نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

نور روح اللَّه‏: الآفة التي تأكل الإيمان‏



إن الحسد حالة نفسية يتمنى صاحبها سلب الكمال والنعمة اللذَين يتصورهما عند الآخرين، سواء أكان يملكهما أم لا، وسواء أرادها لنفسه أم لم يردها. وهذا يختلف عن الغبطة، لأن صاحب الغبطة يريد أن تكون لنفسه النعمة التي توجد لدى الغير، من دون أن يتمنى زوالها عن الغير. وأما قولنا: "النعمة التي يتصورها عند الآخرين" فنعني به أن تلك النعمة قد لا تكون بذاتها نعمة حقيقية.

فهناك بين الناس، مثلاً، أشخاص يحسبون الفتك بالغير وسفك الدماء موهبة عظيمة، فإذا شاهدوا من هو كذلك حسدوه. أو قد يحسبون سلاطة اللسان وبذاءته من الكمالات، فيحسدون صاحبها.

* بعض مفاسد الحسد
اعلم أن الحسد نفسه أحد الأمراض القلبية المهلكة، وتتولّد منه أيضاً أمراض قلبية كثيرة، كالكبر وفساد الأعمال وتعدّ كل واحدة منها من الموبقات، وتشكّل سبباً مستقلاً لهلاك الإنسان.
وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر  عليه السلام: "إنَّ الرَّجُلَ ليأتي بأي بادرةٍ فيكفر، وإن الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب"(1).
ومعلوم أن الإيمان نور إلهي يجعل القلب موضع تجليات الحق جلّ جلاله، كما جاء في الأحاديث القدسية: "لا يسعني أرضي ولا سمائي بل يسعني قلب عبدي المؤمن"(2).
فهذا النور المعنوي، وهذه البارقة الإلهية التي تجعل القلب أوسع من كل الموجودات، تتعارض مع هذا الضيق والظلام اللذين تسببهما هذه الرذيلة، رذيلة الحسد. إن هذه الصفة القبيحة تضغط على القلب وتضيقه فتبدو آثارها في كل كيان الإنسان، باطنه وظاهره. إنها تصيب القلب بالحزن والكدر، والصدر بالإختناق والضيق، والوجه بالعبوس والغضب. وهذه الحال تطفئ نور الإيمان، وتميت قلب الإنسان، وكلما اشتدت ازداد ضعف الإيمان.
إن جميع الصفات المعنوية والظاهرية للمؤمن تتنافى والآثار التي يوجدها الحسد في ظاهر الإنسان وباطنه. إن المؤمن يحسن الظن باللَّه تعالى، وهو راضٍ بقسمه الذي يقسمه بين عباده. أما الحسود فساخط على اللَّه تعالى، يشيح بوجهه عن تقديراته.

والمؤمن لا يغلبه حب الدنيا، والحسود إنما هو مُبْتَلى بشدة حبه للدنيا. والمؤمن لا يداخله خوف ولا حزن إلاّ من بارئ الخلق تعالى، أما الحسود فخوفه وحزنه يدوران حول المحسود.
والمؤمن طلق المحيّا، وبشراه في وجهه، والحسود مقطب الجبين عبوس الوجه.
والمؤمن متواضع، والحسود متكبر في معظم الحالات. فالحسد، آفة الإيمان التي تأكله، كما تأكل النار الحطب.
ويكفي في شناعة هذه الرذيلة أن الحسد يقضي على الإيمان الذي يعدّ وسيلة النجاة في الآخرة، وباعثاً لحياة القلوب، ويجعل الإنسان مفلساً ومسكيناً.
وإن من المفاسد الكبيرة التي لا تنفك عن الحسد، سخط الحسود على الخالق وولي نعمته وإعراضه عن تقديراته تعالى.
ومن مفاسد هذا الخُلُق الذميم، كما يقول العلماء، ضيق القبر وظلمته، إذ أنهم يقولون إن صورة هذا الخلق الفاسد الردي‏ء، التي فيها ضيق نفساني وكدر قلبي، تشبه ضيق القبر وظلمته، إذ أن ضيق القبر أو اتساعه منوط بضيق الصدر أو انشراحه.
إن الضيق والضغط والكدر والظلام الذي يحصل في القلب بسبب الحسد قلّما يوجد في خُلُق فاسد آخر. وعلى أي حال إن صاحب هذا الخلق يعيش في الدنيا معذباً مبتلىً، ويكون له في القبر ضيق وظلمة، ويحشر في الآخرة مسكيناً متألماً.
هذه هي مفاسد الحسد نفسه دون المفاسد الخلقية الأخرى، أو الأعمال الفاسدة الباطلة، التي يمكن أن تتولد عن الحسد. وقلّما يتفق أن لا تتولد عن الحسد مفاسد أخرى بل إن عدداً من السيئات الأخلاقية والأعمال الباطلة الأخرى تكون وليدة الحسد، كالكِبر في بعض الحالات، كما سبق، والغِيبة، والنميمة، والشتم، والإيذاء، وغير ذلك مما هو من الموبقات والمهلكات.

* سبيل النجاة
فعلى الإنسان العاقل أن يشمّر عن ساعد الجد لينقذ نفسه من هذا العار وأن يأمن من هذه النار المحرقة والآفة الصعبة، وأن ينجو بنفسه من ضغط الفكر وضيق الصدر في هذه الدنيا وهما نوعان من العذاب المرافقان للعمر كلّه وكذلك من الضيق والظلمة في القبر وفي البرزخ، ومن غضب اللَّه تعالى. على الإنسان أن يفكر قليلاً ليدرك أن أمراً له هذا القدر من المفاسد يجب أن يعالج، مع العلم أن حسدك لن يضر المحسود، فلا تزول نعمته بمجرد حسدك له.
لو أنك أمعنت الفكر في هذه الأمور لأقدمت على تطهير نفسك من هذه الرذيلة وأنقذت نفسك من هذه المهلكة. ولا تظننّ أن الرذائل النفسانية والأخلاق النفسية غير ممكنة الزوال. إنها ظنون باطلة توحيها إليك النفس الأمارة والشيطان لكي تنحرف عن سلوك الآخرة وإصلاح النفس. فما دام الإنسان في دار الزوال وعالم التبدل هذا، فمن الممكن أن يتغيّر في جميع صفاته وأخلاقه، ومهما تكن صفاته متمكنة، فإنها قابلة للزوال ما دام حياً في هذه الدنيا.


(1) أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الحسد، ح‏1.
(2) إحياء العلوم، المجلد الثالث، ص‏12. إتحاف السادة المتقين، المجلد السابع ص‏234.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع