أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

مشاركات القرّاء: ألوان النفاق

سامي رسلان

 



في خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام يقول: "أوصيكم عباد الله بتقوى الله، و أحذركم أهل النفاق فإنهم الضّالون المضلّون والزالّون المزلّون يتلونون ألواناً، ويفتنون افتتاناً... قد أعدوا لكل حقٍ باطلاً ولكل قائمٍ حائلاً..." إلى آخر الخطبة(1). والنفاق اصطلاحاً هو إظهار الحسن وإبطان القبيح(2). وقد قيل الكثير عن ظاهرة النفاق، ويرجعها الإمام الخميني قدس سره إلى الرذائل النفسانية والملكات الخبيثة(3).

ويقول العلامة الطباطبائي في النفاق إنه مخالفة السر والعلن، سواء كان في الإيمان أو في الطاعات أو في المعاشرات بين الناس، ولا ريب أنه من المهلكات العظيمة وقد تعاضدت الأخبار على ذمه(4). قد يكون النفاق في ممارسات تدفع إلى نصرة الدين وأتباعه، ويكون ذلك كله نتيجة اعتقاده بوجود ملازمة بينها وبين وصوله إلى أعلى المراتب والمناصب في الدولة التي ساهم من أجل عزتها ليستثمر سلطتها في حالتي القوة والضعف، وقد لا يجد سبيلاً آخر للوصول غير سبيل الدين، فيتدين ظاهراً ويخلص الولاء له لعِلّة التلازم بين انتصار الدين وتحقيق رغباته. هذا الصنف من النفاق الاجتماعي يشكل خطراً كبيراً، لأنه يظهر التماهي في سلوكه وتفكيره مع سلوك الجماعة المؤمنة دون اكتشافهم لحقيقة نواياه ودوافعه، وإذا اتضح هذا الشكل من النفاق، أمكن تصوّر الوسائل والحيل التي قد يستخدمها أفراد هذا الصنف من المنافقين لتحقيق غرضهم، وعند وصولهم لمآربهم يتضح خواؤهم الروحي وقلّة حرصهم على الدين وعدم مراعاتهم الدقة في التطبيق فضلاً عن التحريف في بعض الموارد، هذا إذا لم يؤول -المنافق- النصوص والأحكام بما يتوافق مع غرضه السياسي والوصولي. إ

ن الرياء والتظاهر بالورع والعبادة من ناحية، والإخلاص في تنفيذ التكاليف للوصول إلى هدف دنيوي من ناحية أخرى، هي نماذج من تلاوين النفاق السلطوي والاجتماعي. ويمكن ملاحظة هذا النوع من النفاق في زمن الدعوة الإسلامية، في مكة والمدينة، وذلك من خلال دخول الكثيرين في الإسلام لتحقيق أهدافهم السلطوية، هذه المجموعات اعتنقت الدين الجديد وعملت على نصرته وإعزازه لاعتقادها بمناسبة تعاظم قوة الإسلام مع ارتقائها الاجتماعي والسياسي ومثال هذه الشخصيات تكشّفت حقيقتها بعد وفاة الرسول حيث استماتت لتسلم السلطة، وتجلت هذه الحالة في تصادمها مع رموز الخط الأصيل للدعوة. هذا اللون من النفاق العملي الناشئ من المطامع السياسية أشد خطراً وتهديماً؛ فهو يهدم من الداخل، ومن الصعب اكتشافه، وبالتالي فإن صاحبه يضحي كالمخلصين تماماً لأن توقه لنيل ما يريد يجعله متفانياً، وهذا ما يضعه في مأمن من كشف أهدافه ونواياه. وإذا كان "حب الدنيا رأس كل خطيئة" فإن الأهواء وركوب الشهوات يميل بالطبع عن جادة الحقّ والصواب فيلجأ للخداع والنفاق؛ وقد حارب الإسلام هذا الداء -النفاق- المستتر بثوب الإيمان والهدى ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُون﴿14﴾(البقرة)، ويقول الله تعالى لنبيّه عيسى عليه السلام: "يا عيسى ليكن لسانك في السرّ والعلانية لساناً واحداً وكذلك قلبك، أحذّرك نفسك، وكفى بي خبيراً"(5)، وهكذا فالقلب الذي تعلّق بالأهواء وحبّ الدنيا يخالف اللّسان، وكثيراً ما تسقط أقنعة أئمّة النفاق إذ لا يصلح قلبان في جوفٍ واحد، لذا كان من شروط الإيمان أن يوافق قلب المؤمن لسانه وأن يوافق عمله، وإلا وقع في الشرك.

ومن الوسائل الكاشفة لحقيقة هذا الصنف المنافق، هي مراقبة وملاحظة المظاهر السلطويّة في شخصيّة أصحابها ومنها:
- حب الظهور، الكبر، الفخر والتظاهر بالعلم والتباهي به؛
- طبيعة ولون المناسبات التي يشارك فيها، وخاصّة التي تدعم موقعه، حيث يشارك فيها شخصيّات يمكن أن تحقّق له أهدافه؛
- عدم إيلاء الضوابط الشرعيّة الأهمية المطلوبة، بل قد يتجاوزها لخدمة أهوائه؛
- تقرّبه من الطبقات والفئات النخبويّة؛
- يهوى المديح لنفسه، وقد يستجديه لإشباع ميوله.

وانطلاقاً من المراقبة الدقيقة للسلوك السلطوي، الاجتماعي والسياسي للمنافق وملاحظة تلك السمات في شخصيّته، يمكن تجنّب الوقوع في مأزق وصوله إلى مراكز قياديّة قد تعرض مسيرة الدولة أو الحركة الإسلاميّة لخطر الانحراف والسقوط. "اللهم جنّبنا النفاق وأهله فإنّهم لُمة الشيطان وحُمة النيران"(6)، ﴿...أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴿19﴾(المجادلة).


1- نهج البلاغة؛ شرح محمد عبده؛ دار البلاغة؛ ص: 449.
2-مسلكنا في الأخلاق؛ الشيخ علي مشكيني؛ دار الهادي.
3- الأربعون حديثاً؛ الإمام الخميني قدس سره؛ دار التعارف؛ 1998.
4- مبادئ الأخلاق؛ اليزدي؛ دار الصفوة.
5- بحار الأنوار؛ ج: 75؛ ص: 205.
6- نهج البلاغة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع