أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

مشاركات القراء: معادلة الإيمان والعمل الصالح‏..كيف نستوفي شروطها؟

إيمان شبلي‏

 



عند التأمل في كتاب اللَّه تعالى تطالعنا الآية المباركة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ... (يونس: 9). ومنها نستشفّ أن الإيمان هو السبيل الذي إن سلكه العبد اهتدى لربه، وبقدر ما تكون همَّته عالية، وقدمه صادقة في سلوكه؛ بقدر ما يكون هذا العروج سريعاً وثابتاً، فيجزيه اللَّه من فضله أفضل الجزاء، يقول اللَّه تعالى: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ.. (الروم: 45). إنّ للإيمان حقيقة، وأركاناً، وشرائط، لا بد أن يقف عليها العبد السالك إلى ربه، والساعي للقائه، حتى لا تضل به السبل أو تشتبه عليه الطرق. ومن هنا كان لا بد من تعريف الإيمان وتوضيح معناه، حتى يكون السلوك عن بصيرة، لأنه وكما قال الإمام الصادق عليه السلام: "العامل على غير بصيرة، كالسائر على غير الطريق، لا يزيده سرعة السير إلا بعداً"(4).

* ما هو الإيمان؟
الإيمان حالة شعورية بحضور اللَّه تعالى، يعيشها العبد، وإحساس داخلي يرافقه في كل حركاته وسكناته، يجعله متوجهاً للحق تعالى، ملتفتاً إليه، وكأنه يراه أمامه وخلفه، وعن يمينه وشماله، بل يرى اللَّه في كل شي‏ء فعلاً وحقيقةً. الإيمان يعني أن نتلمس بقلوبنا وأرواحنا وجود اللَّه تعالى، وأن ندرك أنّ هذا الوجود (اللَّه)، هو الأقرب إلينا من حبل الوريد، وهو معنا أينما كنا، وهو العالم بالسر وأخفى. وهذا الشعور الإيماني إن كان صادقاً، فسيدفعنا تلقائياً نحو الطاعة للَّه، وأداء التكليف، والامتثال لما أمر به اللَّه تعالى.

* اقتران الإيمان بالعمل الصالح‏
هنا يكمن السر والسبب في اقتران الإيمان بالعمل الصالح في كثير من الآيات القرآنية التي يكون موضوعها ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا، حيث نلاحظ أن أغلب الآيات قد ذكر فيها بعد قوله ﴿الَّذِينَ آَمَنُواِ عبارة ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ. مثال ذلك، قوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ.. (العصر: 3). ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ... (الشورى: 26). ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (البينة: 7). فذلك الاقتران يشير إلى أن العمل الصالح هو الترجمة العملية لما في القلب من إيمان وشعور بحضور اللَّه تعالى، وإلاّ فإنّ ادّعاء وجود الإيمان في القلب دون ظهوره عملاً صالحاً، وطاعة للَّه تعالى، وامتثالاً للتكليف، لا يُعَدُّ إيماناً، بل هو مجرد إسلام ظاهري في أحسن الحالات. يقول اللَّه تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (الحجرات: 14). نلاحظ في هذه الآية المباركة أن تحقق صبغة الإيمان مشروط بدخول هذا الإيمان إلى القلب، ثم ترجمته بالطاعة للَّه ولرسوله، فالإيمان ليس مجرد فكرة نظرية، أو كلمة قولية، تصدر ممن اعتقد أنّ اللَّه خالقه، وقد أشار إلى ذلك مولانا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بقوله: "الإيمان معرفة بالقلب، وإقرارٌ باللسان، وعملٌ بالأركان"(5). وبهذا تحدّدت أركان الإيمان وأسسه:
- المعرفة القلبية.
- الاقرار اللساني.
- العمل والطاعة.

* العلاقة بين الإيمان والعمل الصالح:
إن العلاقة ما بين الإيمان والعمل الصالح لا يمكن أن تنفك بحال من الأحوال، وهي علاقة متبادلة، وكل منهما دليل على الآخر، إذ كلما وُجِدَ الإيمان تحقق العمل الصالح، وكلما وُجِدَ العمل الصالح رفع من نسبة هذا الإيمان ودلّ عليه، يقول اللَّه تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ (فاطر: 10). فليس كل عمل خيّر وذي فائدة يندرج تحت العمل الصالح، لأن العمل الصالح شرطه الإيمان حتى يُعَّد صالحاً، فإن انتفى الإيمان كان العمل عملاً ذا فائدة ليس إلا، وفرقٌ كبير بين العمل الصالح الذي تتوسع آثاره لتمتدّ لما بعد الحياة الدنيوية، وبين العمل ذي الفائدة الذي تبقى آثاره في إطار الحياة الدنيا، وسر ذلك يكشفه الشهيد مطهري رضوان اللَّه تعالى عليه في كتابه: (العدل الإلهي) حيث يقول: (ويشترط لكل عمل لكي ينال الوجه الملكوتي الرائع "العلِّيين" أن يُؤَدَّى والعامل متجه به إلى اللَّه حتى يصعد إليه، فإذا كان العالم غير مؤمن بيوم القيامة، ولا متجهاً إلى اللَّه في عمله، فلا يمكن أن يملك عمله وجهاً ملكوتياً... والعمل الذي يصل إلى الملكوت الأعلى هو الذي حلّ فيه الروح، وروح العمل ليس إلا الوجه الأخروي له) انتهى(6).

ولتوضيح الفكرة نمثّل بهذا المثال: لو أن شخصاً بنى مستشفى، أو قدّم مساعدات ماليَّة مثلاً للفقراء والمحتاجين، ولم يكن فعله هذا نابعاً من الإيمان، فإن أثر هذا العمل يعود إليه في حياته الدنيوية، كأن يرزقه اللَّه مالاً مقابل ماله الذي أنفقه، أو يصرف عنه سوءاً ما، أو يمنّ عليه بحسن السيرة والسمعة، إلاَّ أن هذا العمل لا يصعد إلى اللَّه ولا يرتفع إليه، بل يبقى في الدنيا لأن نيَّته كانت محصورة في الدنيا، ولو كان هذا العمل للَّه لنمى وكبر وارتفع إلى اللَّه تعالى. يقول اللَّه تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (الإسراء: 19- 18). وقال مولانا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى اللَّه ورسوله فهجرته إلى اللَّه ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه"(7). وبناء لما تقدم تكون المعادلة بين الإيمان والعمل الصالح على الشكل التالي: الإيمان مرهون بالعمل، وقبول العمل مرهون بصلاحه، ولا يصلح العمل إلا بالإيمان. فلا إيمان بدون عمل، ولا عمل صالح بدون إيمان. وحين تستوفي المعادلة شروطها؛ تتوسع آثار الإيمان والعمل الصالح لتظهر في الدنيا، وفي الآخرة أيضاً.

* الخاتمة:
بقي أن نقول بأن العمل الصالح لا يمكن حصره ضمن مصاديق محدّدة، بل هو دائرة تتسع لكل عمل، أو قول، أو فكرة، أو ظاهرة، أو قصد، ينبع من الإيمان الصادق، ويصب في ساحة القرب الإلهي. وهذا معناه أن العمل الصالح يصدق على أداء الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات، والتخلق بالأخلاق الفاضلة، ونشر الخير والمنفعة للآخرين وإسعادهم بما يرضي اللَّه تعالى ولو كان عبر كلمة طيبة. نسأل اللَّه تعالى أن يجعلنا من الذين قال عنهم في كتابه الكريم: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً (النمل: 97).


(1) ميزان الحكمة، محمدي الري شهري، المجلد السادس، ص‏155، مطبعة مركز النشر، 1370ه.ش.
(2) نفس المصدر السابق.
(3) نفس المصدر السابق.
(4) أصول الكافي ج‏1، للكليني، ص‏43، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1388.
(5) ميزان الحكمة، محمدي الري شهري، المجلد الأول، ص‏301، مطبعة مركز النشر، 1370ه.س.
(6) العدل الإلهي، الشيخ مرتضى مطهري، ص‏349، الدار الإسلامية، الطبعة الثانية، 1985م.
(7) المحجة البيضاء، المحقق الكاشاني، الجزء الثامن، ص‏103، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، سنة 1403ه، 1983م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع