أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

أدب ولغة: التوبة في الشعر العربي‏

فيصل الأشمر

 



تنوعت مواضيع الشعر العربي بتنوع القضايا والهموم التي كانت تشغل بال الشعراء، وبتنوع الحالات النفسية لديهم أيضاً. ولما كان بعضهم يراجع علاقته بالباري تعالى، ويكتشف تقصيره أو سوء عمله، كان يلجأ إليه تعالى معلناً توبته، مبرزاً هذه التوبة بأبيات شعرية تناسب المقام. وأحياناً أخرى كان بعض الشعراء يرى سوء أفعال بعض الناس من حوله، فيتوجه إليه بالنصيحة والدعوة إلى التوبة.

وفيما يلي بعض النماذج مما قاله الشعراء في موضوع التوبة، مما يسمح به حجم هذه المقالة: يخاطب ابن المعتز بعض الناس، (ولعله يخاطب نفسه)، داعياً إياه إلى التوبة لأن الموت أقرب مما يتصور إليه فيقول:
 

جَدَّ الزَمانُ وَأَنتَ تَلعَبْ العُمرُ في لا شَي‏ءَ يَذهَبْ‏

كَم قَد تَقولُ غَداً أَتو بُ غَداً غَداً وَالمَوتُ أَقرَب‏ 


ويناجي أبو مسلم العماني ربه، مستجيراً برحمته تعالى من ذنوبه، فيقول:

بسوء الاختيار عصيت ربي

‏ وتلك قضية منها أتوبُ‏

بصرتَ بزلتي سراً وجهراً

وسرك ليس تهتكه العيوبُ‏

برأفتك استجرتُ من الخطايا

فكل مكاسبي إثمٌ وحوب(1)

برئتُ إليك مما لست ترضى

 وأنت على براءتيَ الرقيبُ‏


أما الفشاري فيدعونا للمبادرة إلى التوبة، قائلاً:
 

فلا تتأخَّرْ للمتاب ولا تَقُلْ

 أتوبُ إلى الرحمن إذْ جاء باكرُ

لعلَّ غداً يأتي ولستَ بأهله

 وفيه لك الموتُ الفجيعُ يُباكرُ

فكم ملكٍ فاجأ الموتُ وهو في

 عساكره لم يدفع الموتَ زاجرُ

وكم جاءه في لهوه متغافلاً

 وآخرُ يتلو خيله وهو زاجر


ويلاحظ ابن علوي الحداد أن بعض الناس يكثر العصيان دون توبة، أو يوصي سواه غافلاً عن نفسه، فيقول:
 

ومَنْ أَكْثَرَ العصيانَ من غير توبة

 فذاك طريح في فيافي الغوايةِ

بعيدٌ عن الخيرات حل به البلا

وواجهه الخذلان من كل وجهة

عجيبٌ لمن يوصي سواه وإنه

لأَجدر منه باتباع الوصيةِ

يقول بلا فعلٍ ويعلم عاملاً

على ضدِّ علمٍ يا لها من خسارةِ


وهذا أبو العتاهية، الشاعر الذي عُرف بالزهد في الدنيا بعد أن تعلق بها زمناً، يدعو إلى التوبة بقوله:
 

أَحدِث لِرَبِّكَ تَوبَةً

فَسَبيلُها لَكَ مُمكِنُ‏

وَاصرِف هَواكَ لِخَوفِهِ

 فيما تُسِرُّ وَتُعلِنُ‏

فَكَأَنَّ شَخصَكَ لَم يَكُن

 في الناسِ ساعَةَ تُدفَنُ‏

وَكَأَنَّ أَهلَكَ قَد بَكَوا

جَزَعاً عَلَيكَ ورنموا(2)


أما الشاعر المتشائم دوماً، أعني أبا العلاء المعري، فيدعو صاحبه إلى التوبة، شاكاً في أن يتوب، لأن طبعه الشر، فيقول:
 

تُواصِلُ الغَيَّ وَلَو لَم يَكُن فيكَ

 حِجىً(3) ما عَتَبَتكَ العُتُب‏

وَطَبعُكَ الشَرُّ فَإِن أَمكَنَت

تَوبَةُ لَيلٍ مِن سَوادٍ فَتُب‏


ويخاطب القناطري نفسه، معلناً أن هذه الحياة ما هي سوى منام، فيقول لها:
 

يا نَفسُ هَل مِن تَوبَةٍ

قَبلَ النَوى وَالمُرتَحَلْ‏

عَيشٌ مَنامٌ ما تَرا هُ

 العَينُ ظِلٌّ مَنتَقِل‏

الناسُ مَوتى في ثِيا بٍ

 أَحيا بِمُنتَقِلٍ خَطَل‏

عُميٌ وَلَكِن يا عُجا باً

 قَد يُرَونَ ذَوي مُقَل‏


ويتساءل شرف الدين البوصيري عن السبيل إلى التوبة مع ارتكاب كل ذنب، فيقول:
 

وأَنى يهتدي للرُّشدِ عاصٍ لِغارِبِ(4)

 كلِّ مَعصِيَةٍ ركوبُ!؟

يَتوبُ لِسانُهُ عَنْ كلِّ ذَنْبٍ

وَلم يَرَ قلبهُ منه يَتُوبُ‏


أما الحلاّج، الصوفيّ الكبير، فيدعو إلى التوبة قبل الممات، لأن الله شاهد على كل شي‏ء، فيقول:
 

إِلى كَم أَنتَ في بَحرِ الخَطايا تُبارِزُ

 مَن يَراكَ وَلا تَراهُ‏

وَسَمتُكَ(5) سمَتُ ذي وَرَعٍ وَدينٍ

وَفِعلُكَ فِعلُ مُتَّبعٍ هَواهُ!؟

فَيا مَن باتَ يَخلو بِالمَعاصي

 وَعَينُ اللَهِ شاهِدَةٌ تَراهُ‏

أَتَطمَعُ أَن تَنالَ العَفوَ مِمَّن عَصَيتَ

وَأَنتَ لم تَطلُب رِضاهُ‏

أَتَفرَحُ بِالذُنوبِ وبالخطايا

وَتَنساهُ وَلا أَحَدٌ سِواهُ‏

فَتُب قَبلَ المَماتِ وَقَبلَ يَومٍ

يُلاقي العَبدُ ما كَسَبَت يَداهُ‏


(1) الحوب: الذنب.
(2) رنموا: طرّبوا أصواتهم وغنوا غناءً حسناً.
(3) الحجى: العقل.
(4) الغارب: الكاهل أو ما بين الظهر والعنق.
(5) السمت: الهيئة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع