أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

الحريّة الإعلامية في الغرب‏..المنار يُسقط الحضارة الغربية بالكلمة الصادقة

موسى حسين صفوان‏

 



قضية "تلفزيون المنار" الذي بات يشكل المتنفس الإعلامي للملايين من الجاليات العربية والإسلامية في بلدان العالم كافة، باتت عشية استعداد الداوئر السياسية لاستحقاقات مصيرية تاريخية على مستوى المنطقة، القضية رقم واحد... وذلك أن تفاصيل ما يحاك من مؤمرات، وما يرسم من سيناريوهات للقضية الفلسطينية بشكل خاص، وللمنطقة بشكل عام بدءاً من سوريا ولبنان مروراً بالعراق وإيران، تحتاج، كما يدرك ذلك جيداً محيكوها، إلى مزيد من الضباب ليتم تمريرها بهدوء، وهذا ما لا يتأتى مع وجود محطة إعلامية بحجم المنار، ترصد وتراقب وتعرض الحقائق وتكشف المغالطات وتفضح المؤامرات وتفتح أعين الرأي العام على حقيقة ما يجري في المنطقة من سيناريوهات سياسية تحيكها الدوائر الغربية...

كل ذلك ما يجعل من إجراء إيقاف البث الصادر بحق تلفزيون المنار، صفحة يتساءل المرء ماذا بعدها؟ والحقيقة أنه لم يكن غريباً إيقاف "تلفزيون المنار" في الفضاء الأوروبي والأميركي، فالغريب هو السماح له حتى هذا الوقت... أما الحديث عن الحرية والديمقراطية والتعددية في المجتمعات والدول الغربية، فهو حديث بات فاقداً لمضمونه في ظل الإزدواجية التي تتعامل بها الدول الغربية مع المنطقة. كما أنه ليس غريباً أن تسبق دولة مثل فرنسا، تعول كثيراً على رصيدها الثقافي في ظل تراجعها الكبير أمام الآلة العسكرية الأميركية، ليس غريباً أن تسبق أميركا إلى اتخاذ مثل هذا القرار، فقد عمدت منذ أكثر من عام، وتحديداً منذ أن أظهر استطلاع الرأي الذي أجراه "اليورو باروميتر" أن أكثر من 60% من الأوروبيين يعتقدون أن (إسرائيل) وأميركا تشكلان خطراً بالغاً على السلام الدولي... فمنذ ذلك الحين توجهت بوصلة دوائر القرار في أوروبا باتجاه المنطقة، وتحديداً باتجاه الحركات التحررية فيها، والتي باتت تؤثر ليس فقط في الرأي العام الإسلامي والعربي، بل حتى في الرأي العام الأوروبي، وذلك من خلال نشر الوقائع المريعة للتجاوزات اليومية (لجيش الدفاع الإسرائيلي) ضد المدنيين والأطفال والنساء والبيوت في الأراضي الفلسطينية، هذا من ناحية، ومن خلال نشر الفضائح والجرائم التي ارتكبها الجيش الأميركي إبّان غزوه للعراق، والتي ليس أقلها فضائح سجن أبو غريب وغيرها من المجازر المروعة...

والحقيقة أن الرأي العام في العالم الغربي سرعان ما يؤثر على القرار السياسي من خلال الانتخابات، ولذلك سارعت المنظمات الصهيونية، والأحزاب اليمينية المساندة للمشاريع الصهيونية إلى الدفع باتجاه تزوير الرأي العام الغربي، حتى تستكمل دوائر اتخاذ القرار مشاريعها... فكان تأسيس مرصد في فرنسا لمراقبة نسبة العداء للسامية، ثم اتخاذ قرار ضد الحرية بحق الحجاب الإسلامي تحت عنوان الإشارات الدينية البارزة... ثم المشاركة الفعّالة لاستصدار قرار مجلس الأمن 1559، القرار الذي ينتهك ميثاق الأمم المتحدة، ويتعدى على شرعية الدول ذات السيادة لمصلحة المشاريع الصهيونية وأمن (إسرائيل) في المنطقة ثم تلاه قرار إيقاف "تلفزيون المنار" الذي ظهر أمام الرأي العام بكل وضوح أنه فاقد للمبررات القانونية. إضافة لقرارات قادمة تأتي في سياق الضغط على المنطقة لمصلحة "أمن إسرائيل" والتي منها قرار تخفيض عديد قوات الطوارئ لزيادة الضغط على الدولة اللبنانية لتغيير سياستها الداعمة للمقاومة، وإرسال الجيش إلى جنوب لبنان بهدف حماية حدود "إسرائيل"...

* اللوبي الصهيوني يتحرك‏
سمح المجلس الأعلى الفرنسي للإعلام المرئي والمسموع في 19 تشرين الثاني ببث تلفزيون المنار لمدّة سنة، مرفقاً قراره بشروط صارمة جداً، ومذ ذاك ثارت ثائرة المنظمات الصهيونية والأحزاب الفرنسية المؤيدة (لإسرائيل) فضلاً عن الأحزاب الإسرائيلية، وبدأت حملة شرسة من الضغوط على المجلس الأعلى الفرنسي للإعلام، لمنع بث المنار...

السيد حسن فضل اللَّه مدير الأخبار في "المنار" والمكلف بمتابعة ملف القضية يخبرنا بحقيقة ما جرى:
"القضية المشار إليها ضد المنار، بدأت منذ السنة الماضية، عندما عمد المجلس التمثيلي اليهودي، المسمى "كريف" إلى إثارة مجموعة من الدعاوى ضد المنار، بحجة أنها تحرض ضد ما يصطلح عليه "السامية"... ونقلت القضية إلى المحكمة العليا في فرنسا، وبعد مفاوضات مع السلطات الفرنسية، ومن ثم جلسة محاكمة في باريس توصلنا إلى اتفاق، بناء على قرار قضائي فرنسي مع المجلس الأعلى للمرئي والمسموع في فرنسا في 19 تشرين الثاني... هذا الاتفاق لم يرق (لإسرائيل) ولا للُّوبيات الصهيونية في فرنسا، فعمدت بمساعدة الحزب الاشتراكي الفرنسي إلى التحريض مجدداً ضد المنار والمطالبة بالغاء الاتفاق، (وقد صرّح الناطق باسم المنظمة المذكورة بذلك، كما اعترف وزير الخارجية الإسرائيلي بدور السفارات الإسرائيلية والمنظمات الصهيونية في التحريض لاتخاذ هذا القرار).

من جهته، المجلس الأعلى الفرنسي للمرئي والمسموع، أحال القضية مرّة أخرى إلى القضاء، بدعوى أن المنار خالفت الاتفاق، على أساس أن المنار نقلت تصريحات لأحد الضيوف يتحدث فيها عن نشر الصهاينة للأمراض عبر التبادل التجاري، وأيضاً على خلفية تسليط الضوء على المقاومين بطريقة اعتبرها تحريضاً على العنف".

* القرار السياسي‏
ويبدو واضحاً أن المبررات التي استخدمت لاتخاذ القرار لم تكن كافية، ولم تكن حتى مقنعة للقضاء الفرنسي فالذي يتحدث على الهواء لا يمكن مراقبة كلامه من الناحية التقنية، وفي مثل هذه الحالات التي تحدث كثيراً في المحطات التلفزيونية خاصة في البرامج التي تبث مباشرة على الهواء، يكفي الاعتذار أو التنبيه، إلا أن القرار تم اتخاذه تحت سقف سياسي، وليس تحت سقف قضائي وهذا ما يفهم من خلال التصريحات المتعاقبة، والحوارات التي ما تزال تجرى بين إدارة المنار، وأصحاب القرار في فرنسا وأميركا... فبينما تعلن أميركا موقفها بصلافة وبدون الحاجة إلى تبريرات أكثر من تصنيف "حزب اللَّه" على لائحة الإرهاب، واعتبار "قناة المنار" مجرد صوت لحزب اللَّه، يجري عليه ما يجري عليها، فإن الدوائر الفرنسية تقول وعلى لسان رئيس مجلس الوزراء الفرنسي: "أن برامج "قناة المنار" التلفزيونية لا تتناسب مع قيم فرنسا" تماماً كما أن "الحجاب" لم يكن ليتناسب مع القيم الديمقراطية الفرنسية.

* القيم في الميزان
وفي هذا المجال بشكل خاص يقول السيد حسن فضل اللَّه: "مفهوم القيم الذي طرحه رئيس الوزراء الفرنسي يدخلنا في سياق آخر لهذه الحملة ضد المنار، لأن قيم المنار تنطلق من ثقافتها العربية والإسلامية، وطبعاً هناك اختلاف في بعض هذه القيم لاختلاف الثقافة بين مجتمعين وبنيتين. لكن إذا أردنا أن نأخذ بعض القيم الفرنسية، فإن موقف مجلس الإعلام الفرنسي من المنار يخالف حتى هذه القيم، وبالمجمل في هذه النقطة لا يمكن لا لتفسيرات المجلس الأعلى للمرئي والمسموع للمصطلحات والمفاهيم، ولا قيم السيد "رافاران" أن تفرض نفسها، وأن يتم تعميمها على وسائل الإعلام غير الفرنسية، وإلا يمكن لأي دولة أو لأي جماعة أن تفرض نفسها على الأخرى... وهذا مناقض لحرية الإعلام، وحق الآخر بأن يبدي رأيه وهذا الأمر بالذات كان مرفوضاً في فرنسا في سياق مواجهة الأمركة للثقافة الفرنسية، ومن ناحية أخرى، فإن فرنسا نفسها تبث عبر وسائل إعلامها التي تحظى بامتيازات في الفضاءات العربية وخاصة لبنان كثيراً من المواد المخالفة لقيم المجتمعات العربية والإسلامية ولا أحد يدعو لإقفالها!...". وهكذا يبدو أن حجة "تلفزيون المنار" حجة قوية فيما لو تمت مراعاة القوانين القضائية والأعراف الديمقراطية إلا أن الموضوع برمته يدخل ضمن إطار الصراع السياسي وما يمكن أن يطلق عليه صراع الحضارات، والذي تسقط عنده كل قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويصبح المنطق المعبر هو منطق القوة الذي يقبل ما يشاء ويبرر ما يشاء...

* التضامن اللبناني والعربي‏
والأمر الذي يبعث على الأمل والتفاؤل إزاء كل ما جرى هو حجم التضامن اللبناني والعربي مع قضية المنار، حتى باتت "المنار" عنواناً للقضية العربية والإسلامية التي تواجه استكبار المشاريع الغربية في المنطقة. ففي فلسطين، اعتصام تضامني في غزّة، وتصريحات عديدة من المسؤولين كافة تعتبر أن المنار استُهدفت لمناصرتها للقضية الفلسطينية، وفي مصر حملة تضامن مع المنار، وفي الجامعة العربية، وفي العديد من المؤسسات الإعلامية العربية، أما في لبنان، فقد كانت قضية المنار، كما رأينا وسمعنا، القضية الوطنية الأولى والتي استقطبت تعاطفاً تجاوز الخلافات السياسية، وأجمعت عليه المعارضة قبل الموالاة. وفي ذلك يحدثنا السيد فضل اللَّه: "القضية ليست فقط قضية المنار، إنها قضية حرية الإعلام العربي في نقل وقائع قضاياها، وفي طليعتها القضية الفلسطينية، لذلك فإن لبنان دولة ومجتمعاً أهلياً تبنى بالكامل هذه القضية واعتبرها قضيته، وهذا ما حدث، وقد صدر تكليف رسمي من مجلس الوزراء اللبناني لمتابعة هذه القضية، وأيضاً تم تشكيل اللجنة الإعلامية التي تحركت لمتابعة القضية على مستوى لبنان... وعلى مستوى العالم العربي، سمعنا تصريح أمين عام جامعة الدول العربية، ومواقف اتحاد الصحفيين العرب، وكلها تصب في إطار التضامن لأن المطلوب هو أن يكون هناك موقف لبناني وعربي يواجه الحملة السياسية الإسرائيلية التي حدثت في فرنسا...".

وقد عبر عن أمله بأن يتمكن الفريق الفني من إيصال بث المنار إلى مشاهديها عن طريق أقمار أخرى... والخلاصة التي يجب أن تحظى باهتمامنا هي أن الجمهورية الفرنسية التي دأبت على إبقاء مسافة بينها وبين أميركا في مشاريعها الشرق أوسطية، يبدو أنها تراجعت عن أسلوب الشريك الخصم، إلى أسلوب الشريك الرديف بعد أن فشلت على ما يبدو في استقطاب محور سياسي يناجز المحور السياسي والعسكري الأميركي وهذا ما سوف يدخل المنطقة في مرحلة أكثر ضبابية مما كانت عليها في المرحلة الماضية.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع