم جلداً نظيفاً وقيّماً، أو إذا قرأناه أو استخرنا به وقبّلناه، ووضعناه على أعيننا، لا نكون هاجرين له؟ أترى إذا صرفنا غالب عمرنا في تجويده والاهتمام بجهاته اللغوية والبيانية والبديعية، ما اتخذناه مهجوراً؟ إن عمدة هجر القرآن هو عدم تطبيقه في حياتنا الخاصة والعامة(2).

* قارئ القرآن:
وقد رُوي عن إمامنا الصادق عليه السلام: "من قرأ القرآن ولم يخضع له ولم يرقَّ قلبه ولم ينشئ حزناً ووجلاً في سرِّه، فقد استهان بعظيم شأن اللَّه تعالى وخسر خسراناً مبيناً، فقارئ القرآن يحتاج إلى ثلاثة أشياء: قلب خاشع، وبدن فارغ، وموضع خال، فإذا خشع للَّه قلبه فرّ منه الشيطان الرجيم، قال اللَّه تعالى ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (النحل: 98) فإذا تفرّغ نفسه من الأسباب تجرَّد قلبه للقراءة فلا يعترضه عارض فيحرمه نور القرآن وفوائده، وإذا اتخذ مجلساً خالياً واعتزل عن الخلق بعد أن أتى بالخصلتين الأوليتين: خضوع القلب وفراغ البدن استأنس روحه باللَّه عزَّ وجلَّ، ووجد حلاوة مخاطبات اللَّه عباده الصالحين وعلم لطفه بهم ومقام اختصاصه لهم بفنون كراماته وبدائع إشاراته، فإذا شرب كأساً من هذا المشرب حتى لا يختار على ذلك الحال حالاً ولا على ذلك الوقت وقتاً، بل يؤثره على كل طاعة وعبادة، لأن فيه المناجاة مع الرب بلا واسطة، فانظر كيف تقرأ كتاب ربك ومنشور ولايتك وكيف تجيب أوامره وتجتنب نواهيه وكيف تمتثل حدوده فإنه كتاب عزيز ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (فصلت: 42)، فرتّله ترتيلاً وقف عند وعده ووعيده وتفكّر في أمثاله ومواعظه واحذر أن تقع من إقامتك حروفه في إضاعة حدوده"(3).


(1) انظر تفسير الميزان، الطباطبائي، ج‏10، ص‏81.
(2) خلاصة كلام الإمام الخميني، مع تصرُّف من كتابه الآداب المعنوية للصلاة.
(3) مصباح الشريعة، باب 12، في قراءة القرآن، ص‏28.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع