أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

الإمام علي بن الحسين عليه السلام زين المكارم‏

الشيخ إسماعيل حريري‏

 


من الشخصيات العظيمة والفريدة التي أكرم اللَّه تعالى بها هذه الأمة، وزيّن التاريخ بذكرها حسباً ونسباً وصفات ومواقف وأخلاقاً ومكارم وكرامات الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام. وللتعرّف على هذه الشخصية الكريمة ولو بشكل موجز جداً، نتعرض للنقاط التالية:

* التعريف بشخصيته عليه السلام:
هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، أمّه شهربانويه بنت يزدجرد بن شهريار بن شيرويه بن كسرى أبرويز، وكان يزدجرد آخر ملوك الفرس(1). جدّته لأبيه الصدّيقة الشهيدة سيدة نساء العالمين فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله. ولد سنة ثمانٍ وثلاثين للهجرة واستشهد سنة خمس وتسعين وله سبعٌ وخمسون سنة(2). وذكر الشيخ الكفعمي في مصباحه أنه عليه السلام توفي في الخامس والعشرين من المحرّم، سمّه هشام بن عبد الملك، وكان في ملك الوليد بن عبد الملك(3). وفي الاقبال والعدد القوية والفصول المهمة أنّ الذي سمّه هو الوليد بن عبد الملك بن مروان(4). وقد تميّزت شخصية الإمام زين العابدين عليه السلام بمظاهر كثيرة، كما هي الحال في شخصيات آبائه وأجداده الطاهرين عليهم السلام.

وقد تمثلت هذه المظاهر بعدة جوانب أبرزها:
1- الجانب العبادي: فقد أجمع كل من عاصر هذا الإمام العظيم، على أنه كان من أعبد النَّاس وأكثرهم طاعة للَّه تعالى، وحسبُه أنه وحده الذي لُقّب بزين العابدين وسيد الساجدين والسجّادين في تاريخ الإسلام. وقد سُئِلت جارية له عن عبادته فقالت: "أُطنب أو أختصر؟ قيل لها: بل اختصري. فقالت: ما أتيته بطعام نهاراً قط، وما فرشت له فراشاً بليل قط"(5).

2 - الجانب الاجتماعي: عُرف عليه السلام بتكريمه للفقراء والعطف عليهم، فكان إذا أعطى سائلاً قبّله حتى لا يُرى عليه أثر الذلّ والحاجة. وعُرف بكثرة صدقاته، حيث كان يتصدق بثيابه، فيتصدق بثياب الصيف إذا جاء الشتاء، وبثياب الشتاء إذا جاء الصيف. وعُرف بمقاسمة الفقراء والمساكين أمواله(6) وقد عُرف عنه عليه السلام أنّه كان يجعل الطعام الذي يوزّعه على الفقراء في جراب ويحمله على ظهره، وقد ترك أثراً عليه(7).

3 - الجانب الجهادي: لم يُتح للإمام زين العابدين عليه السلام أن يجاهد بالسيف، إذ كانت آخر حروب أمير المؤمنين عليه السلام مع الخوارج سنة ثمانٍ وثلاثين للهجرة، وهي السنة التي ولد فيها الإمام السجّاد عليه السلام. وكذلك في زمن إمامة عمه الحسن المجتبى عليه السلام، حيث كان لا يزال في سنواته الخمس الأولى لمّا تمّ الصلح مع الحسن عليه السلام ومعاوية إلى زمن إمامة أبيه الحسين عليه السلام، حيث لم يتحرك الإمام الحسين عليه السلام إلى ما بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان في سنة ستين للهجرة، حيث تلتها واقعة كربلاء التي كان فيها الإمام زين العابدين عليه السلام عليلاً مريضاً، وقد تحامل على نفسه بحمل السيف في يد والعصا ليتّكي‏ء عليها باليد الأخرى، لكنه عليه السلام لم يستطع ذلك أيضاً، فشاهد بأم عينه مصرع أهل بيته وإخوته وبني أعمامه وعمّاته وأصحاب أبيه، وسبي النساء والأطفال، وحرق الخيام، والسلب، والنهب الذي تلا تلك الفاجعة الأليمة والمصيبة الكبرى. لكن عزمه لم يلن وقوّته لم تضعف وإباءه لم يهن وعزّته لم تذل، فجاهد بلسانه أيَّما جهاد في وجه طاغية زمانه يزيد بن معاوية، وخطبته عليه السلام المشهورة في أهل الشام بحضور يزيد مما تناقلته كتب التاريخ والسير، وقد كانت من أبلغ الكلام في إبراز فظاعة ما أتت به أيدي المجرمين والطغاة من بني أمية وأتباعهم. وكان خطاب الإمام عليه السلام من الشدة بحيث أوجد انقلاباً فكرياً لدى الجموع الحاضرة في الشام، وخاف يزيد من انقلاب النَّاس عليه، فأوعز إلى المؤذّن أن يؤذن ليقطع على الإمام كلامه.

* ظروف عصر الإمام عليه السلام:
عايش الإمام عليه السلام الحكم الأموي إلى سنة 95ه، وهي سنة شهادته عليه السلام أيام الوليد بن عبد الملك بن مروان. فعاش بعد أبيه الإمام الحسين عليه السلام خمساً وثلاثين سنة تقريباً، وفي هذه المدة كانت الأمة قد بليت بأمراء سوء وولاة أسوأ، ممّا أدّى إلى وقوع الانحراف الكبير؛ ليس على المستوى الفكري والعقائدي فحسب، بل على مستوى السلوك العملي والعمل على هدم معالم الدين وأحكام شريعة سيد المرسلين، الذي بدأ يبرز بشكل أشدّ وضوحاً من حين شهادة أبيه الحسين عليه السلام. وقد وصلت المحنة ذروتها عندما هاجمت جيوش يزيد بن معاوية مدينة النبي صلى الله عليه وآله بقيادة مسلم بن عقبة، الذي لقّب بعد هذه الوقعة (وقعة الحرّة) بمجرم ومسرف، لشدة ما حصل فيها من هتك للدين والأعراض والحرمات. وفي زمانه عليه السلام انغمس الأمويون في الترف، وقد ذكر المؤرخون نوادر كثيرة عن ترفهم وتلاعبهم باقتصاد الأمة وثرواتها، حتى بالغوا في هباتهم للشعراء وأجزلوا العطاء للمغنيّن. وسادت حياة اللهو والعبث والمجون في كثير من أنحاء العالم الإسلامي وخصوصاً في مكة والمدينة، وعمدت السلطات الأموية إلى إشاعة ذلك فيهما لإسقاط هيبتهما من نفوس المسلمين. وفي الأغاني لأبي الفرج: "إنّ الغناء في المدينة لا ينكره عالمهم ولا يدفعه عابدهم"(8). وفي عصره عليه السلام دبَّ الشلل في الحياة العلميّة، ذلك أنّ الخط السياسي الذي انتهجته السلطة الأموية منذ تأسيسها كان يرتكز على مجافاة العلم وإقصاء الوعي والثقافة من حياة المسلمين، وجرّهم إلى منحدر سحيق من الجهل، لأن بلورة الوعي العام وإشاعة العلم بين المسلمين كان يهدد مصالحهم ودوام ملكهم القائم على استغلال الجهل والغفلة التي روّج لها من تقمّص الخلافة بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله. فماذا كان دور الإمام عليه السلام أمام هذا الواقع؟ أمام الحالة السائدة في حياة الأمة، كان لا بدّ للإمام عليه السلام أن يواجه بكل ما يقدر عليه ليعيد الحياة لهذه الأمة ولو بشكل جزئي، ومن أهم أساليب المواجهة في زمانه عليه السلام بعد تعذّر المواجهة العسكرية مع طغاة زمانه أن يعمل على بث الإسلام المحمدي الأصيل الذي ورثه عن آبائه الطاهرين ويذبّ عن عقائده الحقة، ويبيّنها للنَّاس بكل لسان وبكل أسلوب، وإليك نماذج من ذلك:

1 - المواجهة الفكرية والعلمية: حيث كان يدعو في كلماته إلى رواية الحديث في وجه المنع السلطوي لرواية الحديث الذي بدأ تدويناً ورواية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله مباشرة. ودعا إلى العمل بالسنّة والقرآن، ومن أقواله المأثورة "إنَّ أفضل الأعمال ما عُمل بالسنة وإن قلَّ"(9). وتصدّى لفكرة الجبر الإلهي التي كانت السلطة تروّج لها لتبرير سلطتها وظلمها وسيطرتها على مصير الناس.

2 - الجهاد العملي: حيث كان من أهم أهداف الإمام عليه السلام إصلاح المجتمع البشري وتربيته على التعاليم الإلهية، فقد عمِل على ذلك من خلال حضوره الدائم بين النَّاس، يعلّمهم ويربّيهم على ذلك بالرغم من تشدّد السلطة الأموية للحدّ من تحركاته عليه السلام. وقد تجسد ذلك من خلال سلوكه التربوي الراقي، مما أدّى إلى تعلّق قلوب المسلمين بشخصه الكريم. وتشهد على ذلك قصة استلامه الحجر الأسود من بين جموع الحجيج المزدحمة عليه، مع عدم مبالاتها بهشام بن عبد الملك الذي كان ينتظر دوره ليُفسح له المجال لاستلام الحجر، وقد قال فيه الشاعر الفرزدق قصيدته التي مطلعها:
 

يا سائلي أين حلَّ الجودُ والكرم؟

عندي بيانٌ إذا طُلابه قدموا 

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته‏

والبيت يعرفه والحلُّ والحرم ‏فحبسه هشام عليها(10).


3 - بث العقائد الحقّة والمفاهيم الإسلامية الصافية: من خلال أدعيته التي رُويت عنه بكثرة، وقد جُمع معظمها فيما عُرف بالصحيفة السجادية نسبة إليه عليه السلام. وقيل في سبب وصفها بالصحيفة الكاملة هو كونها تمثّل مجموعة كاملة تنتظم حاجات العبد من اللَّه تعالى في أغلب الموارد وحول أغلب المتطلبات. وينبغي ألاّ ننسى ما نسجه الإمام عليه السلام في رسالة الحقوق من شبكة راقية جداً من الحقوق، هدفها تنظيم العلاقات الاجتماعية بشكل دقيق. وهي بمثابة دستور كامل ينتظم فيه النَّاس جميعاً. هذا مختصر بسيط عن رابع أئمة أهل البيت عليهم السلام الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، وما تُرك هو أكثر الكثير.


(1) الكافي، ج‏1، ص‏466.
(2) المصدر السابق.
(3) بحار الأنوار، ج‏46، ص‏153.
(4) عوالم العلوم، الإمام علي بن الحسين عليه السلام، ص‏301.
(5) الخصال للصدوق، ص‏488.
(6) مناقب آل أبي طالب، ج‏4، ص‏167.
(7) تاريخ اليعقوبي، ج‏2، ص‏303.
(8) الأغاني، ج‏8، ص‏224.
(9) المحاسن للبرقي، ص‏221، ح‏133.
(10) راجع عوالم العلوم، الإمام علي بن الحسين عليه السلام، ص‏195 197.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع