نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

المصطلح اليهودي: العداء للسامية Anti-Semitism جذوره التاريخية، ودوره في الخريطة السياسية المعاصرة


موسى حسين صفوان‏


استطلاع الرأي الذي أجراه المرصد الأوروبي لقياس الرأي العام (الأوروبروميتر) التابع للمفوضية الأوروبية أظهر نتائج مثيرة للقلق بالنسبة لدوائر الاستكبار العالمي التي تملك مفاتح القرار السياسي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل... فقد أظهر الاستطلاع أن 59% من مواطني الاتحاد الأوروبي يعتبرون إسرائيل الأكثر تهديداً للسلام العالمي، بينما اعتبر 53% من الأوروبيين أن أميركا، بسياساتها الاستكبارية والعنصرية تشكل خطراً على السلام العالمي(1)...
 

هذه النتائج رغم الحركة الدبلوماسية الواسعة التي سببتها باتجاه فصل الموقف السياسي الأوروبي، عن الجو العام الذي يظهره الاستطلاع، خاصة بعد ظهور الشراكة الأميركية الإسرائيلية في الحرب ضد العراق، أعادت إلى السطح الموضوع الذي عنونه اليهود ب العداء للسامية، والذي لا تكاد ذاكرة الإنسان الأوروبي تنساه، رغم كل الجهود التي بذلتها وسائل الإعلام الغربية طوال العقود الخمسة الماضية لتحسين صورة اليهود من ناحية، وفصل الحركة الصهيونية والكيان الصهيوني الغاصب المسمَّى بدولة إسرائيل عن التقاليد والأعراف اليهودية وما كانت تثيره من حساسية تجاه المجتمع المسيحي على امتداد التاريخ... وإذا كان ما أطلقوا عليه اسم العداء للسامية، لعب دوراً كبيراً في قيام دولة (إسرائيل) من خلال عقدة العداء لليهود، وما تعرض له اليهود بسببها من اضطهاد ومهانة، ونبذ عنصري من كافة البلدان الأوروبية، ومن خلال ما دفعته الشعوب الأوروبية على مدى قرون من تعويضات لليهود بسبب تلك المظالم المدَّعاة والتي منها (الهولوكوست) أو المحرقة، وإذا كانت مسألة العداء للسامية هذه، هي العنصر (السيكولوجي) الأساس في استدرار عطف الشعوب الارية والإنكليكانية ومساعدتها للدولة الصهيونية؛ فهل ستكون اليوم هي عينها سبباً لجولة جديدة من القطيعة بين اليهود والصهاينة بشكل خاص، وبين الشعوب الأوروبية، وهل ستجد إسرائيل نفسها فجأة أمام عزلة دولية حقيقية، إذا ما تعاظمت حركة الوعي عند شعوب العالم المتحضر؟...

هذا ما تحاول الدوائر المسؤولة تفاديه من خلال سلسلة من الإجراءات، ليس أقلها ما أعلنه رئيس المفوضية الأوروبية (رومانو برودي) من قلقه العميق حيال نتائج الاستطلاع، وما صرح به باسم المفوضية (جراسيموس توماس)، من أن المفوضية ستبحث إمكانية إعادة طرح الأسئلة، أو ما دعا إليه الموفد الأوروبي إلى الشرق الأوسط. (مارك أوتي) من ضرورة قيام حوار بين الاتحاد الأوروبي والكيان الإسرائيلي بهدف إعادة تلميع صورته وإظهار وجهه الحضاري والتعمية على ما تقوم به الالة الإسرائيلية من دمار بيوت وقتل أطفال ونساء في الأراضي المحتلة... ولعل ما شهدته جنيف من مفاوضات بين شخصيات فلسطينية وأخرى يهودية يصب في ذات الاتجاه.
المفهوم والجذور التاريخية:

بعيداً عن يوميات السياسة، وما تحمله من مؤشرات، ما هي اللاّسامية Non-Semitism، وما هي أسبابها التاريخية وظروف نشأتها في المجتمعات الأوروبية؟... هناك مصطلحان موضوعان في التداول، وهما العداء للسامية Anti-Semitism، واللاسامية Non-Semitism, ورغم أن البعض يحاول التفريق بينهما، باعتبار أن اللاسامية لا تعني بالضرورة العداء للسامية، إلا أن الداوئر الصهيونية واليهودية تتعاطى معهما على حد سواء على اعتبار أن كل ما هو غير يهودي هو عدو لليهود، وهي أي إسرائيل تحاول جاهدة حصر السامية باليهود، طبعاً لأغراض سياسية. وقد تم تعريف المصطلح في معجم (ويسترز) بأنه: عداء لليهود، أو محاباة ضدهم كجماعة دينية أو عرقية أو اثنية أو سلالية عنصرية. أما موسوعة (بريتانكا) فترى أن العداء للسامية هي معاداة لليهود تتراوح بين الكراهية المعتدلة والضغينة... والتي يعبر عنها بأساليب عنفية، وإنها موجودة إلى حدٍّ ما في أي مكان يستوطنه اليهود في الشتات. الموسوعة فيما يبدو أنه سبباً أساسياً؛ بالنسبة إلى المسيحيين الأوائل، كون اليهود صالبي المسيح وهو زعم... ظل طوال قرون المسوغ لمعاداة السامية(2). ولا يصعب على المتتبع لمعرفة جذور وأسباب ذلك العداء الذي تحول إلى عقدة يصعب السيطرة عليها عند الشعوب الأوروبية بشكل خاص، خاصة إذا عرفت السيرة اليهودية المليئة بالضغينة على الشعوب غير اليهودية، التي يطلقون عليها لفظ (غوييم)... ويظهر بشكل واضح وجود سببين تاريخيين فضلاً عما ابتدعته الشخصية اليهودية العدوانية كل يوم من أسباب وهما:

السبب الديني: وتعود جذوره إلى بدايات ظهور المسيحية في فلسطين، حيث وقف اليهود موقفاً معادياً للسيد المسيح (وصلبوه) حسب الأناجيل أو هم هموا بصلبه حسب ما جاء به القران الكريم... وقد كان راكزاً في الذهن المسيحي أن كل يهودي هو مشارك في قتل المسيح، ومن ثمّ‏َ في اضطهاد تلاميذه ورسله، مما حدا بهم للهجرة إلى أوروبا لنشر ديانتهم التي تدعو إلى المحبة والرحمة، وحيثما انتشرت هذه الديانة، انتشر معها كره اليهود، أولئك التجار الذين يعتدون على حرمة الهيكل، ويقتلون الأنبياء، ويصلبون المسيح، وبهذا أصدر المجمع المسكوني الأول المنعقد عام 325م قراره بتكفير اليهود واعتبارهم هراطقة وقتلة المسيح(3)، وكان من الطبيعي أن يجلب هذا القرار معه تلك الكراهية لليهود التي تحولت إلى دين يعتقد به المؤمنون بالمسيحية. السبب الاقتصادي، ويمكن القول أيضاً السبب الاجتماعي، فإن اليهود حيثما وجدوا كانوا يعيشون في (غيتويات) مغلقة ويتركون دائماً مسافة بينهم وبين الشعوب الأخرى، ناجمة عن شعورهم بأنهم شعب اللَّه المختار، وأن بقية الشعوب ما هي إلا (الغوييم)، وأدى ذلك إلى تحول اليهود إلى منبوذين اجتماعياً حيثما حلُّوا، إضافة لحبهم الشديد للمال وجمعه بشتى الطرق التي عادة ما تخلو من القيم والأخلاق، فهم يجمعون المال عن طريق الربا، والقمار والفساد الأخلاقي، وما شابه مما جعل اليهودي منبوذاً لدى الشعوب الأوروبية حيثما حل. تاريخياً، بدأ اليهود بالهجرة إلى أوروبا متسللين بعد احتلال الرومان لبيت المقدس. وما لبثوا أن دفعوا الشعوب والحكام إلى كراهيتهم... ويذكر التاريخ قيام فتن متلاحقة ضد اليهود في القرنين الرابع عشر والخامس عشر في كل من روسيا وأوروبا الوسطى، ويعتبر المؤرخون أن سبب هذه الفتن هو استغلال اليهود للفلاحين الفقراء عن طريق الربا الفاحش، ويوافق المؤرخ الإسرائيلي (إسرائيل شاحاك) على هذا الربط بين اضطهاد اليهود وبين الظلم الذي كانوا يُلحقونه بالسكان من طرق الربا والرشوة وسيطرتهم على سوق المال(4).

ولهذا السبب أصدر الملك فيليب ملك فرنسا قانوناً بطرد اليهود من فرنسا العام 1306، وعام 1394 حكم بالإعدام على كل يهودي لا يزال في فرنسا، وللأسباب نفسها طردتهم بلجيكا سنة 1370م، وهولندا سنة 1344م وألمانيا عام 1551م. وبعد خروج المسلمين من الأندلس، ألقى الواعظ الإسباني (هيرناندو مارتينيز) خطبة ضد اليهود اتهمهم فيها بقتل المسيح وأنهم أعداء كل مجتمع شريف فثار المسيحيون وامعنوا في اليهود قتلاً... وبعد الحرب العالمية الأولى تحول مصطلح اللاسامية إلى سلاح شرس بيد الصهاينة، وسخروه من أجل إقناع اليهود بالهجرة إلى فلسطين، يقول (تيودور هرتزل) في مذكراته: "إذا قدر لي النجاح في جعل المشكلة اليهودية في غاية الحِدَّةَ، فإن تعرض اليهود للاضطهاد هو الطريق الوحيد الذي يضمن لي الوصول إلى غرضي..."(5). وهكذا بدأت مرحلة جديدة عنوانها استثمار الاضطهاد ضد اليهود لتأسيس دولة لهم ظالمة في فلسطين.


(1) المستقبل، تداعيات الاستطلاع الأوروبي 5 11 2003.
(2) غسان غصن، الحياة، اللاسامية، 2 10 2000.
(3) د. محمد نابلسي، ظهور مصطلح معاداة السامية، الكفاح العربي، 4 7 2000.
(4) المصدر السابق.
(5) عبد الرحمن الهلوش، اليهود وهم السامية، الكفاح العربي، 20 4 2002.

أضيف في: | عدد المشاهدات: