أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

مشاركات القراء: النور والظلمة من المنظور العلمي والقرآني

حسن مصري‏

 



لا شك أن القرآن الكريم هذا البيان الإلهي للبشرية جمعاء معجز في كل وجه من وجوهه، ولا يمكن لأحد من العلماء والباحثين الإحاطة بكل ما فيه من اعجاز "فكيف يستطيع الممكن أن يدرك كلام الواجب"(1) (أي كيف يمكن للمخلوق أن يحيط بكلام الخالق عزَّ وجلَّ). ونحن على يقين أنه كلما تقدم الزمن وعكف الباحثون على دراسة القرآن الكريم كلما ظهرت لهم وجوه إعجاز جديدة لم تكن معروفة من قبل. وكما يجد المتدبر في كتاب اللَّه تعالى الكثير من الآيات التي أصبحت اليوم مبادئ أساسية في العلم والمعرفة، يجد أيضاً أن الكثير منها لم يستطع العلم الكشف عن مضامينها إلى الآن. وهذا ما يشير إليه اللَّه تعالى بل ويدعو الإنسان للتعرف إليه بقوله: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (البقرة: 219) ومن هذه الروائع القرآنية والعلمية قضية النور والظلمة حيث نتناول في هذا البحث النور والظلمة معاً من منظور الفهم العلمي ومن ثم المنظور القرآني لهذا البحث:

* تكوين الضوء:
في القرن العشرين ومع تقدم العلوم الكيميائية والفيزيائية النووية أمكن التوصل من خلال دراسات العلماء "هولمز" و"اينشتاين" و"أدنغتون" و"بث" إلى أن الشمس شبيهة بمعمل حراري يستمد طاقته من تحويل ودمج المادة، أي من انصهار نوى (جمع نواة) غاز الهيدروجين وتحولها إلى نوى غاز الهليوم، فالشمس مكونة من 99,9 بالمئة من كتلتها من الغاز (75% هيدروجين و24,9% هليوم) وضوء الشمس يتكون بفعل اتحاد أربع ذرات من غاز الهيدروجين لتتحول إلى ذرة من غاز الهليوم، ومن جراء هذا التحول ينتج ضوء الشمس المؤلف من جزيئات من المادة اسمها الفوتون(2). وبناءاً عليه فإن ضوء الشمس يحتوي على موجات اشعاعية هي الأشعة البيضاء المؤلفة من مختلف ألوان قوس قزح (وهي: الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والنيلي والبنفسجي) وموجات أشعة غير مرئية كالأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية والأشعة المجهولة المعروفة بأشعة إكس (X) وأشعة غاما وموجات الراديو والموجات الصغيرة. ولقد استطاع الإنسان أن يدرس الأشعة غير المرئية ويستعملها بواسطة آلات التصوير بالأشعة المجهولة التي يستخدمها الطب اليوم في تصوير مختلف أعضاء الجسم، وآلات التصوير بالأشعة ما تحت الحمراء وما فوق البنفسجية التي يستعملها علماء الفلك والفيزياء والأحياء(3). وكل هذا هو من مكونات أشعة ضوء الشمس. في العام 1912 جاءت النظرية النسبية العامة لأينشتاين لتؤكد أن الضوء يتأثر بالجاذبية، فهو حينما يمر بمحاذاة كوكب ما ذي جاذبية قوية ينحني مسيره نحو ذلك الكوكب. وهذا ما يدل على أن للضوء جرماً ومادة حتى يقع تحت تأثير الجاذبية.

* منشأ الظلمة:
أما الظلام فقد تبين أن الظلام موجود في هذا الكون، لأنه لا يوجد ما يكفي من النجوم لمل‏ء السماء بالضياء. فبقدر ما يتواجد من الضوء ما يتبدد من الظلام والعكس صحيح. لكن ما هي حقيقة الظلمة؟ هذا ما لم يتوصل العلماء إلى الإجابة عنه بشكل قاطع. كان هذا من وجهة نظر العلم في مسألة مادية النور والظلمة. أما من المنظور القرآني لهذه المسألة، فإننا نرى بأن الآيات القرآنية تشير وبشكل جلي إلى أن لكل من النور والظلمة جرماً وحيزاً يشغلانه، نذكر منها هاتين الآيتين وذلك لشدة وضوحهما وروعتهما في تبيان ذلك:
_ قوله تعالى: ﴿وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (يس: 37).
_ قوله تعالى: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا (الأعراف: 54).

إننا إذا أردنا استنطاق الآية الأولى نرى أن ﴿نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَار أي نستله من الليل(4) والسلخ في الآية هنا بمعنى الإخراج، ولذلك عدّي بمن، ولو كان بمعنى النزع كما في قولنا: سلخت الإهاب عن الشاة، تعين تعديه بعن دون من(5).وقد ذكر الشيخ الطبرسي في كتابه مجمع البيان في تفسير القرآن أن السلخ هو إخراج الشي‏ء، ومنه قوله: فانسلخ منها، أي فخرج منها. وأما قوله تعالى: ﴿وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَار: أي دلالة لهم أخرى ننزع منه ونخرج ضوء الشمس فيبقى الهواء مظلماً كما كان. لأن اللَّه سبحانه يضي‏ء الهواء بضياء الشمس فإذا سلخ منه الضياء أي كشط وأزيل يبقى مظلماً(6). ويمكننا أن نوجه ذلك بالمثال التالي: لو افترضنا أننا في غرفة مغلقة الأبواب والنوافذ في عتمة الليل نرى بأنها تكون مظلمة شديدة الظلمة. وحينما نأتي بشمعة مضيئة نرى بأن نور الشمعة يخترق هذا الظلام الدامس في أنحاء الغرفة. ولو حاولنا أن نوجه ضوء الشمعة إلى جهة معينة بأن وضعنا الشمعة ضمن علبة مكعبة من الورق المقوى السميك مفتوحة من جهة واحدة فقط، نرى أن نورها يضي‏ء تلك الجهة وأما الجهة الأخرى فتبقى مغرقة في الظلام، لأننا وجهنا ضوء الشمعة إلى جهة أخرى. وعليه حينما يخرج الضوء من الجهة المظلمة يصدق ما عبر عنه اللَّه تعالى بقوله: "فإذا هم مظلمون" أي تبقى الظلمة محيطة بذلك المكان. وأما قوله تعالى: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا لعله من أجمل الآيات تصويراً لما ذكرت. فالغشاء هو الغطاء. ويغشي أي يغطي. والحثيث أي السريع الجاد في أمره. ويطلبه حثيثاً أي يتلوه ويدركه سريعاً بمعنى أنه يأتي بأحدهما بعد الآخر فيجعل ظلمة الليل بمنزلة الغشاوة للنهار ويأتي أثره كما يأتي الشي‏ء في أثر الشي‏ء طالباً له(7). إذاً، حينما نوجه ضوء الشمعة من الجهة اليمنى للغرفة مثلاً إلى الجهة اليسرى نلاحظ أن الظلمة تغطي انعدام الضوء في تلك الجهة بسرعة وتشغل الظلمة ذلك المكان. ومما يؤيد ذلك دعاء الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام (زين العابدين) يقول في تسبيحه للَّه تعالى عزَّ وجلَّ: "سبحانك تعلم وزن الظلمة والنور، سبحانك تعلم وزن الفي‏ء والهواء، سبحانك تعلم وزن الريح كم هي من مثقال ذرة، سبحانك قدوس قدوس قدوس"(8).


(1) البيان في تفسير القرآن: للسيد الخوئي، ص‏25.
(2) من علم الفلك القرآني: للدكتور عدنان الشريف، ص‏79 (بتصرف).
(3) من علم الفلك القرآني: للدكتور عدنان الشريف، ص‏86 85.
(4) معجم تفسير مفردات ألفاظ القرآن الكريم: لسميح عاطف الزين، ص‏431.
(5) الميزان في تفسير القرآن: للسيد محمد حسين الطباطبائي، ج‏17، ص‏92.
(6) مجمع البيان في تفسير القرآن: للشيخ أبي الفضل بن الحسن الطبرسي، ج‏8 7، ص‏424.
(7) معجم تفسير مفردات ألفاظ القرآن الكريم: لسميح عاطف الزين، ص‏207.
(8) الصحيفة السجادية: للإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام.

المصادر:
إضافة لما ذكر:
_ القرآن الكريم.
_ المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: لمحمد فؤاد عبد الباقي.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع