أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

ركائز ومقومات الشخصية الثقافية للإنسان المؤمن

 مقابلة مع سماحة العلاّمة الشيخ حسين كوراني حفظه المولى

موسى حسين صفوان‏


يوماً بعد يوم، تتأكد الحاجة الماسّة لإعادة بلورة وتحصين الشخصية الثقافية للإنسان المؤمن... فلا يخفى أن شخصية الإنسان المؤمن والتي لعبت فيما مضى دوراً أساسياً في نهضة الأمة واستمرارها، تعصف بها الآن العديد من التحديات الحضارية التي أفرزتها ثقافة العولمة والانفتاح على عادات وأنماط الشعوب الأخرى بإيجابياتها وسلبياتها... ولا شك أن الأمة الإسلامية اليوم، سواء على صعيد أفرادها أو مؤسساتها الاجتماعية، تواجه نوعين من التحديات: الأول يتعلق بتحصين الساحة الداخلية أمام تيارات ما يعرف بالغزو الثقافي، سواء على مستوى البنية الفكرية أو المسلكية، والثاني يعنى بدورها الحضاري الإنساني، باعتبارها تعكس الصورة العملية للإسلام، وتتحمل إلى حدٍّ بعيد مسؤولية التعريف بالرسالة الإسلامية. وما من شك أن الشخصية الثقافية للإنسان المسلم بكل ما تعنيه الثقافة لعبت في الماضي البعيد والقريب دوراً بارزاً في إيصال الأمة إلى ما وصلت إليه... فإذا كانت الشخصية الثقافية لآبائنا هي التي صنعت حاضرنا بكل ما له وما عليه، فحري بنا أن نهتم بالشخصية الثقافية لأجيالنا المعاصرة لأنها عن قريب، سوف تصنع مستقبل أحفادنا... من أجل ذلك، قصدنا سماحة العلاّمة الشيخ حسين كوراني، حاملين إليه باقة من الأسئلة، عسى أن نضع الأسس الأولية للشخصية الثقافية الإسلامية.

* سماحة العلامة، بداية نود من جنابكم إطلالة مجملة على قواعد ومقومات الشخصية الثقافية للإنسان المؤمن.
الحديث عن مقومات شخصية المؤمن الثقافية ينبغي أن يبدأ بتعريف موجز للثقافة، فالثقافة كما هو معروف على علاقة بتثقيف السيف والرمح، بمعنى جعله مناسباً سمحاً، كما ورد في بعض المصادر اللغوية. والمراد هنا من الثقافة، مجموعة الرؤى والقناعات التي تجعل الإنسان من نمط معين، بحيث أن الناظم لجميع تصرفاته هو هذه القناعات والرؤى، وبعبارة أخرى، فإن أفضل تعريف للثقافة هو ما قاله بعضهم: إن الثقافة هي التي تجعلك تتصرف على أساسها إن نسيت كل شي‏ء. بهذا المعنى، فإن الثقافة ليست عبارة عن معلومات، فالحاسوب مثلاً، يختزن معلوماتٍ كثيرة، إلا أنه ليس مثقفاً... ومن هنا فإن جانب اختزان الشخص للمعلومات ليس هو ثقافة هذا الشخص، ولكن ثقافته هو ما تحول إلى قناعة راسخة تصدر منه... أضرب على ذلك مثلاً، النحلة التي تنتقل في الرياض من زهرة إلى زهرة، فإن ما تحوله إلى عسل هو حصيلة مجهودها، كذلك ما يحوله الشخص إلى «عسل» ثقافي يكون هو ثقافته. من هنا فإن شخصية المؤمن الثقافية هي تلك الشخصية التي تصدر من مقتضى الإيمان، وحقيقة الإيمان، وتتصرف على أساس الضوابط الإيمانية. ولعل ما يناسب هذا المقام إعطاء نموذج ثقافي معين، وهنا أقف عند شخصية المجاهد في المقاومة الإسلامية باعتباره يقدم لنا الإجابة العملية الحقيقية على السؤال المتعلق بالشخصية الثقافية للإنسان المؤمن.

* هناك مفهومان للثقافة، الأول يعنى بالسلوك وأنماط العيش، والثاني يشمل العلوم والمعارف، فما هو دور الجانب المعرفي في تكوين الشخصية الثقافية للإنسان المؤمن؟
دور الجانب المعرفي أنه يمثل المصدر الرئيس الذي لا يمكن تحصيل ثقافة بدونه، سواء كان هذا البعد المعرفي ناتجاً من مدرسة الحياة والتجارب، أو من الدراسة والمطالعة، أو من التفكير... ومن هنا، لا يمكن الفصل بين الثقافة وبين مصدرها، ففي مثال النحلة والعسل، يتأثر جنى النحلة باختلاف مصادر الأزهار، كذلك بالنسبة للشخص الذي يتنقل في حقول المعرفة. بناء على ذلك، فليست الثقافة بالنسبة للإنسان الخزين المعرفي وليست السلوك، بل إنها الحصيلة النهائية في مجال القناعات، وهي ما يعقد عليه القلب، وتصدر التصرفات على أساسه... فالخزين المعرفي هو مصدر القناعات. ... فإذا انتقلت هذه القناعات من العقل إلى القلب، عندها تتحول إلى حصيلة ثقافية، أما إذا بقيت في العقل، ولم يستجب لها القلب، عندها تبدأ ظاهرة الانفصام المعرفي، فتكون القناعة في جانب والالتزام والتصرفات في جانب آخر...

* تظهر حتى الآن أهمية مصادر المعلومات الثقافية؟
يمكن القول إن أهم مصادر ثقافة المؤمن هو التفكر الدائم، بمعنى أننا لا نجد في القرآن الكريم حثاً على شي‏ء بمقدار الحث على التفكير الدائم... والتفكير الدائم يحتاج إلى عملية ترشيد، والترشيد هو أن توضع أمام الإنسان أسسُ وضوابطُ يهتدي بهديها، وهنا يأتي دور التركيز على العلاقة الدائمة بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وبالرسالة العملية... حتى لا تكون ثقافة الإنسان المؤمن منفصلة عن الناظم العقلي والشرعي، وتكون ثقافة القانون بامتياز.

* تحدثتم عن أبرز المصادر الثقافية التي هي القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة، ولو راجعنا هذه المصادر لوجدنا كماً هائلاً من المعلومات، قد يصعب على الإنسان المؤمن تحديد أولويات للرجوع إليها... ما هي نصيحتكم في هذا المجال؟
طبعاً... لم أقصد بالحديث عن القرآن الكريم التفاسير الكبيرة، ولم أقصد بالحديث الشريف المطولات والشروح... إنما قصدت العلاقة بالقرآن الكريم قراءة وتدبراً، كمصدر رئيس للثقافة الإسلامية، وبالمستوى نفسه العلاقة بالحديث الشريف وأحاديث أهل البيت عليهم السلام. أيضاً أنصح الشباب المؤمن بدرس الرسالة العملية كمدخل إلى تحصيل ثقافة إيمانية، بعيداً عن كل رطانة وهجانة في المشهد الثقافي. فالذي يتعاطى مع الكتب على أوسع نطاق وتكون علاقته بالقرآن والحديث ضعيفة، لا يمكن أن يصل إلى شاطئ ثقافي آمن، كذلك هو الحال بالنسبة للضوابط الشرعية من خلال الرسالة العملية... وباعتبار أن الذي يشرب من رأس النبع غير الذي يشرب من السواقي والجداول، خصوصاً عندما تكون على بعد أكثر من عشرة قرون، فيجب أن يعتمد الشباب المؤمن كثرة التواصل مع القرآن الكريم مباشرة، ومع الحديث الشريف مباشرة، إضافة للتواصل مع الرسالة العملية دراسة وتدريساً ليكون الأساس الحاكم في عملنا هو الحكم الشرعي... فعندما نوجه أولادنا إلى المصادر الفرعية، دون التركيز على المصادر الأساسية، فإننا ندخلهم في المتاهات. ومتى أسسنا هذا الأصل، وتم التركيز على هذه الأسس، يمكننا أن ننتقل إلى الأمر التالي، وفي هذا المجال:

لا بد للمسلم من أن يطلع على دورة مختصرة في التفسير مثل التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية، أو تفسير شبر. ثم يمكن بعد ذلك أن يقرأ دورة متوسطة ثم دورة طويلة مثل تفسير الميزان. في مجال الحديث الشريف، لا بد للمسلم من أن يتواصل مع كتاب جامع للأسس النظرية والعملية، ويفضل في هذا المجال كتاب أصول الكافي، والجزء الثاني منه بالخصوص ويمكن أن يطلع على بعض الشروح، وأهم شرح في هذا المجال شرح مرآة العقول للعلامة المجلسي. الأمر الثالث، لا بد للمؤمن من علاقة بالدعاء (قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم)، وينصح في هذا المجال بالصحيفة السجادية على سبيل المثال. الأمر الرابع، لا يمكن للمؤمن أن يتجاوز التواصل مع نهج البلاغة، لما يمثله من مضامين عقائدية، وولائية، ومن طريق يوصل إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، بالإضافة إلى الجوانب الأخرى التي تحتوي التجارب العاصفة في زمن أمير المؤمنين سلام اللَّه عليه. بالإضافة لما تقدم، لا بد للمؤمن من عناية خاصة بالسيرة الحسينية وما يتعلق بكربلاء، حتى لا ينفصل عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله الذي قال: "حسين مني وأنا من حسين". فليست العلاقة مع الإمام الحسين علاقة استنسابية أو عاطفية، لأن النبي صلى الله عليه وآله الذي قال ذلك هو الذي يصفه القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى. انطلاقاً من هذه الخطوط العامة يستطيع المؤمن أن يحقق أوسع من مجرد تواصل معرفي بما يقوي عقيدته، فيحصل على ثقافة مهمة في المجال الأمني، بمعنى الحذر من الشيطان ومن أوليائه، كذلك يحصل على ثقافة إيمانية راقية في مجال الجهاد، وغير ذلك.

* سماحة العلامة، عندما يفتح الإنسان عينيه على الحياة تتكون لديه مجموعة كبيرة من الأسئلة خاصة العقائدية منها، وخلال ممارسة لتفاصيل حياته تتكون لديه أسئلة ذات علاقة بالممارسات اليومية، وعندما يلجأ إلى المطالعة قد يجد أو لا يجد الجواب. فهل تنصحون الإنسان المؤمن أن يتبنى مرشداً يوجهه في مسيرة تكوين شخصيته الثقافية كما هو الحال في الدراسات والبحوث الجامعية؟
هذه نقطة مهمة جداً، باعتبار أن الذي نراه في مختلف المجالات، هو الإلتزام برأي المختص والرجوع إليه، إلا في مجال الثقافة، وما يرتبط بالأمور الدينية، حيث نرى الكثير منا يسمح لنفسه أن يصدر أحكاماً دون الرجوع إلى المختص. ويزيد الطين بلّة عندما يصنف الشخص الذي يتعاطى مع المسائل الدينية نفسه إسلامياً، كأن يشعر بالاستغناء عن الرجوع إلى المختص، فيصدر أحكاماً يبرأ منها اللَّه عزَّ وجلَّ ورسوله وأهل بيته صلوات اللَّه عليهم. وهذا من أهم الأخطار التي نتجت عن العمل الإسلامي الحركي الذي لم يلتزم برأي الفقيه المختص.

* يبدو أن السبب الأساسي للانهزام الثقافي هو فقدان السيادة، بمعنى أن الشعوب التي تُنتقص سيادتها تصاب بظاهرة الإستلاب الثقافي، والسؤال هنا؛ هل تعتقدون أن ثقافة الانتصار بعد العام 2000 أدت إلى تحول في هذا المجال؟
ثقافة الانتصار برأيي هي ثقافة مجاهدي المقاومة الإسلامية الأبرار، التي هي ثقافة الذكر والوِرد والعلاقة باللَّه عزَّ وجلَّ، من خلال التهجد، وليست ثقافة (الدبكة والدربكّة) إطلاقاً. هناك ثقافتان... فلنحدد أي ثقافة نريد... لأن الثقافة التي حققت الانتصار هي التي تشكل الضمانة، وأنا أرى من واجبي أن أوضح هذه النقطة، خصوصاً بالنسبة لأبنائنا الشباب وبناتنا الشابات الذين يتواصلون الآن مع هذا الجو الأطهر والأنقى وهو جو ولاية الفقيه، حتى لا يختلف جيل ما بعد الفتح عما كان عليه جيل الفتح. نحن بأمسّ الحاجة إلى الضوابط الشرعية، وأقصد هنا بالتحديد التنبه الواعي والدائم إلى وجوب رعاية الأحكام الشرعية التي هي حدود اللَّه تعالى... بحيث تكون الرسالة العملية (تحرير الوسيلة وأجوبة الاستفتاءات) المحور والمنطلق والأساس هذا معنى أن ولاية الفقيه القاعدة والأساس في بنائنا الثقافي. إن منشأ المشكلة التي تعصف بنا في هذه الأيام، أن الثقافة السائدة في أوساطنا هي ثقافة التكتيك وليست ثقافة الإستراتيجية، ثقافة تكييف الرسالة العملية مع ما نريد في كثير من المفاصل.

* على ضوء ما تقدمتم به، كيف تشخصون واقع الشخصية الثقافية للإنسان المؤمن في هذه الأيام؟
نحن إزاء هذه الأمراض الاجتماعية التي تعصف بنا، أمام واجب شرعي هو التأكيد على أن شخصية المؤمن الثقافية ينبغي أن تكون شخصية الشهيد علي أشمر، والشهيد صلاح غندور، والشهيد سمير مطوط، والشهيد جواد، وشخصية القائد الشهيد محمد بجيجي أبو حسن، وأولئك الشهداء الأبرار الذين يعرف كل منا ينابيع سيرتهم وكيف كان سمتهم وهديهم...

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع