أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

أول الكلام‏: الحلم الذي لا يغيب‏

الشيخ يوسف سرور

 



كان الليل قد أرخى سدوله، وأثقل بوطأته فضاء الأمة، تسرّب إلى كل الزوايا والأزقة، نثر العتمة حتى في البيوت. لكأنّ العصر عصر الظلم، عصر الظلمة. الأمة أمم مبعثرة على صدر الجغرافيا، متناثرة في زواريب السياسة، مشتتة في آراء المذاهب، موزعة على اختلاف الرايات. تبحث الأمة عن مجدٍ غابر عفى عليه الزمن... عن كرامة مسحوقة تحت عجلات أنانيات القادة... عن شرفٍ مُداسٍ تحت أقدام الغزاة والمحتلين، تمعن في تدنيسه، هازئة بأصحابه، غير عابئة بالشعب ولا بأربابه.

تبحث الأمة عن حقٍّ أو عن حقوق مغتصبة، تستجدي إرادات الدول، وقرارات مجالس الأمم من أجل استرجاعها. تتسول أعطيات الأقوياء، وهبات المترفين. الأمة في زمن حُطِّمت فيه أسوارها، وديست فيه مناعتها، ضاعت هويتها، هام مثقفوها على وجوههم في فلاة الهجين والالتقاط، حتى نسوا أصولهم وأصالتهم، تنكروا لها وأنكروا على الأصيلين ثقافتهم وعلى الأحرار فعلهم، وعلى الأُباة مواقفهم، وصفوهم بالرجعية ووصموهم بالتخلف. جاء من أقصى المدينة رجلٌ يسعى، جلجل صوته في آذان الآباة، يهز الضمائر النائمة، يوقظ في الأمة إحساساً بالوجود، يحرك فيها شعوراً بالحياة، لتنهض من سباتها وتستفيق من كبوتها، وتنبعث من خمولها. هذا الآتي من خلف أسوار الزمان، يملأ نوره كل أرجاء المكان، يزيح هذه الظلمة المُرْخِية بأثقالها، المطبقة على الأمة مقطِّعةً أوصالها.

هذا الآتي من قلب التاريخ يعيد للأمة أصالتها، أو يعيد الأمة إلى أصالتها، يستعيد لها حرية من خلف قضبان سجون المستكبرين، يكسر كل قيود الذل والتبعية والارتهان. هذا الآتي من وراء القرون يحمل معه كل آمال الأمة، كل ألوان الحياة، كل معاني الأعياد. جاء قائداً كنوحٍ لسفينة النجاة في هذا المحيط المتلاطم، التي لا نجاة للأمة إلا في ركوبها، ولسوف يدرك كل المتخلفين أن عروش المستبدين، وسنام جبال المستكبرين لن تعصمهم من الابتلاع. جاء كإبراهيم، يحطم كل أصنام الأمة، ويسوق الآمال إلى باعثها، والأحلام إلى محققها. جاء ليحارب نمرود زمانه ويكسّر أنياب الشيطان الأكبر. جاء كموسى يحمل للأمة كل الخير وآيات العطاء، يدمر أباطيل كل السحرة بعصا ملكوتية من عند الجبار. يغزو آمال فرعون وأتباعه، ليغرقهم في لجّة بحره الهادر. جاء كعيسى روح اللَّه ليبرئ الأمة من آلامها وأدوائها، يشفيها من كل الأمراض الشرقية منها والغربية. جاء بنور يبصِّر كل عميان الأمة، بصور إسرافيل يخرق حتى آذان الطرشان. هو جذوة من محمد، سهم من سهام محمد جاء رحمة للعالمين، حباً وحناناً يمسح رؤوس أيتام الأمة، بل رأس الأمة اليتيمة الغائب عنها أمامها.

هو آتٍ كعلي، بل هو رشحة من فيض علي، لزمان صار الحلم فيه ذنباً وجرماً، جاء هو يفتك بجنود الجهل، بجيوش الظلم، يبدّد هذا الليل الدامس، ملاحقاً كلَّ فلوله المنهزمة. جاء كالحسين، هو نقطة من دم الحسين الجاري إعصاراً يهدر، يقلع كلَّ خيام القهر، كل جيوش الكبت القابض على أعناق الأحرار، فكل ما عندنا من عاشوراء الحسين. هذا روح اللَّه، هذا الهادي، المنذر، يمسك بأيدي الحيارى يرشدهم إلى أسباب العزة، يدلهم مقالع الرجال الرجال، يسقيهم من نبع الحسين حماسة، شجاعة، إقداماً، تضحية وإباءاً. بنى دولة المستضعفين مثالاً للاستقلال من كل تبعية، شاهداً على قدرة المقهورين على قهر القهر والعيش بحرية وأمان، واستغلال ثروات الأرض وخيرات السماء، وقطع أيدي ناهبي العالم عن أرضنا وبلادنا وأوطاننا. جاء يقدم أنموذجاً يحتذى من تحدي كل الأخطار، ومواجهة كل الأحلاف، ومقارعة كل الشياطين الكبار والصغار، لتظل بلادنا علماً شامخاً، صخرة تتحطّم على أقدامها كل آمال العتاة وطموحات الغزاة. لقد قدم لنا الإمام الخميني المقدس دولة قوية مبنية على أساس علمي إسلامي، تمارس سيادتها من قلب الإسلام المحمدي الأصيل، في قلب غابة تعجّ بالوحوش من غير أن تجرؤ على الاقتراب منها... فعل كلّ هذا ثم عرج بروح مطمئنة وقلب هادئ. رحل الخميني وظل: وحدة متماسكة أحبط كل أحابيل الشيطان. قوة تهابها كل قوى الأرض العظمى، التي قال: "إنها قوى وهمية، فالقوة الحقيقية الوحيدة في هذا العالم هي قوة اللَّه، ونحن نستمد قوتنا من قوته". مقاومة تبعث اليأس في نفوس كل الطامعين والطامحين. قائداً، بيرقاً، علماً، حكمة، نوراً يسطع في عتمة الأمة، درة فوق جبينها. فالخميني هو حقيقة حية دائمة. سلام اللَّه عليك يا روح اللَّه.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع