أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

سلسلة المرأة المقاومة: قصص كُتبت بالدمع والدم‏

ولاء إبراهيم حمود

 




تأخرتُ أَستبقى الحياة فلم أجد
لنفسي حياةً إلاَّ أن أتقدّما


وتقدَّمت المرأة اللبنانية المسلمة إلى ساحات المواجهة طلباً للحياة الأفضل، فوجد هذا البيت بشطريه الموزونين على بحر الإقدام والشجاعة ترجمته الحرفية في موقفها المقاوم للمحتل الغاصب لأرضها، تحت راية مجاهدي المقاومة الإسلامية المظفرة في لبنان. هذا ما تؤكده مبرزة تفاصيله الدقيقة، البالغة القوة والصَّلابة، الأعداد الأربعة الصادرة عن دار الهادي تحت عنوان "سلسلة المرأة المقاومة. القابضة على الجمر، الصخر ينبت زهراً، أساور من حديد، دعوني أرسم وجهي" من إعداد مركز دراسات المرأة والأسرة والطفل في جمعية الرابطة اللبنانية الثقافية، التي أعلنت أهدافها من إصدار هذه السلسلة، وبقلم رئيستها الفاضلة، الحاجة عفاف الحكيم، مختصرة مسيرة المرأة المقاومة، وتاريخ نضالها المرير، جنباً إلى جنب مع شريكها الرجل حتى لحظة الوصول إلى اليوم الخامس والعشرين من أيار 2000م بقولها: "إن الفعل المقاوم أظهر بأن الحضور الحقيقي للمرأة خصوصاً على مستوى تشكيل الإرادة الشعبية العارمة في مواجهة العدو قادرٌ على إحداث تحولات هامة وحاسمة في مسار الأحداث التي تواجهها الأمة... إن دور المرأة المقاومة الذي دخل التاريخ بعطائه وكان غنياً بدروسه وإنجازاته بات يمثل رصيداً هاماً للمرأة، وبإمكانه أن يكون نواة استنهاض واستقطاب لمختلف الشرائح النسائية في مجتمعاتنا، على امتداد العالمين العربي والإسلامي... وصولاً إلى انخراط الطاقة النسائية في ميدان الفعل المباشر لمواجهة العدو الصهيوني، ومخططاته الخبيثة".

* مداد لا ينضب‏
سلسلة تؤرخ للجهاد النسائي في لبنان؟ مقولةٌ تفتقد إلى الدقة، إنها وبعد تصفحي لأعدادها الأربعة، تبدو تأريخاً للجهاد الإنساني الخالد. جهاد كل الشرائح الإنسانية في هذا الوطن المترامي على مساحة 10452 كلم‏2، أنه نصٌ كتب على ضفاف المقاومة حروفه المتوهجة... ماذا في تفاصيله؟ لقد استقى من أعظم التجارب الإنسانية الحية عناصر خلوده وموارد ريِّه، ماذا عن شكله ولونه... بعد الارتواء...؟ يضيق المجال عن محاكمة نقدية أدبية لكتاب واحد من هذه السلسلة... لذلك تكتفي هذه العجالة برصد أبرز ملامح هذه السلسلة وعرضها... يؤكد تنوع عناوين هذه السلسلة وتنوع أسماء كاتباتها توحد هوية النساء التي كُتبت سيرتهن واللواتي كتبن، تعود هذه الوحدة إلى وحدة "دائرة النفوس" التي صدرت عنها كلتا الهويتين، فمن كتبت بالحبر هنا، كمن كتبت بالدمع والدم، كلتاهما وردتا معاً مورداً واحداً... وصدرتا عن مصدرٍ واحدٍ... هو حياض المقاومة الإسلامية المنبع والمصب... إن وحدة الهدف الذي لأجله قاومن وكتبن وهو تأسيس صرح القيم الإسلامية بإنسانها عزيزاً شريفاً متحركاً تحت أشعة شمس الحق التي لن تغيب هو أمرٌ تؤكده نهايات ما كتب من السلسلة كما أكدته حياً شامخاً نهاية اليوم الخامس والعشرين من أيار 2000م... وفي ذلك تأكيدٌ لانتماء هذه السلسلة روحاً ومضموناً وهدفاً إلى الأدب الإسلامي المقاوم بسمته الإنسانية الخالدة. تتميز أعداد هذه السلسلة بالرموز التي أهديت إليها كل نقطة دمٍ ونجيع وحبر وكل نقطة حرف وردتا فيها... فالعددان الأولان يرفعان إلى أم الشهداء خلاصة أشواق كاتبتيهما وصاحبتي السيرة في آن إلى الزهراء، سيدة نساء العالمين، أما العددان الآخران وليس الأخيرين بإذن اللَّه فهما يتوجهان بعرفان كاتبتيهما إلى الأسيرات وإلى الأُم المقاومة في فلسطين... وذلك في لغةٍ أنيقة، تمتاز بالتكثيف والرِّقة وجمال الصورة الوجدانية التي تتأطر بها هدفاً للمقاومة كما هي هدفٌ للكتابة والإبداع. إن اجتماع الإهداءات الأربعة حول هدفٍ واحد، دون سابق معرفة من الكاتبات ودون اطلاع سابق قبل صدور العدد... يؤشر إلى عظمة الهدف ووحدة المشرب الذي استقت منه صاحبة السيرة والكاتبة في آنٍ ويشير إلى اتحاد المصب باتجاه كلمة واحدة هي العليا... إنها كلمة اللَّه التي كتب في ظلها جهاد الدمع والدم، لينمو في ظلها أيضاً جهاد الكلمة والحبر...

إنها سيرةٌ واحدة لأربع نساءٍ، تتشابه مضموناً وهدفاً وإن تنوعت أحداثاً مما يغنيها بالمادة الأولية الخام مستقبلاً، تستظل في‏ء الفن الروائي بتقنياته المعتمدة على سردٍ يستبق حدثاً مستشرفاً آخر... كما يستريح في مهد السيرة الذاتية لامرأةٍ نموذجية... مشروع قدوةٍ للمستقبل، كل هذا في بنيوية نصٍ تسمو فيه العبارة في ظل جمالية الحدث العظيم حتى يعلن النص بصدقٍ عجزه أحياناً عن الارتقاء إلى عظمة الحدث المقاوم أسراً واستشهاداً... ليقف النص محايداً، تاركاً للذهول وحده ساحة الوجدان المتلقي، بشغف؛ أحداث زمنٍ لم يُسبق منذ خمس وخمسين عاماً. في الواقع، لم يعجز النص، لكنه الحدث، يفوق التصور، يفوق الخيال، فالانتصار ثمرة الجهاد الطويل، كان وما زال زلزالاً ترددت ارتداداته في أقرب جوارٍ قرب الأقصى، كان حدثاً بحجم الأرض، بحجم الماء، شلالاً، هادراً جعل اللَّه منه كل شي‏ء حي... وكل أمةٍ منتصرة، تستحق مجد الكتابة وخلودها.

* فن بديل‏
بل وتستحق أن تنهض مقدِّرات أبنائها الفكرية في كل مجالٍ إبداعي، أدبي وفني... فهذه السلسلة تصلح للإنتاج الفني مع تعديلٍ في بعض نصوصها، حيث تشكل هذه السلسلة بعد صدور أعدادٍ جديدةٍ منها، حلقاتٍ تلفزيونية لمسلسلات طويلةٍ، تواجه بهدفها السامي وأحداثها النبيلة الأفلام المستوردة مؤخراً والمدبلجة من المكسيكية مثلاً... الأمر الذي يشكل لأجيالنا التعبئة النفسية المطلوبة جهادياً، والحصانة الأخلاقية من شجاعةٍ وثباتٍ جسَّدته هذه النسوة العظيمات واقعاً معاشاً على ثغور الجهاد والمقاومة، ورسمته بالحرف والكلمات كاتبات مؤمنات بهذا الجهاد. فالأحداث التي تعرضها الأعداد الأربعة تتسم بالواقعية كونها نتاج تجربة حيةٍ معاشة، لإنتاج خيالٍ أدبي محض الأمر الذي يعكس صداه التأثيري البنّاء الهادف في نفوس المشاهد على اختلاف مرحلته العمرية... وشريحته الاجتماعية... وهي بعدُ، أحداثٌ جديدة، تختزن في تفاصيلها كل عناصر الدهشة والتشويق المتجهة في أطر قيمية هادفة لمجتمع رسالي هادف، يحتاجه المشاهد، لأنه يتوقد لرؤية الرمز الأنثوي الجديد، في حركته الجهادية البطولية، بعد أن سئم النموذج التقليدي.

* القابضة على الجمر
قبل أن ترى باكورة السلسلة "القابضة على الجمر" النور في دار الهادي بزمن بعيد وُلدت إنصاف حسن العاشور والدة الاستشهادي عامر كلاكش "أبو زينب". نشأت في شقراء قرية جنوبية تتنشق من عطر رسول اللَّه التزامها الإسلامي... لذلك كان طبيعياً في ذلك الزمن المقترب من زمن النكسة الفلسطينية الردي‏ء، أن تنشأ "إنصاف" في أُسرةٍ متدينة ترعى أحكام الشريعة السمحاء، في تفاصيل حياتها اليومية... وكان طبيعياً أن تربي انصاف أولادها فيما بعد على ما نشأت عليه هي... كان بديهياً أن ينشأ في بيتها للشهادة استشهاداً نجمٌ بل كوكبٌ دُريُّ... هو عامر الذي نشأ بجوار أمه وتحت جناحها... مؤمناً بخط آل البيت... مشبعاً بمجالس عاشوراء... فكانت نهايته السَّعيدة... بين الحور العين في جنان اللَّه بعد أن اجتاز ممر العبور إلى الآخرة... على متن سيارة حمراء اختلطت بشظاياها أشلاؤه... واتحد نجيعه بلونها الأحمر فما افترقا كلون وحيدٍ لكرامة الاستشهاد وعزته... لا يشحب لون الاستشهاد... لا تعترف تفاصيل الشهادة بلون الزعفران مهما حسُنَ أو جمُلَ... ولا تموت الأمومةُ في قلب أم آمنت بما دفعت إليه فلذة كبدها... بمجرد رحيله... قلباً مرسوماً بملامح ولدها... رحل عامر... وبقيت إنصاف بعده، ترفد الحياة الحرة الكريمة بشهيدةٍ ثانية "نوال"... وأسيرين أشعلا في ظلام المعتقل ضياء أربعة عشر عاماً... ليشعلا خارج المعتقل قناديل النهار الأبدية... بيد والدتهما التي طوت القلب كما الكف على سر الجهاد... فكانت بحق "قابضة على الجمر". تحتاج أجيالنا المحاصرة بالفضائيات من كل قناة، والغارقة في أمواج شبكة الاتصالات الدولية "الانترنت" إلى نموذج "أم عامر" يحيي فيها عظمة الإيمان بشموخ المبادئ والقيم... في زمن وقف فيه الهرم على رأسه، والأصح أن المعايير المادية الطاغية هي التي أوقفته... زمن بات فيه الصادق مكذَّباً... والكاذب مصدَّقاً... والحقيقة يحسن اخفاؤها... دهاء العاجزين إلا عن الدهاء... في هذا الزمن الذي يسود فيه جبناء النفوس الذين يستعدون للسقوط في المواجهة الأولى تلقائياً، قبل أن تسقطهم هذه المواجهة... لأن أهواءهم ورغبتهم في الاستسلام للدِّعة وبعض فتات موائد الأسياد، بعيداً عن منافذ الحرية ومساكب الضوء.

* زهرة الصخر الجنوبي‏
نحتاج لإنصاف حسن العاشور رمزاً كما نحتاج لزهرة الصخر الجنوبي الصامد... السيدة زهرة عبد اللطيف شعيب التي خرجت ببطولة الرجال من دوامة الدخان الأسود الذي لفَّ العاصمة بيروت في اجتياح 82، حريصةً على أب هرم وأطفالٍ صغار، تستطيع بحكمة في قراراتها وشجاعة في تنفيذها، أن تصل بهم إلى الجنوب حيث تبدأ هناك مواجهةً من نوع آخر، مواجهة البطالة السائدة بين فتيات المنطقة... بافتتاح مشغل لخياطة الملبوسات الشرعية وتعقد من ذلك المشغل إلى بيوت فتيات مؤمنات ندواتٍ دينية تشرح فيها أحكام الدين الحنيف، تواكب من خلالها بواكير جهاد المقاومة، حيث تعمل مرشدة اجتماعية توجه نساء منطقتها إلى وجهة الانتصار الحقيقي في محطته الأولى، رفض العمالة والاستسلام للعدو فتقتحم وجر "حسين عبد النبي" تفهم ألاعبيه، تتحدى سطوته وأسطورة الرعب التي فرضها على مواطنيه... وتقودها هذه المواجهة إلى معتقل الخيام ومنه إلى فلسطين، بعد أن واجهت بالصبر والدعاء مرارة التعذيب الجسدي والنفسي ولم يُفد المحققون منها طائلاً... وفي فلسطين وتحت أنظار سجّاناتها فرضت احتفالاً بانتصار الحرية... على طريقتها مع شقيقات الأسر والاعتقال... لتتحرر فيما بعد عزيزة شامخةً... بل جميلةً جمال الزهر الذي يصادفنا. فجأة في درب قاحلة... وقد اختار الصخر منبتاً له.

* أساور من حديد
تشترك قصة رسمية جابر مع قصة زهرة شعيب... فرسمية تجعل القيد سواراً... تتحداه... وتحطِّم أولاً تأثيره النفسي قبل أن تفكك ذراته مذيبةً تماسكه فوق حرارة إيمانها بقضيتها... رسمية شابة مقبلة على الحياة... ولكن حياة الجهاد مع شقيقها الرجل دون الانزواء في ركنٍ قصي معتمٍ بفعل نرجسية أحلامٍ ذاتية مغرقةٍ في أنانيتها. تُعتقل رسمية كما زهرة، تُضبط متلبسة بالجرم المشهود. في ساحة المواجهة تهرِّب شريط دعاء. تؤدي دور الحمام الزاجل في إرسال وإيصال مجموعاتٍ مجاهدة بأخرى مخططة وتخوض بحار العذاب اعتقالاً وأسراً وتعذيباً لا يزيدها إلا شموخاً ولا ينال من صلابتها حتى ترفض حريتها الممنوحة لها لأسيرة مريضة تحتاجها في إيمان الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة لكن الأسيرة المريضة تقنعها أن عليها العودة إلى ساحاتٍ تنتظرها. لا تستطيع هي أن تفعل فيها شيئاً لأنها مريضة، تتوسل إليها أن تغادر إلى الحرية الممنوحة لها بدل أن تصل إلى ما وصلت إليه هي... فخرجت رسمية وقد استودعتها رفيقاتها أوجاعهن، صبرهن الجميل... تعاهدهن على المضي جهاداً... لأن الحق يعرف كيف يزيح عن وجهه كذب العتم ويعرف كيف يحرر معصميه ويفك قيوده من ذلِّ الامتهان للعدو الداخلي أولاً ثم الخارجي.

دعوني أرسم وجهي‏
تختلف "ثنية محمد هاشم" قليلاً، من صيغة عنوان سيرتها، يبدو هذا الاختلاف "دعوني أرسم وجهي" أرسمه فتاة تختار شريك حياتها وفق ما يرضاه اللَّه. دعوني أرسمه زوجةً تشارك زوجها اهتماماته الشريفة ولو على حساب رفاهيتها... دعوني اختلف عن الزوجات اللواتي يغرقن في وثير المقاعد وفخامة الطنافس ودف‏ء الأسرة... دعوني أسهر، أسامر نجوم الليل... أعرِّفها صلواتي ليعود إلي من جهاده ظافراً. دعوني أفرح وأنا أنزع بحب أشواك قدميه اللتين كانتا تنعِّمان الطريق للآتين خلفه... تعبِّدان الوكر للمقاومين... دعوني أرسم ملامح وجهي أماً... تربي أبناءها على مبادئ أبيهم، مبادئه. واللَّه عظيمة. دعوني أرسم ملامح وجهي زوجة لشهيدٍ.... أمسك من يده الراية قبل أن تهوي معه. أعرف أنه هوى... فالتقطه حضن الأرض التي أحبها كما أحبني... أما الراية فلا... ثمة من يحملها بعده... أنه ولده... بل ولداه... ولكن دعوني الآن مرة أخرى أرسم ملامح وجهي أماً ثكلى غدر اليهودي بحلمها... وقطع أعناق السنابل قبل موسم حصادها... دعوني لأبكي ولكن على جراح أمتي... لعل دموعي تغسل ألم الجراح الكبيرة... فتلتئم الجراح كلها.. دعوني أنتصر على وجعي... على حزني وأفرح مع الفرحين يوم الانتصار دعوني أذكر في عرس النصر أعراس شهدائنا وأنا زوجة أحدهم وأم لطفلين منهم. دعوا العرس عرسي ودعوا قلبي واحداً يهوى وجه الأحبة وإن رحلوا فإنهم مع العائدين عادوا حتماً، لتستقبلهم زغاريد الانتصار... هذه هي مضامين الأعداد الأربعة... تجارب جديدة لامرأة هي الأخرى جديدة... إنها المرأة المسلمة المتدينة... المجاهدة، تخوض غمار الحياة... بعفة مريم... وجهاد فاطمة وصبر آسية... وإيمان خديجة... وحق لمن تمثلت هذه الرموز... أن تؤرخ لها سلسلة هي فيها بحق كما قال عنها عليُّ أمير المؤمنين عليه السلام: "النساء شقائق الرجال" والرجال لا ترتضي شقائقها إلا إذا كانت امرأة مقاومة...

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع