أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

مقابلة مع سماحة الشيخ حسين كوراني‏ في المنهج العبادي التربوي‏


موسى حسين صفوان‏


يعتبر الإسلام الحياة الدنيا ميدان تنافس في بلورة جوهرة الإنسانية، يفلح فيه الأتقياء أولو الألباب، ويخفق فيه العشوائيون الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. فالهدف من هذا التنافس تحصيل الكمال الإنساني، لكي يتخلق الإنسان بأخلاق اللَّه سبحانه وتعالى فيبلغ ذروة المكارم ويحظى بالسعادة الأبدية، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "تخلقوا بأخلاق اللَّه"(1). وقد أمر صلى الله عليه وآله بالرجوع إلى الكتاب والعترة "كتاب الله وعترتي" ليتحقق الوصول إليه واتباعه كما أراد الله سبحانه وتعالى. والسؤال في ظل ما نواجهه من غزو ثقافي، وتحدٍّ تربوي: كيف السبيل إلى منهج في التربية؟ ولذا توجهنا إلى سماحة العلامة الشيخ حسين كوراني لننهل من معين مدرسته التربوية.

* سماحة العلامة، أمام ما تشهده الساحة من ثقافات الحداثة، التي بدأت تتسلل إلى عمق الشخصية الإيمانية، هل لنا بمنهج تربوي يساعد على تحصين الشخصية الإيمانية للإنسان المسلم؟ سأذكر بإيجاز معالم في المنهج العبادي التربوي، يمكن اعتبارها الأسس الأبرز:

أولاً : التفكير الدائم:
إذ لا يمكن للمؤمن إلا أن يكون في حالة تفكر وتدبر ونظر في الأنفس والآفاق، لأن معنى أن الإنسان موجود، هو أنه يفكر، دون أن يعني ذلك موافقة ديكارت، بل لأن القرآن الكريم أمر بالتفكر.

في الروايات:
فكر ساعة خير من عبادة سنة، وقد ورد في تبيين معناه: تمر بالخربة وبالديار القفار فتقول أين بانوك؟ أين سكانك؟ مالك لا تتكلمين؟ ويرى الشيخ البهائي السبب في أن العبادة توصل إلى ثواب الله، بينما يوصل الفكر إلى الله تعالى أي إلى الحق المطلق سبحانه. بل في الروايات أن أسمى مراتب العبادة هو الفكر: ليست العبادة كثرة الصلاة والصيام، العبادة التفكر في أمر الله جل وعلا. كما ورد أيضاً: التفكر مرآتك، تريك سيئاتك وحسناتك(2).

ثانياً : قراءة القرآن الكريم:
تتعدد وجوه العلاقة بالقرآن الكريم، والمراد هنا القراءة اليومية التي تكشف عن موقع كتاب الله تعالى من العقل واليقين الثقافي ونبض القلب وفقه الحياة: عن الإمام السجاد عليه السلام: آيات القرآن خزائن، فكلما فتحت خزانة ينبغي لك أن تنظر ما فيها. وعن الإمام الصادق عليه السلام: القرآن عهد الله إلى خلقه، فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده وأن يقرأ منه في كل يوم خمسين آية.

ثالثاً : العلاقة الدائمة بالعترة:
وصية رسول الله صلى الله عليه وآله للأمة "كتاب الله وعترتي" توجب على كل مسلم أن يكون على علاقة دائمة برسول الله صلى الله عليه وآله من خلال العترة كما توجب أن تكون هذه العلاقة من خلال القرآن الكريم. وقد أجمع المسلمون على ما يدل بصراحة على وجوب أن يكون في كل عصر من العصور أحد من أهل البيت عليهم السلام "مؤهل للتمسك به" كما ورد في كتاب "الصواعق المحرقة" مثلاً في بيان معنى قوله صلى الله عليه وآله: النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، أو كما نجد في كلمات العلماء السنة والشيعة في تفسير الأحاديث الشريفة حول أهل البيت عليهم السلام، مثل: إني تارك فيكم، أو في كل خلف من أمتي وغيرهما. وتتحقق هذه العلاقة بأهل البيت عليهم السلام من خلال العلاقة بوصي رسول الله صلى الله عليه وآله إمام الزمان المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف لما لهذه العلاقة من بالغ الأثر الحصري في الوصول إلى رسول الله صلى الله عليه وآله الذي جعل الله تعالى اتّباعه والإنقطاع إليه دليل التوحيد: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي.

رابعاً : الذكر الدائم:
والمراد بالذكر ما يشمل الوِرْد الذي هو الذكر بترتيب خاص. لا نجد في القرآن الكريم، بعد الحث على التفكر، والحث على العلاقة بالقرآن الكريم، أكثر من الحث على الورد. وقد أثبتت الدراسات العلمية التخصصية مؤخراً أهمية المناخ النفسي الذي يتكون من خلال تراكم ذكر العقل والقلب لمفاصل يحسن اختيارها. وبدلاً من تركيزنا على ما ورد في القرآن الكريم والحديث الشريف حول الذكر واختيار أذكار وأوراد وتربية أنفسنا على أساسها، فإن هذا بُعد مُضيَّع وها نحن نرى الشباب يهتمون بمتابعة أخبار ملاعب كرة القدم، والأمور العبثية أو الغالب فيها ذلك، أكثر من اهتمامهم بالأوراد. سيرة علمائنا الأبرار ومراجعنا العظام حافلة بالأوراد. وهذا الإمام الخميني قدس سره طيلة وجوده في النجف الأشرف كان يزور حرم أمير المؤمنين عليه السلام ويقرأ الزيارة الجامعة. وبعد انتصار الثورة الإسلامية المباركة كان ما بين الفترة والأخرى يلغي كل مواعيده ليتفرغ للعبادة. فهل نتصالح مع الذكر والورد، ونتنبه إلى شدة أهمية ذلك في كتاب الله تعالى والحديث الشريف؟

خامساً : حسن المعاملة:
 وهي غير حسن الخلق، فقد لا يكون الإنسان حسن الخلق ولكنه يحرص أن يعامل الناس معاملة حسنة. والمؤمن لا بد أن يكون حريصاً على حسن المعاملة فيتلافى الخطأ قبل وقوعه، ويؤمن من خلال ذلك رافداً تربوياً لبناء نفسه البناء المنسجم مع مكارم الأخلاق. ويمكن اعتبار مصطلح "المراقبة" في علم الأخلاق مرشداً إليه.

سادساً:
 
تحسين الخلق، وهو غير الخلق الحسن أو الأخلاق الفاضلة، لأن المراد به من وحي واقعية الإسلام في التربية قطع مسافة ولو كانت خطوة من الطريق الطويلة إلى التحلي بمكارم الأخلاق. فرحلة الحياة بالنسبة للإنسان المؤمن هي رحلة تحسين الخلق. وفي هذا المجال نجد في خطبة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، في استقبال شهر رمضان المبارك: "من حسّن منكم في هذا الشهر خلقه".

سابعاً: الحب والحنان:
 يقول بعض العلماء حول الآية الكريمة ..﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ إن الله تعالى ينبهنا بلطف إلى أن مواجهة الإساءة بالإساءة هي "عدوان". غاية الأمر أنه مشروع بسبب أن البادئ أظلم لكن هذا لا يلغي الظلم عمن يرد الإساءة بمثلها. ما أكثر من يفعل ذلك منا، لكن القليلين هم الذين يدربون أنفسهم على قاعدة "وأن تعفوا وتصفحوا خير لكم" "أحسن إلى من أساء إليك". المؤمن ينبوع حب، والسيد ابن طاووس رحمة اللَّه عليه الذي يصفه الشيخ البهائي بسيد العلماء المراقبين، يقول: كنت أدعو في ليلة القدر للمؤمنين فتذكرت أن الكفار أحوج للدعاء، فصرت أدعو لهم: اللهم اهدهم. إذاً، المؤمن هو ينبوع الحب والحنان، والحب الحقيقي، وليس على طريقة الحب المصلحي للعشاق الذين لم يذوقوا حلاوة حب اللَّه فابتلوا بحب غيره. والتوازن دقيق جداً بين هذا الذي هو مقتضى "رحماء بينهم" وبين "أشداء على الكفار". غريب جداً أن يكون تحقيق هذا التوازن يستدعي أن نقلب المعادلة العملية القائمة في أوساطنا في الغالب!!

ثامناً: الصلاة لوقتها:
كلنا نعلم أنها عمود الدين، ولكن لماذا يصر الكثيرون على أن يبقى ناقصاً فيغيّبون صلاة الصبح، أو مائلاً فلا يهتمون بالصلاة في أول الوقت؟ فثقافة الإسلام هي ثقافة الصلاة، وتربيته هي تربية الصلاة، وجهاده لإقامتها. باختصار، هذه النقاط يمكنها فيما لو تمت مراعاتها أن تشكل المعالم التربوية للإنسان المؤمن.

* في غمرة الأحداث والإنشغال بالقضايا السياسية والمصيرية، كيف يوفق الإنسان المؤمن بين الإنجذاب للقيادة، والإنغماس في الشعارات الحماسية والمواقف السياسية، وبين العناية بشخصيته الإيمانية، وتمتين علاقته باللَّه سبحانه وتعالى؟
مع الإصرار على ضرورة الانشداد للقيادة والالتزام بأوامر المسؤولين في المسيرة، حتى إن لم يقنعهم النصح، لا بد للمؤمن من العناية بهذه النقطة التي ذكرتم لأنها مهمة جداً. وتكون العناية بها باستحضار الفرد أنه مسؤول "كلكم راع وكلكم مسؤول"، ويجب عليه تقديم النصح لتكون طاعته تحت سقف الحكم الشرعي "وجوب حمل الهم والمسؤولية". ويعزز الإحساس بالمسؤولية أن يفكر الشخص بما يريد أن يوصي إذا مات، فالوصية تجعل الإنسان يفكر كثيراً بالموت، وقد أعطى القرآن الكريم لذكر الموت أولوية قصوى إلى حد أن "الذكر" يساوي استحضار الآخرة. يقول السيد الطباطبائي في تفسير الميزان: الرادع الوحيد عن المعصية هو تذكر العَرْض على اللَّه، وتذكر الوقوف بين يدي اللَّه عزَّ وجلَّ. فذكر الموت هو الناظم الفكري والثقافي والشعوري "التربوي" للإنسان، باعتبار أن الإنسان المثقف هو الذي يمتلك رؤية كونية سليمة. وعلى هذا الأساس قد تكون حاجّةٌ من قرية نائية، تقدم ابنها للشهادة، أو تقدم أكثر من ابن واحد، وتتكلم بروحية الذي لم يقدم شيئاً، لأنها تعتبر نفسها أخذت من سيد الشهداء الوسام الحقيقي، بينما إذا كان الشيخ، أو الدكتور، لا يمتلك هذه الرؤية الكونية السليمة، ولا تحضر لديه رؤية المبدأ والمعاد، وما ينبغي أن يكون عليه الحال، فهذا ليس مثقفاً على الإطلاق.

* روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "إن للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فاحملوها على النوافل، وإذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض(3)، فإذا كان الإدبار في ما مضى حالة عابرة، فهو اليوم على ما يبدو أصبح ظاهرة عامة، ويعرف ذلك من توجهات الشباب واهتماماتهم، فبماذا تنصحون الشباب ليستعيدوا لقلوبهم إقبالها؟ إذا طلبنا من اللَّه عزَّ وجلَّ صادقين فحاشاه أن لا نصل إلى نتيجة، فإذا وجد الإنسان عند نفسه إدباراً فليدقق، لأن هذا الإنسان قد يكون لا يريد الإقبال على اللَّه تعالى، أو لأنه أقبل على ما لا يمكن الجمع بينه وبين حب اللَّه سبحانه. إذاً، لا ينبغي أن نخدع أنفسنا ونتصور أن الإدبار هو حالة عابرة، فقد يكون هذا الإدبار متمكناً ونخدع أنفسنا ونقول نريد حلاًّ، ونكون نحن واقعاً لا نريد الحل أبداً. فلنسأل أنفسنا هل قررنا أن نعبد اللَّه عزَّ وجلَّ، أم أننا قررنا أن نعبد الهوى؟ إذا كان الإنسان يعبد الهوى، فهو يشكو من إدبار ويبحث عن حلّ قد يكون مسكِّناً، ولكنه لا يكون قد اهتدى إلى العلاج الناجح.

* هل من كلمة أخيرة بمثابة نصيحة تربوية لهذا الجيل؟
من واجبنا أن لا نفصل بين تحصيل الثقافة وبين المستحبات التي ورد الحث عليها، وترك المكروهات التي ورد الحث على تركها، لأن هذه الأعمال العبادية عموماً هي عبارة عن دورات تثقيفية وتربوية دائمة. ولو قُدّر لنا أن نعتمد في بعض الدورات التثقيفية المنهج المبني على الأعمال، مثل أعمال الصباح، وأعمال ما بين الفجر والظهر، وأعمال الأيام والليالي، والمناسبات المختلفة، لأمكننا أن نبني أنفسنا بناءً ثقافياً متميزاً. فالمنهج الثقافي موجود لدينا، إلا أنه موجود في مصباح المتهجد للشيخ الطوسي، وفي إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس، والبلد الأمين والمصباح للكفعمي والمجاميع الفقهية الأم. فإذا وجدنا شيئاً منه في مفاتيح الجنان أو غيره نقول عملياً على الأقل: هذه أعمال للمتخلفين. إن مقتضى التزامنا بخط الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه أن تتعاظم فينا ثقافة الأحكام الشرعية الخمسة باستمرار. وعلى الله قصد السبيل.


(1) صدر الدين محمد الشيرازي (الملا صدرا)، الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، ج‏2، ص‏21.
(2) فقه الرضا، علي بن بابويه، ص‏380.
(3) نهج البلاغة، قصار الحكم، 312، ج‏4، ص‏74.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع